السلطان «قايتباي».. أخر سلاطين مصر العظام
وقف الخواجا محمود تاجر المماليك أمام “عليش” مسئول الأجلاب في قصر السلطان برسباي يتفاوض معاه في بيعة مملوك جديد شاب طويل ممشوق الجسم وعنده 22 سنة، ومش راضي ينزل عن الخمسين دينار!.. وبعد مداولات وخناقات باعه ولكن بـ25 دينار، وبياخد عليش المملوك الجديد للقصر مملوك من الأجلاب.. وبعد فترة من الوقت وانتقال من سلطان للتاني بيقعد المملوك على عرش السلطنة ويبايعه الأمراء سلطان عليهم، مش كدا وبس.. وبيكون واحد من اعظم سلاطين دولة المماليك ومصر بصفة عامة.. هو الملك السلطان أبو النصر الأشرف قايتباي المحمودي الظاهري (عز نصره).. وهايكون موضوع تدوينة اليوم الشيقة.. خليكو معانا..
ماحدش من المؤرخين اتكلم بالظبط عن طفولة السلطان أو أصله، الا انه من مواليد سنة 1412م وكان العصر دا السمة الأساسية فيه هي الفوضى، مش بس سياسيا ولكن اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.. كان تداول السلطة بين الأمراء المماليك في وقت السلم (لما مايكونش فيه خطر يهدد الدولة) عن طريق الأغتيال أو الاعتقال!.. اعتقال السلطان وهو قاعد على العرش وخلعه وتنصيب واحد جديد، حتى ان أحد السلاطين قعد على العرش ليلة واحدة بس..!!
وبيموت السلطان الأشرف بارسباي، وتؤول تركته بما فيها المملوك قايتباي الى بيت المال، ويتباع للظاهر جقمق اللي بيعجب بيه وبإخلاصه فبيعتقه وبيستخدمه كأمير عشرة (بيمنحه الأمارة)، وكان يوصف شكلًا بأنه طويل القامة، شاحب اللون، ذو بنية نحيلة قوية ولحية شائبة، يعلوه وقار وسكينة. ويتدرج المملوك الجديد في المناصب وفي اقل من 9 سنوات وتحديدا في 1467م بيبقا الأمير قايتباي أتابك عسكر السلطان الظاهر تمربغا الرومي (يوناني) واللي بيخلعه المماليك في نفس السنه عشان يبايعوا الأمير قايتباي سلطان على مصر!..
كانت الفوضى هي شعار المرحلة اللي ابتدت من أول وفاة الظاهر خوشقدم سنة 1467م، وانتهت بتولي قايتباي السلطنة سنة 1468م. كان في منصب الدوادار واحد اسمه الأمير خاير بك وكان في منتهى القوة والتسلط!.. رفض السلطنة وفضَّل انه يضع سلطانًا ألعوبة، فوضع الأشرف يلباي على العرش وهوا الحاكم الفعلي من وراء الستار، ثم بعد أن انتهى الغرض منه خلعه وجه مكانه الظاهر تمربغا، وبعدين طلعت في دماغه انه يخلع الكل وينصب مفسه سلطان على مصر، فرفع نفسه على كرسي الحكم وسمى نفسه بالسلطان الظاهر، (وفي رواية تانية القاهر)، ولكنه فوجيء في تاني يوم بـالأمير قايتباي ومعاه باقي الأمراء بيدخلوا عليه بالجنود وبيعتقلوه من غرفة العرش ويجروه على السجن وبعدين للمنفى.. عشان يسخر منه الناس وينادوه «السلطان ليلة»..! (طالع قائمة بأسماء سلاطين مصر في العصر المملوكي)
وبيقول ابن إياس الحنفي، في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» إن قايتباي لما قالوله الأمراء باتفاقهم على اختياره كسلطان أعرض وتشدد في الإعراض، حتى أنه بكي في حفل تنصيبه وهما يلبسونه خلعة السلطنة (العباءة والعمامة الأسودان، كشعار للخلافة العباسية واللي كانت انتقلت للقاهرة من 200 سنة مضت)، واشترط من البداية انه ماحدش يوزع على العسكر «نفقة البيعة» ودي كانت مبلغ من المال كان بيوزعه عليهم كل سلطان فور توليه الحكم (حلاوة التنصيب يعني). وجابوا قاضي القضاة كتب محضر خلع السلطان تمربغا بشكل رسمي (يعني مكانش حد اعترف بخاير بك ولا بسلطنته) وبيقف قايتباي قدام تمربغا وكانت بينهم زمالة قديمة وبكى السلطان الجديد على حال سلفه المخلوع وصديقه واعتذر له بأن الظروف ألجأته إنه يخلعه وتفهّم تمربغا الموقف، وبيودعه وبيروح إلى دمياط بنفس راضية وهو معزز مكرم، وبيقعد السلطان قايتباي على العرش سلطان وهو ابن خمس وخمسين عامًا.
وعُرِف «قايتباي» بين الأمراء بنزعة دينية تصوفية، وكان عنده اعتقاد بالأولياء والزاهدين والصالحين، وكان يجلّ الفقهاء ويحب مجالسهم خاصة مع اهتمامه بالعلم وميله الشخصي للمعرفة والاطلاع في أمور الدين. كما عُرِفَ بإجلاله للمشايخ الكبار أمثال الشيخ أمين الأقصرائي وجلال الدين السيوطي، حتى أن خطيب مسجد القلعة كان ربما بالغ في الوعظ في انتقاد افعال السلطان وترهيبه من الحساب أمام الله عز وجل، فتلاقي السُلطان بيترعش من الرهبة ويمكن يغمى عليه، ولما يفوقوه كان بيقوم يبوس ايد الشيخ ويشكره على وعظه حتى لو كان قاسيًا!.. ودا أمر غير معهود بين امراء او سلاطين المماليك في الوقت دا.. وكان متواضع جدا قدام الناس حتى أن أحد المؤرخين بيحكي انه مر في يوم بامرأة غريبة ماتت وماكانش لها أقارب، فأوقف ركبه ونزل عن جواده وصلّى عليها هوا وكل اللي معاه وتولى دفنها بنفسه. وكمان كان متشدد في التزامه الديني حتى أنه كان رايح يصلي الجنازة على مملوك عنده سقط من فوق مبنى ومات، فلما عرف أنه كان سكران قبل مايموت رفض الصلاة عليه ومشي من الجنازة..
وكان اول تحدي يقابل السلطان قايتباي هو تحدي الأمن الداخلي، فنلاقي السلطان بيخالف عُرف سلاطين المماليك اللي سبقوه في قمع التكتلات الموالية للسلاطين القدامى أو للأمراء الأقوياء لغاية ما يصفو الجو من المعارضين ويبقى الموالين وبس!.. لكن السلطان عمل عكس كدا تماما، بإنه سعى لتأليف قلوب مختلف الفئات وكان أشدها شوكة المماليك الإينالية (أو مماليك السلطان إينال)، والمماليك الجلبان، وقبائل العربان، كل دول شكلوا تحدّيات أمنية وسياسية قدام السلطان قايتباي واللي تعامل معها بما يناسبها، فحاول السلطان اجتذابهم لصفه وتقريبهم إليه، بل وكان يحرص على إشغالهم بالمشاركة في حملاته العسكرية (حوالي 16 حملة عسكرية) وتوليتهم المهام والوظائف، لكنهم كانوا بيدبروا مؤامرات عليه سرًا، إلى حد نشر الشائعات ومحاولات الوقيعة بينه وبين أمرائه المقربين زي الأمير يشبك الدوادار، بل ومحاولة اغتياله مع بعض أمرائه، المحاولة الفاشلة واللي ادين بها الأمير أزدمر الطويل،وبيسامحه السلطان وبيكتفي بتحديد اقامته في أسيوط لولا أن الأمير يشبك بيغلط السلطان وبيطلب منه انه يقتله، فأمر باعدامه. كمان كانت مشكلة (المماليك الجلبان) لأنهم كانوا كثيري الشغب والاعتداء على العامة وسلبهم بالقوة، دا غير تطاولهم على الأمراء وعلى السلطان نفسه بحجة تأخر النفقة وتقليل المرتبات. كمان كان شغب العربان (الأعراب أو البدو) اللي كانوا كل شوية يتمردوا على السلطة المركزية في القاهرة ويقطعوا الطريق على القوافل التجارية ويشنوا غارات على القرى والمدن في الضواحي. واتسم تعامل قايتباي مع الأزمات دي كلها بالشدة والحسم وسرعة رد الفعل، فاعتمد على دراعه اليمين وخشداشه ورفيق عمره الأمير يشبك الدوادار اللي شن حملات كتير على عرب الصعيد والشرقية والبحيرة، فقتل وأسر منهم كتير واستطاع في النهاية قمع فسادهم لغاية ما ارسلت القبائل مرة تانية تطلب الرحمة وتعلن الطاعة. أما الجلبان فتعامل معاهم بأسلوب الشد والجذب.. مرة بالشدة والقمع ومرة باللين، بيحكي ابن اياس ان ذات مرة في شغب بعض الجلبان في شوارع القاهرة خرج لهم السلطان فجأة ووقف امامهم وصاح بهم «هأنذا أمامكم إن كنتم تريدون قتلي»!.. وأخافتهم الصدمة وارتدوا إلى ثكناتهم في الحال، وفي واقعة شغب تانية أظهر لهم (العين الحمرا) فنادى في الجند بالتجهز للقتال وحمل السلاح، وأعلن أنه قائم بنفسه في محاربة الجلبان وهايقطع خبرهم، فخافوا وارتدعوا مؤقتًا وخف ضررهم كتير بعدها ولكنهم ظلوا على مشاغباتهم إلى نهاية الدولة. أما الإينالية فقد طال صبر السلطان عليهم، حتى استهلك كل الحيل في تأليف قلوبهم واجتذابهم، فأصبح يتخلص منهم بالنفي والإرسال لحملات بعيدة ليخرجهم من البلاد دون أن يضطر لإراقة الدماء.
ومن الناحية الاقتصادية كانت تواجه السلطان ضوائق مالية متتالية، خاصة مع تصعيد قايتباي لحملاته العسكرية الخارجية تكلفت حوالي سبعة ألاف ألف دينار (سبعة مليون)، فكان بيضطره (زيه زي غيره) لفرض ضرائب على الشعب والمصادرات على بعض أموال كبار التجار لتمويل الحملات، لكنه كان أحياناً بيعيد بعض المبالغ لهم حال سماح خزينة الدولة بذلك (يعني كان حُنَيّن عن غيره شوية) كمان كان مطالب بضبط الأسواق عشان الأسعار ماترتفعش والناس تضيق من سلطته، فكان بيعقد المجالس الشرعية بقضاة المذاهب الأربعة ويطلب منهم فتوى رسمية بضم فوائض الأوقاف للخزانة السلطانية، ولكنه كان عادة ما يواجَه بمعارضة الشيوخ أقوياء الشخصية منهم، ولأن السلطان كان متدين وصوفي فكانت من نقاط ضعفه هيبة الفقهاء، فمكانش بيقدر يرد على اللي يتصدى له منهم بالذات الشيخ أمين الأقصرائي، واللي بيقول ابن اياس عنه أنه حضر مجلس الجميع فيه كانوا موافقين على قرار السلطان فوقف له الشيخ وعطل القرار مش كدا وبس.. وعنف السلطان وذكره بالمحاسبة أمام الله ودعى كل الحاضرين الى تقوى الله في أراءهم فانفض المجلس وذهب الجميع!..
غير كدا كمان، اتخذ السلطان قايتباي قرارات وصفها بعض المعاصرين له بانها تعسفية جائرة ألا انها كانت واقع الأمر قرارات صائبة جدا، زي مثلا قطع نفقة طبقة «أولاد الناس» أو أبناء المماليك، فكان الأمير المملوك اللي مالوش اقطاع يعيش منه كان له نفقة شهرية من بيت المال على اساس انهم الطبقة الرئيسية في الجيش، لكن مع الوقت تراخى أمر مشاركة الأمراء في الحملات العسكرية ومع ذلك مازالوا يحصلون على نفقة رسمية من الخزانة كان بيطلب بها السلطان ودهم. فلما جه قايتباي أبطل النفقة دي وجمع «أولاد الناس» وألزم كلا منهم أنه يظهر مهارته في الرماية أو أي شيء لينول شرف الجندية، واللي ينجح كان بيصرف له راتب من ديوان العسكر (ديوان الجند)، واللي يفشل كانت بتتلغى نفقته على الفور، بل وكلفه أن يقدم مبلغ من المال أو يوفر مملوك بديل عنه بين الجنود! ويبرر البعض كدا بكثرة الحملات الحربية وجدية التهديدات من الإمارات التركمانية في شمال الشام وجنوب الأناضول، وكمان تهديدات ابن عثمان (الدولة العثمانية) لحدود السلطنة، والبعض بيندد بسياسة السلطان المالية ويقولوا عليه جشع وشره لجمع المال. ولكن بقراءة متأنية لكتب مؤرخي العصر دا تفهم كويس أن هذا المال كان موجه بالفعل للمجهود الحربي، في حملات لم تكن عبثية أو في غير محلها أبدا على الإطلاق.
أما على السبيل المحلي فكان أمام السلطان مشكلة ارتفاع اسعار بعض السلع (بالذات القمح) في اوقات كتير من عهده، وكمان بيعقبها احتكار بعض التجار للسلع دي فتزيد موجة الغلاء، ولكن السلطان كان بيواجهها بحزم بأن يفتح شونة الخاصّة (الأحتياطي السلطاني) ويبيع منها القمح بسعر رخيص مدعم، وكان يطلب من المحتسب (جهاز حماية المستهلك في الوقت دا) انه يداهم شون محتكري القمح واللي كانوا بصاصي الشرطة (جهاز الأمن الداخلي) بيجيب معلومات عنهم، وبيعاقبهم على الملأ ويصادر املاك اللي يصر منهم على موقفه فينخفض السعر ويحس الناس بعدل السلطان.. وكان أكبر تحدي واجهه السلطان قايتباي وحكومته وكان بيفوق التحديين اللي قبل كدا كان (الطاعون) اللي هاجم البلاد 3 مرات خلال عهد السلطان، واختطف ممن أصابهم ابنه (4 سنوات) وبنته (6 سنوات) وأخته، وسقط أعداد كبيرة من الضحايا وصلت الى 200 ألف قتيل، فكان بيرفض انعزال أمراء المماليك عن الناس مخافة العدوى، وكان بيأمرهم باتخاذ كل اللازم وبلا خوف إلى حد اضطرار الأمير يشبك الدوادار للقيام بعمل مَغسَل للموتى شارك فيه في تغسيلهم ودفنهم بنفسه ومات عدد كبير من الأمراء لأصابتهم بالعدوى في سابقة هي الأولى في عهد المماليك. ومع ذلك استطاعت الدولة التماسُك، واستطاع المجتمع أن يرجع للحياة الطبيعية من بيع وشراء ومعاملات ونحو ذلك.
في شمال السلطنة عند حدود الشام مع الأناضول كان فيه بعض الإمارات التركمانية الموالية للقاهرة، ودي مثلت حاجز طبيعي بين المماليك والعثمانيين، وكمان كانت بمثابة (مخلب قط) لسلاطين المماليك ضد أية تهديدات شمالية محتملة من ابن عثمان، بعد ما وقعت بين سلطنة المماليك وإمارات التركمان صدامات عسكرية ضارية تخللتها مراسلات ومفاوضات تكللت باتفاق الهدنة بين المماليك وإمارة «دلغادر» (ذي القدر)، وكمان إمارة «الآق قويونلو» أو (القطيع الأبيض). في حين كانت العلاقات بين المماليك وابن عثمان في البداية ودية يسودها التفاهم والتوافق، لغاية ماجاء عهد السلطان بايزيد بن محمد الفاتح، والذي كانت عينه على الممتلكات المصرية في الأناضول والشام. وبدأ العداء بين الدولتين بأن هرب إلى مصر الأمير جُم ابن محمد الفاتح فرارًا من رغبة أخيه السلطان في قتله تنفيذًا لـ«قانون نامة» واللي كان بيسمح للسلطان بقتل إخوته الذكور لو خرجوا عن طاعته، وأواه السلطان قايتباي ووفر له الحماية فاعتبرها بايزيد عداء مباشر لدولته وأرسل حملة عسكرية على شمال الشام وهاجم حلب، وبيجهز قايتباي حملة مضادة بيقودها بنفسه ويقابل الجيش العثماني وينزل به هزيمة قاسية. وفي العام التالي أغار العثمانيين على بعض القلاع المملوكية الحدودية، فأرسل قايتباي حملة تانية بقيادة أتابكه القدير الأمير سيف الدين أزبك، اللي انتصر على الجيش العثماني ورجعه داخل ارضه مرة تانية في 1485م، واعاد العثمانيين الأغارة على شمال الشام عام 1486م وصدهم المماليك للمرة التالتة بقيادة الأمير يشبك الجمالي، وفي المرة الرابعة وبعد هجوم الأتراك على الحدود الشمالية وتوغلت قوات المماليك بقيادة الأمير أزبك داخل الأراضي العثمانية في أضنة عام 1488م جريا وراء فلول جيش ابن عثمان دون اي مقاومة. فبيعرف السلطان بايزيد انه مافيش فايدة وبيقبل السلام سنة 1494م بعد أن أثبت المماليك قدرتهم على ردع أية محاولات للعدوان على دولتهم.
دا غير ردع السلطان قايتباي لهجمات القراصنة الكتلان (أسبانيا) على سواحل مصر الشمالية، فانشأ طابيتين حربيتين في الأسكندرية ورشيد لحماية السواحل، ومد سلسلة عملاقة لحماية ميناء اسكندرية (منطقة السلسلة حاليًا)، كما قام بالقبض على التجار الأوروبيين بالسواحل وأجبرهم على مراسلة حكومات بلادهم لإستعادة أسرى القراصنة من أهالي المدن المصرية وتجارها، كما أرسل مبعوثا دبلوماسيا لملك كاتالونيا لمطالبته بالعمل على إيقاف القراصنة عن مهاجمة السواحل المملوكية، وبكدا استطاع قايتباي أن يؤمن الثغور البحرية .
وفي عهد السلطان قايتباي وردت مراسلات من بني الأحمر بالأندلس بيطلبوا المساعدة منه ومن كل حكام العرب لوقف حصار الأسبان لغرناطة اخر معقل عربي في الأندلس.. والتدوينة اللي جاية ان شاء الله هانتكلم باستفاضة عن الموضوع دا وموقف السلطان منه فتابعونا..
وكان السلطان قايتباي برغم تقدم سنه معروف عنه النشاط الواضح والحركة المستمرة، وكان بيقعد بنفسه يستمع لمظالم العامة يومين كل اسبوع، كمان كان بيقوم بجولات متعددة بين المدن المصرية والشامية والحجازية للوقوف بنفسه على أوضاعها وإصلاح ما ينبغي إصلاحه بها. واشتهر بأنه كان كثير ما يتنكر وينزل من قلعة الجبل يمشي في الأماكن العامة ويسمع لكلام الناس في المجالس عشان يلمس بنفسه مدى التزام موظفي الدولة بأداء مهامهم بشكل متقن وعادل ونزيه. وكان كثير ما يستمع إلى شكوى من وزير او موظف عام فيستدعيه في الصباح التالي ويحاسبه، بل وربما احتد عليه وعاقبه بنفسه. المثير للدهشة أنه استمر بالمنظر دا طوال عهده، حتى بعد ما تجاوز الثمانين من عمره!.. كمان كان في الموكب يميل الى التخلي عن الرسميات والمواكب والتشاريف، وكان بيحرص عليها في حضور السفراء الأجانب لإظهار هيبة الدولة، وكان بيميل للتخفف من الحراسة الشخصية وهو أمر غير معهود في الفترة المتوترة التي اتسمت بالتآمر والأغتيالات. وكان عنده ولع بالعمارة والبناء والتشييد، بنى كتير من القلاع والسُبُل للسقيا والمساجد ومازال مسجد قايتباي موجود على الجنيه المصري الورقي لغاية دلوقتي كما أنشأ كتير من المدارس وجدد عمارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة.
وتواجه السلطان وعكة صحية قاسية سنة 1495م، كابر في مواجهتها بعدم التزامه الراحة المطلوبة فتدهورت صحته في العام التالي وأصيب بعلّة البطن (دوسنتاريا) وجاءه الأحتضار فأحضر الأمراء ابنه محمد البالغ من العمر 14 سنة، واستدعوا الخليفة والقضاة وأعلنوا خلع السلطان بحكم احتضاره ومبايعة ابنه سلطانًا من بعده، برغم رفض قايتباي تولية ابنه وهو على قد الحياة لعدم رضاه عن سلوكه وانحلاله، وبيموت السلطان الأشرف قايتباي عام 1496م عن عمر 85 سنة ويتم دفنه في تربته بقرافة المماليك، مكانش له زوجات الا امرأة واحدة ماتجوزش غيرها “خوند فاطمة الخاصكية”، وماتوا اولاده كلهم الا ابنه محمد، وكان متقشفًا بحكم تأثره بالصوفية، كان منشغلا بالعلم والقراءة وترك بعد وفاته أوراد يتلوها الناس في المساجد صدقة جارية على روحه. وماجاش بعد قايتباي حد تاني كان في عدله إلى حد أن خلفاءه كانوا إذا جلسوا للمظالم سابوا الكرسي بتاع فاضي حفظاً لمكانته وصوناً لذكراه، وبيعتبر قايتباي بحق اخر سلاطين مصر العظام، تتابع على العرش من بعده سلاطين ضعاف متهافتين لغاية سقوط البلاد في يد ابن عثمان عام 1517م