لمحة عن تاريخ نوروز
مثلما مرَّ في تاريخ الشعب الكردي أيامٌ وحوادث سوداء، مرت أيامٌ نورتْ معها تاريخه ومجدته. وبقدر ما أثرتْ هذه الأيام على مستقبلْ الشعب الكردي أثرتْ على مستقبل شعوب المنطقة أيضاً. هذه الأيام التي تركتْ أثراً كبيراً على صفحات التاريخ هي التي جعلتْ الأكراد يأخذون مكانهمْ على خشبة التاريخ. بقدر ما كان لها أهمية كبرى بالنسبة لتلك المرحلة، كان لها أثرٌ هامٌّ على قيم المستقبل الحياتية ولعب دورها في تنوير الأيام المظلمة. أما بالنسبة إلى يومنا هذا، دون شك له تأُثيراته المعنوية على القوى الطليعية في نضال الشعوب...
نوروز كان من إحدى هذه الأيام المقدسة التي ترمز إلى المقاومة والنضال. فنوروز هي ثقافة الحرية المتحولة إلى شكل الحياة، الربيع، اليوم الجديد، رمز الجمال بالنسبة للشعوب. بالتالي فهو عيد الشعوب.
نوروز هو اليوم المبشر عن عامٍ وبدايات جديدة بعد ظروف الشتاء الصعبة، وهو اليوم الذي تحيى وتخضرُّ فيه الطبيعة من جديد، تُحضرُ نفسها لتقدم حياةً مليئة بالطاقة والحيوية والمفاجآت...
نوروز هو الذي نقش حروفه بمقاومة عظيمة على صفحات التاريخ، ليبشر ببدء مرحلة إرادة الشعوب.
مكانة نوروز في التاريخ
وفق رأي البعض من المؤرخين، أنَّ هجرة القبائل والجماعات التي هاجرت من شمال أوربا والتي هي أولى شعوب الشرق الأوسط ذوي العرق الآري والمنحدرة من عائلة هندو-أوربا تمتد حتى أعوام 3000 قبل الميلاد. ويشار إلى أن المديون أيضاً كانوا من إحدى أولى هذه الشعوب. يذكر في الكثير من الكتب التاريخية على أنَّ المديون والبرسيون اللذان يمثلان جناحاَ من هذه الشعوب يصلون في أعوام 1000 ق.م إلى أراضي ميزوبوتاميا ويقبلون تلك الأراضي كوطن لهما ويقطنون فيها.
حيث أنهما يقطنان في نفس الفترة في أماكن مثل تلة إيران، ميزوبوتاميا والسواحل الجنوبية من قفقاسيا. هذا في نفس الوقت يفيد المرور إلى الحياة المستقرة، وهي بداية بذل الجهود في إيجاد وطنٍ والتمركز فيه...
مع اعتبار تلك المرحلة سوف لنْ يكون بإمكاننا تحديد حدود وطن المديين. لأنه ما زال في حالة بحثٍ وجهدْ للاستقرار في وطن ما.
لم يقتصر آشور العبودي قمعهُ وظلمه على الشعوب التي كانت تبحث عن وطن تستقر فيه، وقد مارسَ هجمات دائمية تجاه الشعوب المستقرة والشبه مستقرة في المنطقة. وطن ميديا أيضاً أخذ نصيبهُ من هذه الهجمات بشكلٍ مكثف.
الآشوريون، مع مرور الزمن يسيطرون على الميديين أيضاً مثلما سيطروا وتحكموا بالشعوب القاطنة في المنطقة. كان هذا علامة على أن الظلم والقمع بدأ ضد المديين وشعوب المنطقة. كانت الممارسات العبودية تزايدت ضد الشعوب لدرجة أنها لم تستطع التنفس بكلِّ راحة.
بالنسبة لكيفية ظهور نوروز للوسط ما زال المؤرخون يستمرون في بحثهم. النتائج التي وصل إليها بعض المؤرخون هي بهذا الشكل؛ نتيجة الاتفاقية التي تمت بين المديين والبابليين يتمردون على الآشوريين. حيث أنهم يهاجمون مدينة آشور عام 612 ق.م بجيش كبير كان قيصر على رأسه. بهذا الشكل يحاصرون العاصمة نينوفا. بعد نشب اشتباكات عصيبة بين الطرفين ينتصر المديون والبابليون في دخول المدينة. أما ملك آشور، يرمي بنفسه في النار التي أُضرمتْ بالقصر بأكمله، لتنتهي حياته مع سقوط قلعته.
أما رأي آخر والذي هو الرأي الشائع بشكل عام، هي أسطورة كاوا الحداد. ففي منطقة الشرق الأوسط والتي تمتد حدوده حتى آسيا الوسطى تقوم إمبراطورية آشور والملك ضحاك (دهاك) بتأسيس نظام عبودي ظالم ضد جميع شعوب هذه الجغرافية. الشعبُ، كانَ يئنُّ تحت ظلم ضحاك البربري وهجماته التي كانت تزداد أكثر مع مرور كل يوم...
بعد فترةٍ من الزمن يُصاب الظالم ضحاك بمرضٍ ما. المرض مميت ولا مداواة له. يمررُ أيامه بآلام وأوجاع ذلك المرض. لا يجد الحكام وعلماء ذلك الزمن علاج هذا المرض، لذا يتقرحون له بدهنَ جسدهِ بدماغ الشبان والأطفال، ذلك بحجة أن هذا المرهم الذي يُصنع من دماغ الأطفال والشبان يخفض الألم ويحسن ذلك المرض. بهذا الشكل ومن خلال استخدام ضحاك لدماغ شابين اثنين في كلِّ يوم كمرهم لألمه، يرتكب ضمن أيام وأسابيع محدود مجزرة بكلِّ معنى الكلمة.
وفي هذه المرة كان الدور قد جاء إلى الشعب الميدي. فإلى جانب أنَّ ضحاك كان يقتل شبان الميديين لاستخدامهم كدواءٍ لدائه، كان يهدف من الجانب الآخر إلى إنهاء الميديين والتخلص منهم بشكل نهائي. بهذا الشكل يقتل الكثير الكثير من شبان الميديين. حتى يأتي الدور إلى ابن حداد يسمى بكاوا. الحداد يرغب أنْ يُسلِّمَ ابنهُ إلى ضحاك بنفسه، وحين يذهب إلى قصر ضحاك يحقق هدفه الأساسي. يضرب كاوا الحداد ضحاك بمعوله الحديدي. فيتألم ضحاك بضرباته كثيراً. بعد فترة قصيرة يتمرد أهالي نينوفا ومن ثم جميع شعوب المنطقة على هذا الظلم، ومع إشعالهم للنار يسيرون فوق القصر. في الحين الذي كانت نينوفا تحترق فيه تماماً، كانت المشاعل تتجول من يدٍ إلى أخرى. فتُشتعلُ نارٌ كبرى في أعالي الجبال، تُلبس أجمل الألبسة وتُنظَّمُ المهرجانات والحفلات. يستمر الشعب بهذا الاحتفال لأيامٍ عديدة. وبهذا الشكل تحتفل الشعوب التي تتحرر من ظلم ضحاك بانتصارهم هذا مع قدوم كل يوم 21 آذار ليعتبروا هذا اليوم كعيد للتحرر، عيد الحرية وعيد الشعوب. يكون كاوا الحداد بطل التمرد، أما نوروز 21 آذار يمرُّ في صفحات التاريخ كيوم المقاومة والتمرد. ومع كل عام تحتفلُ الشعوب بقدوم 21 آذار، حتى تستمر هذه العادة لآلاف من السنين وتأتي حتى يومنا هذا.
نوروز المتحولة إلى مقاومة
كان من إحدى أهداف انقلاب 12 أيلول العسكري هو إخراج الثوريين المعتقلين في سجن تركيا من جوهرهم المقاوم. لتصل هذه الممارسات إلى الذروة في سجن ديار بكر العسكري. فيبدأ جميعُ المعتقلون، خارج عدة مجموعات بعملية الإضراب عن الطعام ضد التعذيب والظلم الممارس في تاريخ 2 كانون الثاني/1981. يستمرُّ إداريو السجن بهجماتهم بشكل مكثف حتى تاريخ 24 شباط من نفس العام. حيث يحاولون وضع جميع الكوادر الطليعة المصرَّةِ في المقاومة في حالة عزلة وتجريد، لكن رغم كل القمع والتعذيب المفروض، لا يستسلم المقاومون الذين كانت تتراوح أعدادهم فيما بين 500-600 شخصاً لمآربهم... لذا، هم بدورهم يرفعون من جرعة التعذيب أكثر في سجن آمد العسكري. حيث يجلبون المعتقلين إلى ردهات المنامة (القاووش) ويمرروهم تعذيب لا مثيل له. تحول كلُّ شيء إلى حالةِ ظلمٍ في هذا السجن. كانت الدولة تهدف إنهاء النضال في شخص الكوادر المعتقلين، حتى تحول كل ما يمرُّ من عقل الإنسان إلى ممارسة للتعذيب. أما الكوادر، فكانوا يحضرون أنفسهم لحربِ شعبٍ طويلة الأمد. في شهر آذار من عام 1982 الذي وصل فيه القمع والتعذيب إلى الذروة، يقوم الرفيق مظلوم دوغان في ليلة 21 آذار بعمليته العظيمة بهدف إبقاء المقاومة حية، وإيقاف التعذيب الممارس في سجن آمد العسكري، وتحويل 21 آذار إلى عيدٍ للمقاومة... بهذا الشكل هذه المقاومة التي بدأت في السجون كانت ستستمرُّ من الآن وصاعداً داخل وخارج الوطن.
نوروز التي وصلت إلى مظاهرات الشعوب بعد أن تحولتْ من الزنزانات إلى الجبال، ومن الجبال إلى المدن...
مع وصولنا إلى عام 1990؛ نارُ نوروز التي بدأتْ في آمد في السجن العسكري، وانتقلت فيما بعد إلى أعالي الجبال عام 1984، كانت قد تأججتْ في المدن والقرى أيضاً. الاشتباك الذي حصل في 12 آذار 1990 في منطقة سافور المرتبطة بماردين كان قد انتهى باستشهاد 12 كريلا وقتلْ 50 من عساكر العدو. تحول صدى هذا الاشتباك إلى شوارع نصيبين بعد فترةٍ قصيرةٍ جداً. ففي 15 آذار حين تم تسليم جنازات الكريلا إلى عائلاتهم، تجلب جنازة الرفيق الشهيد كاموران دوندار إلى نصيبين. ينضم العشرات الآلاف من الشبان، النساء، الصغار والكبار إلى مراسيم التعزية. فيقاطع الشبان المدارس، وتُغلقُ الدكاكين، فتتحول مراسيم التعزية إلى مسيرة كبرى تتوجه نحو مركز المدينة مع الشعارات والهلاهيل. مع توحد هذه المسيرة مع نوروز، تنتشر في جميع الأرياف والقرى المجاورة أيضاً... نوروز تتحول إلى مظاهرة حاشدة.
هذه المظاهرة التي بدأتْ في منطقة الـ جزرة في 15 آذار، تنضمُّ إلى احتفالات ومهرجانات نوورز، فتغلق الدكاكين وتتقاطع المدارس من جديد لتتحولَ إلى مظاهرة شعبية عظمى. حيث يتوجه الشعب من شوارع الجزرة وقراها نحو مركز المدينة كي يحتفلوا بعيد نوروز. فتتنور المدينة بنار نوروز التي يشعلونها في كل مكان. ولأن قوى الدولة الأمنية لم تتمكن من قمع الكتلة الشعبية، تطلب التقوية من المناطق المجاورة. والكريلا أيضاً يساندون الشعب مع إشعالهم للنيران في الجبال المحيطة بمنطقة جزرة في ليلة 21 آذار.
ينضمُّ أهالي منطقة أديك، سلوبي، مدياد، كَزل تبة، ديريك، كرجوش أيضاً إلى المظاهرات التي تمت في نصيبين وجزرة. ومع انتشار نار نوروز في كل القرى والنواحي تتنور كردستان بأجزائها الأربعة.
المشعلة التي أشعلها رفيقنا مظلوم دوغان في ليلة نوروز 1982، تتنور هذه المرة في أعالي سور آمد عام 1990. طالبة الجامعة زكية آلكان تحولُ بدنها الشاب إلى نارٍ لنوروز في 21 آذار عام 1990 مع خروجها إلى أعالي سور آمد. آلكان تتحول إلى رمزٍ للمقاومة والحياة مع قولها: "النار الأعظمْ، هي النارُ التي تحترق في بدن الإنسان..."
بعد فترة قصيرة ينتشر هذا الوضع المعاش في كردستان في جميع متربولات تركيا وأوربا ومن ثم في جميع أنحاء العالم. نارُ نوروز المشتعلة في كردستان، تُشعلُ في جميع شوارع تركيا وعلى رأسها مدن أضنة، مرسين وإزمير.
فهذه المشعلة التي يأخذها رفيقنا الطليعي مظلوم من أعماق التاريخ، ويسلمها لزكية آلكان في سور آمد، تنتشر في جميع أنحاء تركيا. لتنقلها رهشان التي كانت في الثامنة عشر من عمرها إلى أوربا إلى قلبين شابين جداً، تنقلها إلى روناهي وبيريفان. لتتنور هذه المشعلة في جميع أنحاء العالم بعد أن تتجول من يد إلى أخرى.
جهودُ التحول الرسمي في عام 1997
الدولة التي لم تكتسبُ أيةَ نتيجة بارتكابها للمجازر، الاضطهادات والاعتقالات في النهاية تبنت نوروز. فبدأتْ جيلَّر تقفز من أعالي النيران في الشوارع عام 1997. ودميرَلْ بدأ يحتفل بنوروز مع ضربه على الحديد. طُبعتْ الآلافُ من المستندات والإعلانات واللافتات. وحضروا بياناً حول نوروز بينوا فيه على أن نوروز هو عيدٌ للأتراك، وتعرض للمنع والحظر لسنين طويلة، كما ذكروا فيه على أنَّ ألوان الأخضر، الأحمر والأصفر هي الألوان القومية للأتراك. على هذا الأساس أعلنوا على أن الفعاليات العملية حول نوروز سوف تتم من الآن وصاعداً تحت إدارة الدولة وعلى أن استخبارات الـ(MİT) هي التي ستعتني بأمور التبليغ والبيانات الرسمية.
البيان الذي ألَّفَ هذا السيناريو كان يشير على أنَّ: "نوروز هي من إحدى عادات الأتراك القديمة، وقد احتفلت الدولة والجمهورية التركية بهذا اليوم سابقاً." كما أن البيان ذكر على أنه يجب استخدام الألوان الأحمر، الأصفر والأخضر في اللافتات والإعلانات التي ستُحضر. ويستمر البيان بهذا الشكل: "يجب أن تُحضرَ في نوروز المواضيع المشيرة إلى أهمية الثقافة التركية، وعلى أنه يجب أن ينشر هذا الاحتفال في قنوات (TRT) فقط. كما أن فعاليات النشر الموجهة إلى طلبة الجامعة سوف تُمارس تحت إشراف وزير الداخلية والثقافة ومن قبل وزارة التعليم العليا..."
كانت الإدارة العامة للثقافة والمسرح المكلفة بتحضير مسارح وعروض تنقد حركة (PKK). إلا أن الشعب الكردي ورغماً عن كل هذه الممارسات البعيدة عن القيم الإنسانية استمر في الاحتفال بعيد نوروز في الأجزاء الأربعة من كردستان وفي تركيا وأوربا أيضاً. بهذا الشكل تحول نوررز بمقاومة الشعب وإرادته الحرة إلى أكبر جواب للنوروز التي كانت تفرضها الدولة مستندة إلى الشدة والعنف.
نوروز في أعوام الـ 2000
أول نوروز احتفل في هذا العام كان نوروز آمد الذي هزَّ العالم أجمع بانضمام المئات الآلاف من الشعب وبشعاراتهم المنادية للحرية والخلاص. ففي هذا العام أيضاً احتفل نوروز في كافة مدن وقرى كردستان وفي جميع أنحاء العالم. من إحدى خصائص نوروز هذا العام، هو مروره بشكل أكثر سلمية وأمان. فأثبت الشعب بوقفته على أنهُ في المدة التي لا تمارس فيه الدولة هجماتها الوحشية، الشعب سوف يحتفل بعيده المقدس هذا بشكل سلمي.
نوروز عام 2001 أيضاً كان النوروز الذي نادى فيه الآلاف من الشعب بشعارات السلام، الديمقراطية، الأخوة، الوحدة والحرية في كافة الميادين. ففي هذا العام اعتبر نوروز آمد الذي انضم إليه أكثر من 500 ألف شخص كأول خطوة في حملة المظاهرات السياسية. هذا ما أثبت على أن الشعب سوف يثبت حقيقة وجوده بشكل مشروع في الأعوام المقبلة من نوروز. أما خاصية نوروز هذا العام، كان انضمام الشعوب الأخرى أيضاً إلى احتفالات عيد نوروز. هذا الانضمام دلَّ على أن نوروز هو عيدُ جميع شعوب الشرق الأوسط. نوروز هي النتيجة العملية لتمرد المظلومين على الظالمين، هو البحث عن الحق والحرية. لهذا السبب بالتحديد يخاف المتحكمون والسلطويون من هذا اليوم، فهو يوم مقاومة الشعوب وتمردها تجاه ظلم السلطويين البعيد عن وجدان وقيم الإنسانية. فنوروز عيدٌ لسلام الشعوب. نوروز هو عيد المظلومين تجاه الظالمين. نوروز هو السلام المتخذ لوحدة الشعوب أساساً له. فخاصةً في القرن الواحد والعشرين نوروز الذي يفيد النضال المشترك لشعوب الشرق الأوسط تجاه ضحاك، فإنه يفيد السلام المشترك أيضا.ً من الآن وصاعداً بإمكاننا الذكر على أنَّ السلام والديمقراطية سيتحققان بنضال هذه الشعوب وبقوتهم الجوهرية. وهذا ما هو مناسب لجوهر نوروز الحقيقي.