بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
تؤكد آيات القرآن الكريم على الشخصيات العظيمة التي غيرت مسار التأريخ، وقد أكدت في قسم منها على مدرسة الأمهات الفاضلات لتلك الشخصيات. فيذكر لنا مقاومة أم النبي موسى، عليه السلام، لإرهاب فرعون وسلطته، وتحديها لقراراته الجائرة. كما يذكر لنا قصة الصديقة مريم بنت عمران، عليها السلام، ومعجزة ولادتها للنبي عيسى، عليه السلام، وغيرهن، كان لهن أدوار مهمّة في تأريخ رسالات السماء.
وللأسف فان البعض منا يتصور ان المرأة يجب ان تلازم بيتها ولا تفارقه ابداً، لان الله تعالى قد أوجب عليها الحجاب؛ ولان الحجاب واجب عليها، فيجب ان تبقى في بيتها، ويجب ان تتحـدّد مسؤوليتها في أداء أمور وواجبات معينة لا تتعداها.
وهنـا لابـد ان نقول: ان المرأة حرّة، ولأنها حرّة ومريدة ومختارة، فهي مسؤولة عن كل خطأ يصدر منها، وعن جزء من الفساد الذي يظهر في المجتمع؛ وهي مسؤولة عن اصلاح و إزالة هذا الفساد، لان المسؤولية مرتبطة بالحرية، وحيثما كانت الحرية والقدرة على الاختيار تكون هناك ايضاً المسؤولية.
وعلى هذا يجدر بالمرأة في مثل هذه الاحوال ان تقوم بأي دور مـن الادوار، التي تسهم في عملية الاصلاح الاجتماعي. إلاّ اننا - للأسف- لا نهتم بهذا الجانب، الذي هو من أهمّ الجوانب التربويــة والاجتماعية. فالمـرأة بإمكانها ان تعلّم اولادهـا الكثير مـن دروس التربيـة السليمـة.
ومن المؤكد ان النظرة الاسلامية الى الحياة هي نظرة شاملة؛ فالإسلام لا يرى أي فرق بين ابناء البشر مهما كانت انتماءاتهم العنصرية والاجتماعية، اللهم إلا بعض الفوارق التي ترتبط بطبيعة التنظيم الاجتماعي؛ من مثل قانون الولاية، حيث للأب - على سبيل المثال- الولاية على اسرته، والامتيازات التي اعطيت للرجل على المرأة، او للمرأة على الرجل. ومع ذلك فان ابتعاد المسلمين عن الثقافة الاسلامية الاصيلة، وسوء فهمهم لها، كان لهما الأثر الأكبر في ترسّخ الكثير من المفاهيم المغلوطة حول الاسلام في اذهانهم.
وعليه؛ فان شيوع الثقافة التبريرية، وغياب الدور الحقيقي للمرأة، أدى الى ظهور الانحراف والاستبداد. فشعوبنا تتهرب من المسؤولية باسم او بآخر؛ فالبعض يتذرعون بأنهم طاعنون في السن، وآخرون يبررون عزوفهم عن المسؤوليات الاجتماعية العامة لصغر سنهم. اما النساء فيتذرعن بأنهن أمهات او زوجات، وآخرون يقولون اننا آباء، وبذلك يتضخم الفساد، اما اذا شارك الجميع في تحمل المسؤولية، واندفعوا في مجالات العمل والنشاط، فحينئذ سوف لا يعود بإمكان أي أحد ان يختلق الاعذار والتبريرات، من لم فإن مداميك الانحراف سوف تتساقط الواحدة تلو الاخرى.
لقد أقمنا المجالس الحسينية مئات السنين، وذرفنا الدموع على علي الاصغر، وهذه الدموع يجب ان تكون ذات جدوى وفائدة، وان تتحول الى مواقف سلوكية وعملية. وفائدتها تتمثل في ان يدفعنا موقف ابي عبد الله، عليه السلام، الى التضحية، حتى بأطفالنا الرضع في سبيل الاسلام.
والمرأة باستطاعتها ان تقوم بأعمال رسالية كثيرة؛ كالتوجيه الديني والاجتماعي، وتقديم الخدمات الاجتماعية، ولكن - وللأسف الشديد- فإن مشاركة المرأة المسلمة ضئيلة حتى في هذه المجالات، رغم ان باستطاعتها ان تجمع بين عملية ادارة شؤون البيت والقيام بتلك الاعمال. وهكذا فان على المرأة المسلمة ان تفجر طاقاتها، وان لا تكون حبيسة بيتها، وتقيّد نفسها بالاوهام والمخاوف من اقتحام الساحة الاجتماعية والسياسية؛ وذلك من خلال الاقدام، وتدريب نفسها على تلك الاعمال، وتنمية مواهبها. فعليها ان لا تنتظر احداً ليعظها ويوجّهها، فالانسان يجب ان يكون المربي الاول لنفسه.
وها هو ذا القرآن الكريم، موجود بين أيديهن، وبإمكانهن ان يربين أنفسهن في هذه المدرسة العظيمة، بالإضافة الى الاحاديث والادعـية. وبعد هذه المرحلة؛ أي مرحلة التنمية الذاتية، عليهن حينئذ ان يتوجهن الى النساء الأخريات من خلال اقناعهن بضرورة العودة الى ساحات العمل عبر الاساليب المختلفة.
ترى اين المرأة المسلمة المعاصرة من النساء اللاتي سطّرن الملاحم والبطولات الخالدة عبر التأريخ الاسلامي المديد، مثل فاطمة الزهراء عليها السلام، وزينب، وخديجة الكبرى، وأم سلمة؟
إن على المرأة ان تجرب العمل الرسالي يوماً، وحينئذ سوف تكتشف كيف انه سينقذها من الفراغ الثقافي واللاهدفية في الحياة. كما انه سيجعلها تعكف على تربية نفسها، وتنمية مواهبها، وتفجير طاقات النساء الاخريات اللاتي يعشن في الوسط الذي تعيش فيه، وتعبئة هذه الطاقات في طريق العمل الاسلامي جنباً الى جنب طاقات الرجل. وبذلك سوف تشعر بوجودها فتصنع الكثير من الاعمال والانجازات.