لا توجد مخصصات مالية للعمل على صيانة جميع آثار بغداد
لـ"شناشيل" بغداد نكهة من نوع خاص، تعيد المتجول في الأحياء القديمة التي ما زالت تحتفظ بهذه الأبنية إلى القصص والحكايا التي تناقلتها الأجيال، تلك الأحاديث التي تتعلق بالترابط الأسري، والعلاقات الإنسانية التي تربط أبناء الحي البغدادي الواحد.
وتعد الشناشيل من أهم المعالم الفلكلورية البغدادية، وهي تمثل الشاهد على جميع التحولات الاجتماعية والحضارية التي مر بها العراق، وما زال بعضها يقاوم الزمن ويطاول ببهائه التطور العمراني.
والشناشيل هي شُرَف تبنى من الخشب في الطابق الثاني من البيت وتطل على الشارع، فقد كانت البيوت تُبنى بالطابوق، وفي الطابق العلوي تُبنى الشناشيل، وغالباً ما تكون قريبة من أخرى تُبنى في المنزل المجاور.
ويرجع تاريخ معرفة البغداديين بالشناشيل إلى أكثر من 100 عام، وكانت الأحياء البغدادية التي انتشرت في مطلع القرن الماضي، تحمل طابع بناء شبه موحد، يعتمد الشناشيل في بنائه.
- تاريخ وأصالة
المختص في تاريخ بغداد، الباحث شهاب العلي، قال إن الشناشيل تعود إلى أزمنة قديمة ولا ترجع إلى تاريخ العراق الحديث، مشيراً إلى أن الأبنية في عهد الدولة العباسية كانت تحمل في طابعها الشناشيل.
وأضاف العلي لـ"الخليج أونلاين": "بمرور الزمن كانت الأبنية العمرانية التي تعتمد الحداثة في تكوينها تهتم بوجود الشناشيل، وهذا ما تثبته الآثار الموجودة منذ أزمنة تعود لأكثر من 700 عام".
وتظهر الشناشيل حرفية المعماري البغدادي، إذ يؤكد الباحثون أن هذا الطراز العمراني ذا الطابع الفريد والمتميز، يرجع إلى أولى الحضارات التي عرفتها أرض بلاد الرافدين منذ 7 آلاف عام، مروراً بعصر صدر الإسلام والعصرين العباسي والعثماني.
- نسق معماري جميل
من جهته يقول محمد الجاف، وهو مهندس معماري، إن الخشب يدخل بشكل أساسي في مواد بناء الشناشيل، ونظراً لخفته يكون في الطابق الثاني من البناء، الذي يتكون في العادة من طابقين، في حين يعتمد الطابق الأول على الطابوق والحديد والأسمنت.
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": إن "الشناشيل ومع وجودها في أزقة ضيقة، وهو ما عُرف عن الأحياء البغدادية القديمة، توفر غطاءً لهذه الأزقة، وللبيوت، فتخفف من شدة أشعة الشمس، وتحقق منطقة ظلية واسعة، تساعد في تلطيف الجو سواء في البيت أو الزقاق".
وأشار إلى أن الشناشيل، ولكون البيوت متلاصقة ومتجاورة ومتقابلة في صفوف بالزقاق الواحد، تكَوّن نسقاً معمارياً ذا أبعاد هندسية جميلة؛ لأنها في ارتفاع واحد سواء عن مستوى أرض الزقاق، أم عن مستوى إطلالتها أو طلعاتها الخارجية.
وتمنع السلطات العراقية هدم هذه المعالم التراثية بموجب قرار قديم، لكن بعض ملاك هذه البيوت يفتعلون حرائق تطيح بها؛ وذلك لبناء بيوت حديثة أو بيع أرضها للاستفادة، ولكونها تقع في قلب العاصمة أصبحت هدفاً لسماسرة العقارات.
بدوره أكد مدير قسم الإعلام والعلاقات العامة في أمانة بغداد، حكيم عبد الزهره، أن "أمانة بغداد اتخذت إجراءات صارمة تجاه من يتجاوز على أبنية بغداد التراثية؛ وذلك من أجل الحفاظ على تراث وآثار مدينة بغداد".
ويقول عبد الزهره لـ"الخليج أونلاين": "عملنا على جرد لمناطق بغداد ومن أبرزها الأعظمية والكاظمية، وشارع الرشيد وعدد من المناطق الأخرى، بالتنسيق مع هيئة التراث وعدد من المؤسسات الحكومية المساندة؛ من أجل إعطاء تلك المخططات إلى شركة أجنبية جرى التعاقد معها لصيانة تلك الأبنية".
واسترسل بحديثه قائلاً: "لا توجد مخصصات مالية للعمل على صيانة جميع آثار بغداد، فجميع واردات الأمانة من مشاريعها لا تكاد تغطي رواتب الموظفين والعاملين في تنظيف الشوارع".