أسرار أربع حيوانات محنطة من العصر الجليدي
اكتسب الجزء الشمالي من جمهورية ياقوتيا، إحدى جمهوريات روسيا، شهرته بعد اكتشاف بقايا ثدييات تعود للعصر الجليدي في تلك المنطقة الجليدية النائية من سيبيريا والتي تتميز بطبقة ثلجية سميكة.
حيث عثر في بعض الحالات على جثث مدفونة وهي تحتفظ بشكلها بالكامل، وكانت منكمشة ومجففة، ووصلت إلى درجة التحنيط الطبيعي.
ويمكن أن تساعد هذه الاكتشافات العلماء في إيجاد إجابة عن الأسئلة الأساسية حول الأنواع المنقرضة، والظروف التي كانت تعيش فيها، وعلاقاتها مع الأنواع الأخرى، بما في ذلك الحيوانات الموجودة على قيد الحياة اليوم.
وقدمت المومياوات الأربع التالية تلميحات عما كانت عليه حياة الثدييات في العصر الجليدي.
ثور اليوكاغر (بيسون اليوكاغر)
يبلغ طول بيسون اليوكاغر مترين، وله قرون كبيرة مقوسة نحو الخارج. ولابد أن ذلك النوع المعروف باسم بيسون السهوب (أو بيسون البوادي) كان العدو اللدود لصيادي العصر الجليدي من البشر.
وقد اكتشف أفراد من مجتمع يوكاغر القبلي بقايا من ذكور بيسون السهوب محفوظة جيدًا وكاملة في جمهورية ياقوتيا في أغسطس/آب عام 2011.
ويُعتقد أنها وجدت بحالة أفضل من حالة العينتين الأخريين الكاملتين المعروفة. ورجحت الأشعة الكربونية لعينات أخذت من القرن والشعر أن هذا البيسون كان يعيش منذ عشرة آلاف و500 عام.
ويقدر جينادي بوسكوروف، الخبير بالأكاديمية الروسية للعلوم، في ياكوتسك وزملاؤه وزن الثور بنحو 500-600 كجم، ويبلغ طوله 1.7 متر عند الكتفين.
وكان في وضع النوم ولا تظهر عليه آثار أي جروح، ولذلك يعتقد أنه مات لأسباب طبيعية، كما وضحت حبوب اللقاح التي اكتشفت في معدته أنه آكل للحشائش والأعشاب البرية.
وسوف يساعد تحليل الحمض النووي العلماء على فهم العلاقات بين الأنواع المختلفة من ثيران البيسون، القديمة منها والحديثة، التي تعيش في أمريكا الشمالية.
ولقد عاش البيسون السهوب في شمال أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، في الغالب في العصر الجليدي قبل الفترة ما بين مليونين و 11.700 سنة، وكان حجمه أكبر قليلاً من البيسون الامريكى الموجود اليوم، وله أبواق أكبر وسنام ثاني على ظهره.
وهناك عدة عينات من فنون العصر الحجري اتسمت بهذه الأنواع من الحيوانات، بما في ذلك المشهد الموجود في رسومات فيلار بفرنسا التي تصور بيسون جريحا وهو ينقض على أحد الصيادين الساقط أرضًا.
وحيد القرن من فصيلة كوليما بفراء من الصوف
تم اكتشاف بقايا وحيد القرن من فصيلة كوليما بفراء من الصوف أقصى الغرب في مناطق مثل الجزر البريطانية وشرقًا حتى شبه جزيرة تشوكوتكا، الطرف الشرقي من سيبيريا، ويعتقد أنه واحد من الثدييات الكبيرة الأكثر وفرة في الإقليم الايرواسيوي، ومع ذلك، لم نجد سوى بقايا قليلة.
ففي عام 2007، اكتشف عمال مناجم الذهب بقايا أنثى وحيد القرن مجمدة ومحفوظة جيدًا عند افتتاح منجم للذهب في ياقوتيا.
ويرى بوسكوروف، الذي درس الجثة المحنطة، أنه من المرجح أن يبلغ وزن وحيد القرن حوالي 1.5 طن، ويكسوه فراء كثيف بني وجلد وذيل قصير مغطى بالفراء وأذنان بنفس الحجم الموضح في لوحات الكهف، وكان يعيش منذ 39 ألف عام .
كما يعتقد بوسكوروف أنه في حين تكيف وحيد القرن بشكل جيد مع ظروف البرد الجليدية، إلا أن سيقانه القصيرة ربما كافحت زيادة الثلج العميق الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة في أواخر العصر الجليدي وأوائل عصر الهولوسين.
مُهر السيليريكان
Image captionحصانان فاتنان من فصيلة البرازولسكي البرية التي تعيش اليوم في منغوليا
كما وجد عمال مناجم الذهب بمحض الصدفة ساقين وذيلاً من مهر محنطة كانت عالقة بسقف نفق كانوا قد حفروه بعمق تسعة أمتار تحت سطح الأرض الجليدية بالقرب من نهر إنديغيركا، في ياقوتيا، في عام 1968.
ولقد تمكن خبراء من معهد علم الحيوان في سان بطرسبرغ من استعادة معظم أجزاء الجسم ما عدا الرأس.
واتضح أنه قد يعود هذا الجسم لحصان البرازولسكي، وهو حصان بري يعيش في الوقت الحاضر فقط في منغوليا، وهو معروف باسم مهر سيليركان، الذي كان يعيش منذ نحو 35 ألف إلى 39 ألف سنة. وربما يموت عند بلوغه السابعة أو الثامنة من عمره.
وكانت قناته الهضمية كاملة، مما يشير إلى أنه توفي وفاة سريعة، وحدد تحليل ما بالمعدة أن البردي والأعشاب والنباتات الخشبية كانت جزءًا من النظام الغذائي له، ودفع الوضع الذي عثرت عليه الجثة، مع رجليه الخلفيتين إلى الأسفل واليدين في وضع أشبه ما يكون أفقيًا، العلماء إلى استنتاج أن المهر قد توفي بعد أن علق في مستنقع.
ماموث اليوكا
هناك فكرة مفادها أن بعض الصيادين القدامى استخدموا الأسود لاصطياد الحيوانات البرية قبل أن يتحول الأسد بالفعل إلى مطارد طبيعي لها. وبالرغم من عدم وجود دليل كاف، إلا أن هناك بعض الأدلة الظرفية، في شكل علامات على جثة ماموث شابة.
وقد وجد أفراد قبيلة يوكاغر هذه الجثة على ساحل منطقة تسمى أوياغوسكي يار في ياقوتيا عام 2009، وأطلق عليها اسم يوكا نسبة لمكتشفيها، وكان جلدها وبعض من الفراء الأشقر الأشبه للون الفراولة بحالة جيدة، وكذلك كانت هناك الكثير من العضلات والأربطة المحنطة، وعلى غير العادة، كان جذعها سليماً.
وتشير الأبحاث إلى أن عمر الحيوان كان يتراوح ما بين 8 إلى 10 أعوام عند موته، ولا يبلغ طوله أكثر من 165 سم، وهو حيوان طويل القامة عند الكتفين، وكان يعيش قبل 39 ألف عام.
وقبل الاكتشاف، لم يعرف أحد ما هو الماموث مثل ما نعرفه في هذه المرحلة من التطور. وقد أصيب الباحثون بالدهشة لرؤية بدايات أنياب لم تتحلل بعد داخل الجلد.
وكانت هناك جروح في ماموث اليوكا وخدوش تشير إلى تعرضها لهجوم من حيوان مفترس كبير، ربما يكون أسد الكهف، قبل موتها بفترة وجيزة.
ومع ذلك، يعتقد أن هذه الجروح لم تكن غائرة بما يكفي لإحداث الوفاة. وفي الوقت نفسه، هناك جروح متكررة وبنمط يوحي أنها بفعل أدوات بشرية.
لذلك فقد يرى دانيال فيشر من جامعة ميشيغان في ولاية آن أربور أن العلامات التي يعتقد أنها من صنع الإنسان قد تعود لصيادي الحيوانات الذين ابتعدوا عن استخدام الأسود لتفادي موت الفريسة، وهناك برهان سابق على ذلك: لا يزال أفراد قبيلة دوربو في كينيا يحصلون على اللحم عن طريق سرقة فرائس الأسود.
وإذا ثبت أن هذه العلامات تعود للصيادين، فسيكون ذلك أول دليل على مدى التفاعل بين الانسان القديم وحيوان الماموث في هذا الجزء من العالم، مع أن العلامات جاءت على خلاف أي من أدوات الصيد المعروفة في العصر الحجري، ولذلك يعتقد باحثون آخرون أنها قد حدثت في الآونة الأخيرة.