أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، واحد من أئمة البلاغة وعلوم العربية خلال القرن الرابع الهجري، صاحب كتاب الصناعتين وهما الكتابة والشعر، وهو أحد أشهر الكتب البحثية والنقدية في التراث العربي.

نسب العسكري

هو أبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران، أديبٌ، ناقدٌ، لغويّ، شاعر. لا يعرف مولده على وجه التحديد، غير أنه من أعلام المائة الرابعة للهجرة.

نشأت العسكري وحياته

ولد أبو هلال العسكري في بلدة "عسكر مُكْرَم" من كور الأهواز بين البصرة وفارس. وكان من أبنائها علماء أعلام خدموا الثقافة العربية وأضافوا إليها ما لديهم من معرفة. ونشأ لأسرة مثقفة عُرف منها والده، وعمّ والده، بيد أن المصادر التي ترجمت له سكتت عن نشأته وعن مراحل حياته الأولى، وكل ما ذكرته أنه كان يزاول تجارة الثياب مع سعيه إلى التحصيل العلمي.

شيوخ العسكري

ولم تكن أخبار أبي هلال المتصلة بحياته العلمية أحسن حالًا من حياته العامة، وفوق ذلك ثمة خلطٌ لم يسلم منه القدماء والمعاصرون بينه وبين أستاذه أبي أحمد العسكري (الحسن بن عبد الله بن سعيد المتوفى 382هـ) لاتفاقهما في الاسم واللقب، ولم تذكر المصادر من شيوخ أبي هلال إلا أستاذه هذا، وقد لازمه أبو هلال مدة طويلة، وأخذ عنه كثيرًا من مروياته، وتأثر بآرائه الأدبية والنقدية، ونقل ياقوت الحموي عن بعضهم أن أبا هلال هو ابن أخت أبي أحمد العسكري، وهو زعمٌ بعيد؛ لأن من عادة أبي هلال إذا نقل عن قريبٍ له أن ينصّ على صلة القرابة، كقوله غير مرة: "قال عمّ والدي"، فلو كان أبو أحمد خاله لنص على ذلك في مصنفاته ولاسيما أنه كان دائم النقل عنه.

ومهما يكن فثمة إشارات كثيرة في مصنفاته إلى أساتذة وشيوخ لا تكاد تُعرف إلا أسماؤهم، من ذلك والده، وعم والده الحسن بن سعيد، ومنهم: أبو حامد، وأبو علي الحسن بن جعفر، وعبد الحميد بن محمد بن يحيى بن ضرار، وأبو القاسم عبد الوهاب الكاغدي، وغيرهم.

تلاميذ العسكري

ولم تشر المصادر إلى تلامذته إلا لمامًا، منهم: الحافظ أبو سعد السمّان (ت 445هـ)، وأبو الغنائم بن حماد المقرئ الأهوازي، وأبو حكيم أحمد بن إسماعيل بن فضلان العسكري، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي اللغوي النحوي، ومظفر بن طاهر الآستري، وآخرون.

أخلاق العسكري

تمتع أبو هلال العسكري بجملة من الصفات والخصائل، منها تعففه عن الدناءة، ذكر السلفي أنه سأل أبا المظفر الأبيوردي رحمه الله عن أبي هلال العسكري، فأثنى عليه ووصفه بالعلم والعفة معا، وقال: "كان يتبزَّز [يتجر في الثياب] احترازا من الطمع والدناءة والتبذل".

ومن مستطرف الأسجاع ما كتبه عنه الباخرزي في دمية القصر، قال: "بلغني أن هذا الفاضل كان يحضر السوق، ويحمل إليها الوسوق، ويحلب دَرّ الرزق ويمتري، بأن يبيع الأمتعة ويشتري، فانظر كيف يحدو الكلام ويسوق، وتأمّل هل غضّ من فضله السوق؟!، وكان له في سوقة الفضلاء أسوة، أو كأنه استعار منهم لأشعاره كسوة وهم: نصر بن أحمد الخبزرزي، وأبو الفرج الوأواء الدمشقي، والفامي، والسريّ الرفّاء الموصلي. أما نصر فكان يدحو لرفاقه الأرْزِيّة، ويشكو في أشعاره تلك الرزية، وأما أبو الفرج فكان يسعى بالفواكه رائحا وغاديا، ويتغنى عليها مناديا، وأما السريّ فكان يطري الخَلَق، ويرفو الخِرَق، ويصف تلك العبرة، ويزعم أنه يسترزق بالإبرة. وكيف كان فهذه حرفة لا تنجو من حُرفه، وصنعة لا تنجو من صنعة، وبضاعة لاتسلم من إضاعة، ومتاع ليس به لأهله استمتاع!" ا.هـ.

مفارقة

كان أبو هلال العسكري في عصره إمامًا في العلم والأدب، إمامًا وعى كثيرًا من معارف سابقيه وأضاف إليها، وأثر بها فيمن جاء بعده. ولئن كانت أجيال كثيرة تتلمذت عليه في حياته، فإن أجيالا أكثر وأكثر ظلت على توالي العصور وإلى اليوم تتلمذ من بعده على آثاره العلمية التي تميزت بالأصالة.

ولكن لعل من العجيب المؤلم حقًا أن مثله لم يكن بليغًا في حياته الخاصة بمقدار ما كان بليغًا في حياته العلمية. فهو على ما كان له من قدم راسخة في العلم وولاء له، واشتغال دائم به، قد قضى حياته مغمورًا خامل الذكر مضيقًا عليه في الرزق، يلتمسه من احتراف البزازة وبيع الثياب في الأسواق!.

مفارقة عجيبة إذن بين ما كان عليه من غنى علمي وفقر مادي، وقد دفعه تناقض الأحوال هذا إلى السخط، السخط على نفسه، وعلى الدنيا التي تختل فيها موازين العدل بين الناس. ومن ثم لا يجد أمامه ما يفزع إليه غير الشعر يبث إليه ذات نفسه، ويفضي إليه بهمومه، ويعبر فيه عن سخطه، وقد أشار أبو هلال نفسه إلى مهنته غير مرّة في شعره، من ذلك قوله:

جلوسيَ في سوقٍ أبيع وأشتري *** دليل على أنّ الأنامَ قرود

ولا خير في قومٍ تذلّ كرامهم *** ويَعظمُ فيهم نَذْلُهم ويسود

ويهجوهم عني رثاثة كسوتي *** هجاءً قبيحًا ما عليه مَزيد

والناظر فيما تبقى من شعره يلحظ حديثه المتكرر عن فقره وسوء حاله وإحساسه بالمرارة، كقوله:

بليت بهجران وفقرٍ وفاقة **** وكثرة حاجــات وثِقْل ديونِ

وأعظمها أن الزمان يسومني *** وقوفًا على أبواب من هو دوني

وكان العسكري يشعر أن اشتغاله بالعلم حرمه أسباب الغنى، كقوله:

تالله لم تخطئك أسباب الغنى *** إلا لأنك عاقل وأديب

وقوله:

إذا كان مالي من يلقط العجم *** وحالي فيكم حال من حاك أو حجم

فأين انتفاعي بالأصالة والحجَى *** وما ربحت كفي من العلم والحِكَمْ

ومنذا الذي في الناس يبصر حالتي *** فلا يلعن القرطاس والحبر والقلم

وقوله "من يلقط العَجَم" بالتحريك: أي نوى التمر والنبق، يريد أن ماله يشبه مال من يلقط النوى للقوت. والغرض من التشبيه هنا بيان المقدار، أي للدلالة على مقدار ماله.

والظاهر أن أحوال العسكري لم تكن كذلك دومًا، فثمة إشارات في شعره إلى حياة أقرب إلى الدَعَة تحدث فيها عن غِلمان يَسْعَون بين يديه إلى الطعام والشراب، وعن دعوته أصدقاءه لحضور مجالسه تلك، وثمة إشارات أخرى في شعره إلى وقيعة وقعت بينه وبين أحد الولاة، فصودرت أمواله، فعرّض العسكري بهذا الوالي ثم عاد فاسترضاه.

وليس بين أيدينا دليلٌ على أن العسكري عمل في خدمة بعض الرؤساء، وإن كان بعض الدارسين ذهبوا إلى أنه عمل في خدمة الصاحب بن عباد، وليس هذا ببعيد، فقد كان أبو هلال يُطريه ويستشهد بأقواله، ويمدحه، وقد زار هذا الوزير عسكر مكرم سنة 379هـ ولقي أبا أحمد العسكري أستاذ أبي هلال وأنعم عليه وعلى تلامذته، كما ذكر ياقوت.

كتب أبي هلال العسكري ومؤلفاته

وعلى الرغم من قلة الأخبار المتصلة بحياة أبي هلال ثمة أمر جليّ لا يمكن إغفاله وهو أن الرجل قضى شطرًا من حياته في الدرس والتأليف، وأنه خلف للمكتبة العربية طائفة من الكتب تناولت فروعًا مختلفة من المعرفة كاللغة والأدب والتاريخ والحديث والتفسير، وقد غلب الأدب والشعر على أبي هلال العسكري إنتاجًا وتأليفًا، وكتبه المنشورة بين الناس تدل على تمكنه من علوم العربية أو علوم الأدب الثمانية، وأعني بها: اللغة، والنحو، والصرف، والعروض، والقوافي، وصنعة الشعر، وأخبار العرب، وأنسابهم. وهذه العلوم عند الأقدمين لم تكن تعني "الأدب" وإنما تعني أنها لازمة لثقافة الأديب، ولحاجة الأديب إليها في تكوينه عدُّوها من الأدب.

ولا ريب في أنه بمقدار جهل الأديب بأي من هذه العلوم يكون نقصه في الأدوات التي تؤهله بتمكن لممارسة الأدب في أية صورة من صوره. ومؤلفات أبي هلال العسكري لا تدل على تبحره في علوم العربية، فحسب، وإنما تدل أيضا على غزارة إنتاجه وتنوعه، فقد خلف لنا عشرين كتابا عالج فيها، كما يفهم من أسمائها، موضوعات شتى في اللغة والأدب والبلاغة والنقد والتفسير، وكلها تنم عن نوع ثقافته وثقافة العصر الذي عاش فيه. وقد ضاع منها ما يقرب من النصف وانتهى إلينا مطبوعًا ما يزيد على عشرة كتب. وأشهرها:

كتاب الصناعتين

وهو كتاب نقدي مشهور أقيم على أسس بلاغية، والمراد بالصناعتين صناعتا الكتابة والشعر، وقد استعان فى تأليفه بجل ما كتب سابقوه ممن عالجوا مثل موضوعه. ونذكر من هؤلاء ابن سلام، وكتابه طبقات الشعراء، والجاحظ، وكتابه البيان والتبيين، وابن قتيبة، وكتابه نقد الشعر، وابن المعتز، وكتابه البديع، وقدامة، وكتابه نقد الشعر، والآمدى، وكتابه الموازنة، والقاضى الجرجانى، وكتابه الوساطة بين المتنبى وخصومه. وقد استطاع أبو هلال أن يعرض لنا زبدة هذه الكتب فى كتابه حتى إنه ليجعلنا نكاد نستغنى عنها جميعًا.

وقد مهد له العسكري بمقدمة نوّه فيها بمعرفة علم البلاغة وضرورته لفهم إعجاز القرآن الكريم، وللتمييز بين جيد الكلام ورديئه، ولوقوف الكاتب والشاعر على ما ينبغي استخدامه من أساليب اللغة وألفاظها الجيدة البليغة، ثم صرح بقصده وهو الكشف عن الحدود والأقسام لوجوه البيان، ولهذا الغرض جعل كتابه في عشرة أبواب: أولها لموضوع البلاغة وحدودها، وثانيها لتمييز الكلام جيده من رديئه، وثالثها في معرفة صنعة الكلام وترتيب الألفاظ، ورابعها في حُسن النظم وجودة الرصف، وخامسها للإيجاز والإطناب، وسادسها للسرقات الشعرية، وسابعها للتشبيه، وثامنها للسجع والازدواج، وتاسعها لفنون البديع، والعاشر لحسن المبادي والمقاطع وجودة القوافي: والكتاب غني بمادته شعرًا ونثرًا، وغني أيضًا بملاحظات نقدية، وفيه تأصيلٌ لكثير من قواعد البلاغة.

ويلاحظ مثلًا أنه جعل فنون البديع في خمسة وثلاثين فصلًا، والقارئ للكتاب يدرك أن البلاغة أو صناعة الكلام قد أخذت بلب العسكري. ولنستمع إلى العسكري وهو يذكر الأسباب التي دفعته لكتابه عمله هذا: "فلما رأيت تخليط هؤلاء الأعلام، الذين ألفوا في البلاغة والبيان، فيما راموه من اختيار الكلام، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ومكانة من الشرف والنبل ووجدت الحاجة إليه ماسة والكتب المصنفة فيه قليلةً، رأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملًا على جميع ما يحُتاج إليه في صنعة الكلام نثره ونظمه ويستعمل في محلوله وعقده، من غير تقصير وإخلال وإسهاب وإهذار، وليس الغرض في هذا الكتاب سلوك مذهب المتكلمين، في الجدال، وإنما قصدت فيه مقصد صناع الكلام من الشعراء والكتّاب، ونحن نفهم رطانة السوقي وجمجمة الأعجمي للعادة التي جرت لنا في سماعها في المدن التي تخالط فيها السوقة والأعاجم".

في كتاب "الصناعتين" سنجد الشعر والنثر على قدم المساواة من جهة النظر إلى الأدب كفن لا يمكن وصفه بهذه الصفة من دون أن تتوفر له شروط جمالية وإبداعية وإمتاعية، يقول: "الكلام -أيدك الله- يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشابه أعجازه، وموافقة مآخيره لمباديه، مع قلة ضروراته، بل عدمها أصلا، حتى لا يكون لها في الألفاظ أثر؛ فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه؛ وكمال صوغه وتركيبه"، ولا يكتفي العسكري بالكلام المنطوق/ المكتوب، المنظوم / المنثور، ولكن الكلام في حد ذاته وبغض النظر عن الحقول الإبداعية التي توزع عليها يداعب الحواس كافة.

في كل فصول كتابه يمتعنا العسكري بملاحظاته وبثقافته الموسوعية وبنصائحه، فأنت عندما تقرأ كتاب "الصناعتين" تعثر على الأديب والفنان التشكيلي والموسيقي، يمزج العسكري بين "صنعة" كل هؤلاء في سبيل رسم لوحة تأخذ البصر، وقراءة تنفذ إلى الفهم وتدفع العقل إلى التفكير، وتحرك الوجدان، يقول: "فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة، والجزالة، والسهولة، والرصانة، مع السلاسة والنصاعة، واشتمل على الرونق والطلاوة، وسلم من حيف التأليف، وبعد عن سماجة التركيب، وورد على الفهم الثاقب قبله ولم يرده، وعلى السمع المصيب استوعبه ولم يمجه؛ والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ، وتقلق من البشع؛ وجميع جوارح البدن وحواسه تسكن إلى ما يوافقه، وتنفر عما يضاده ويخالفه؛ والعين تألف الحسن، وتقذى بالقبيح؛ والأنف يرتاح للطيب ؛ والفم يلتذ بالحلو، ويمج المر؛ والسمع يتشوف للصواب الرائع وينزوي عن الجهير الهائل؛ واليد تنعم باللين، وتتأذى بالخشن؛ والفهم يأنس من الكلام بالمعروف، ويسكن إلى المألوف، ويصغي إلى الصواب، ويهرب من المحال، وينقبض عن الوخم، ويتأخر عن الجافي الغليظ، ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب، والروية الفاسدة، وليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي".

تحمل الفقرة السابقة مجموعة من الأفكار التي بإمكاننا الوقوف أمامها وتأملها، في النص الســابق تقتحمنا روح التوحيدي والجاحظ وكل من برع في "صنعة الأدب"، ويستوقفنا كذلك رأيه الذي ربما يراه البعض كلاسيكيًا أو مستفزًا ويتعلق بأولوية اللفظ على المعنى، وليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي، وربما نتفهم أكثر إلى وجهه نظر العسكري إذا عدنا إلى ما بدأنا به حيث الشكوى من ضياع صناعة الكلام بسبب اختلاط "السوقة والأعاجم"، وبتفسيره تلك الأولوية بقوله: "وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابًا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتى يكون على ما وصفناه من نعوته التي تقدمت".

ولكن كيف للكاتب أن يتمكن من أدواته التي تعينه على صناعة الكلام، لتلك الصناعة خطوات وشروط، لنستمع إلى العسكري وهو ينصح الكاتب بالقول: "إذا أردت أن تصنع كلامًا فأخطر معانيه ببالك، وتنوق له كرائم اللفظ، واجعلها على ذكر منك؛ ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلبها، واعمله ما دمت في شباب نشاطك؛ فإذا غشيك الفتور، وتخونك الملال فأمسك؛ فإن الكثير مع الملال قليل، والنفيس مع الضجر خسيس؛ والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء، فتجد حاجتك من الري، وتنال أربك من المنفعة. فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها، وقل عنك غناؤها، وينبغي أن تجرى مع الكلام معارضة، فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته، أو معنى بديع تعلقت بذيله، وتحذر أن يسبقك فإنه إن سبقك تعبت في تتبعه، ونصبت في تطلبه؛ ولعلك لا تلحقه على طول الطلب، ومواصلة الدأب".

ديوان المعاني

ومن كتبه المشهورة أيضًا "ديوان المعاني" جمع فيه أبو هلال كما قال: "أبلغ ما جاء في كل فن وأبدع ما روي في كل نوع من أعلام المعاني وأعيانها .." وجعله اثني عشر بابًا، أولها باب "في التهاني والمديح والافتخار" وآخرها باب "في صفات أشياء مختلفة".

التلخيص في معرفة أسماء الأشياء

وله أيضًا كتاب "التلخيص في معرفة أسماء الأشياء"، وهو معجمٌ في المعاني والصفات جعله أبو هلال في أربعين بابًا، بدأها بموضوع الإنسان فذكر خلقه وصفاته، وما يتعلق به، ثم انتقل إلى موضوع السماء والنجوم والأزمنة، ثم إلى أسماء النبات والشجر والثمار وذكر الزراعة وأدوات الزارعين، ثم انتقل إلى الجماد.

كتاب الأوائل

وله أيضًا كتاب "الأوائل"، وهو كتاب طريف يندرج في باب التأريخ، جعله أبو هلال في عشرة أبواب عرض فيها لأحداث ومناسبات عزيت لأشخاص هم أول من قاموا بها في الجاهلية والإسلام، كحديثه عن أول من كسا الكعبة، وأول من غير الحنيفية وعبد الأوثان، وأول من اتخذ الديوان، وأول من أخذ زكاة الخيل، وأول من لبس السواد، وأول من جمع العراقين، وأول من وضع الإعراب، وأول امرأة وضعت في نعشٍ من العرب. وذكر أنه فرغ من تصنيف هذا الكتاب في سنة 395هـ.

وأبو هلال العسكري أول من ألف فى هذا الفن، أما ابن قتيبة فهو أول من كتب فيه في كتابه "المعارف" حيث تكلم عن الأوائل عرضًا، ولم يفرد لها كتابًا.

ديوان شعر

ولأبي هلال العسكري "ديوان شعر" جمع فيه محققه ما تبقى من شعره، ونشر في مجمع اللغة العربية بدمشق. وله قصيدة في فضل فصل الشتاء عن غيره من فصول العام. ومن شعر أبي هلال قوله [من الكامل]:

شوقي إليك وإن نأيت شديد *** شوق علي به الإله شهيد

طوبى لمن أمسى يراك بعينه *** وتراه عينك إنــه لسعيد

ومنه [من الخفيف]:

لا يغرنكم علو لئيم *** فعلـــو لــا يستحق سفال

فارتفاع الغريق فيه فضوح *** وعلو المصلوب فيه نكال

ومن شعر أبي هلال العسكري قوله [من البسيط]:

ما بال نفسك لا تهوى سلامتها *** وأنت في عرض الدنيا ترغبها

دار إذا جاءت الآمال تعمرها *** جاءت مقدمة الآجال تخربها

أراك تطلب دنيا لست تدركها *** فكيف تدرك أخرى لست تطلبها

مؤلفات أخرى

ولأبي هلال الحسن العسكري جملة من المؤلفات الأخرى، ذكرنا أنه قد ضاع منها الكثير، منها: كتاب "جمهرة الأمثال"، وكتاب "معاني الأدب"، وكتاب "من احتكم من الخلفاء إلى القضاة"، وكتاب "التبصرة" ، وكتاب "شرح الحماسة"، وكتاب "الدرهم والدينار" ، وكتاب "المحاسن في تفسير القرآن" في خمس مجلدات، وكتاب "العمدة"، وكتاب "فضل العطاء على العسر"، وكتاب "لحن الخاصة" أو "ما تلحن فيه الخاصة"، وكتاب "أعلام المعاني في معاني الشعر"، وكتاب "الفرق بين المعاني" ويسمى "الفروق في اللغة"، وكتاب "نوادر الواحد والجمع"، وله رسالة في "الحث على طلب العلم".

وفاته

لم تحدد المصادر التاريخية تاريخ وفاة أبي هلال العسكري، كما لم تحدد تاريخ مولده، غير أن الذهبي ذكره في كتابه تاريخ الإسلام في الطبقة الثانية والأربعين التي تقع حوادثها ووفياتها بين سنتي (411 - 420هـ)، وقال: "أتوهم أنه بقي إلى هذا العصر". وحدد بعضهم تاريخ وفاته في حدود سنة 395هـ / 1004م أو بعدها بقليل، لقول ياقوت الحموي: "وأما وفاته فلم يبلغني فيها شيء، غير أني وجدت في آخر كتاب الأوائل من تصنيفه: وفرغنا من إملاء هذا الكتاب يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة" ا.هـ. والراجح أنه توفي بعسكر مكرم، فقد قال الذهبي: "وما أظنه رحل من عسكر مكرم".

خاتمة

في حضرة العسكري تتعدد الأسئلة، عن ذلك الخائف على اللغة من"اختلاط السوقة والأعاجم" في القرن الرابع الهجري، فسعى بكل جهده لوضع كتاب يصبح فيما بعد من أشهر الكتب الأدبية في التراث العربي، موجّه إلى كل من يحترف صناعة الأدب، وليس إلى "السوقة والأعاجم"، أي أنه أدرك ببصيرة تغيب عنا الآن أن الأدب رافعة اللغة، وقراءة النصوص الجمالية هي ما ترتقي بالذائقة اللغوية بشكل عام، هو درس العسكري الثقافي الممتد من زمنه حتى الآن، فلا نهضة للغة من دون المنوط بهم إمتاع العقول بقدرة اللغة على الإدهاش، أما درسه التاريخي، فتلك اللغة التي يبدو أنها كائن اجتماعي يتأثر بالمتغيرات السياسية والحضارية، تنهض وتحتل مكانها الطبيعي في فترات الازدهار و الانتعاش، وتعتل وتمرض في فترات النكوص والتراجع، أما درسه الأدبي فيتجاوز كل ذلك الجدل الفارغ بين أولوية جنس أدبي على آخر، فالمهم أن تتعزز ثقافتنا وحصيلتنا البلاغية لنمتع القارئ.

ولبعضهم في أبي هلال العسكري:

وأحسن ما قرأت على كتاب *** بخطّ العسكريّ أبي هلال

فلو أني جعلت أمير جيش *** لمــا قاتلت إلـا بالسؤال

فإن الناس ينهزمون منه *** وقــد ثبتوا لأطراف العوالي
_________________
المصادر والمراجع:
- أبو هلال العسكري: ديوان العسكري، جمعه وحققه: جورج قنازع، الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربية - دمشق، 1979م.
- أبو هلال العسكري: الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: المكتبة العنصرية – بيروت، 1419هـ.
- الباخرزي: دمية القصر وعصرة أهل العصر، الناشر: دار الجيل – بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ.
- ياقوت الحموي: معجم الأدباء / إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ / 1993م.
- الذهبي: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1413هـ / 1993م.
- الصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث – بيروت، 1420هـ / 2000م.
- الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو، 2002م.
- عبد العزيز عتيق: علم البديع، الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، د.ت.
- سناء الريس: أبو هلال العسكري، الموسوعة العربية العالمية، المجلد الحادي والعشرين، ص495.
- محمد إسماعيل زاهر: أبو هلال العسكري.. صناعة الأدب، موقع الخليج، أبريل 2016م.