مرحبا .. اني حقيقة قرأت رد الاخ العراب .. و كان يحتوي على استدلال مذهل
الرأي الذي طرحه احد الاعزاء .. وهو إنه اذا كانت فكرة الاله غير صحيحة، فليس للانسان ما يخسره .. فهو يعبد ربا لا يراه، فاذا كان هنالك رب، فهو سيدخل الجنة، واذا لم يكن هنالك رب ، فلن يدخل النار .. اشعر ان القضية بهذه الصورة تشبه لعب (الورق او الدومنة)، ولو كنت ملحدا .. لاشفقت على قائلها.
هنا انصح .. اذا كنت تعبد الهاً فيجب ان تراه .. واذا لم تره، فلا تفعل. و (الرؤية) ليست بالضرورة أن تتم عبر الابصار.
في الحقيقة من اقوى الدلائل التي يستدل بها الملحدون على (عدم وجود اله) هو جريان الالام والمصائب على البشر .. فإذا كان هنالك اله .. فهو (اما قاسي جدا لان يسمح بالالام تجري على خلقه) او (ضعيف لانه يرى ما يحدث ولا يتدخل) .. بعبارة اخرى .. اما لا يوجد اله، او يوجد ولكنه فيه ما فيه. .. و هذه الفكرة يجب ان يتم عرضها على طاولة البحث العلمي والاستدلال المنطقي ، والا ستبقى دامغة وذات ارضية صلبة
ان نستدل بكتبنا .. و دين ابائنا واجدادنا، والتهديد والوعيد، وحكايا السنة والشيعة . .. لن يدحض هذه الفكرة ابدا .. ما جاء بالمنطق، لن يرد إلا بالمنطق
على كل .. يبقى السؤال .. هل يوجد اله ؟ .. او هل يوجد خالق ؟ (اذا كان خالقا، فهو اله مستحق العبادة صح ؟ ام تحتاج الى اثبات هذه ايضا يا ترى)
نحن لا نرى اله .. فلماذا نؤمن باله ؟
حسنا.. ما نستدل به على وجود الخالق او الاله .. هو خلق هذا الكون و ما يحتويه من نظام و حياة واسرار، .. هذه هي حجة (المؤمنين) الدامغة التي لا يمكن ردها ؟ ولكن لماذا لا يمكن ردها؟
تعلم البشر بحكم المنطق والتجربة .. إن صنع اي انظمة بسيطة يتطلب (صانعا) فالانظمة لا تصنع نفسها سواء كانت بسيطة ام معقدة وكلما كان النظام معقدا، تطلب ان يكون الصانع ماهرا وقادرا اكثر واكثر
فنظام مثل (احجار منسقة بشكل هندسي معين) يعد نظام بسيطا يستطيع اي كان صنعه، ولكن برج متعدد الطوابق يتطلب صانعا متمكنا وماهرا للغاية، يحسب حساب لاحتمالات كثيرة للغاية
فهذا الكون . يعد نظاما بالغ التعقيد .. وهو (نظام) لانه منظم ..تحكمه قوانين مما نعلمه و مما لا نعلمه (بعد) .. فاي صانع صنع هذا الكون العظيم يا ترى ؟
يجيب الملحدون .. بنظرية .. ذات ارضية تبدو صلبة للوهلة الاولى ، تعتمد على مبادئ (الصدفة/العشوائية/التكرار)
لكي نعطي مثالا بسيطا نستعين به على فهم هذه النظرية، .. في لعبة (الورق) المكونة من (52) ورقة، .. انت تريد ان يخرج لك الاوراق (2- شجرة، 3- قلب، 4-ماسة) بهذا الترتيب، وفي كل مرة تسحب 3 ورقات وتخطئ، ثم يعاد خلط الاوراق من جديد . .كم مرة تكرر عملية السحب والخلط حتى تخرج لك الاوراق بهذا الترتيب ؟.. ربما يحدث هذا بالصدفة من اول سحبة، او ربما من العاشرة، او ربما من المئة، او ربما من المليون في النهاية ستنجح بالحصول على الاوراق بهذا الترتيب
فالعملية هنا (عشوائية) ولكن تريد ان تحصل على ما تريد بالـ (صدفة) لذلك تستخدم (التكرار)
لذلك يفترض القائلين بنظرية الالحاد ، وجود (اكوان متعددة عشوائية غير منظمة كثيرة للغاية) ربما يكون عددها لا متناهي .. لذلك لا بد ان ينتظم احدها بطريقة ما ليكون كونا منظما تحكمه قوانين مثل هذا الذي نعيش فيه.
هذه النظرية "غير مثبتة" لان البشر الذين استطاعوا سبر الكون (هذا) بتلسكوباتهم، لا يستطيعون عمليا اختراق حدوده لمشاهدة (اكوان اخرى) .. لذلك هذه النظرية تبقى مجرد نظرية، وان كانت جديرة بالاهتمام
ولكن .. حتى لو صحت فهل ستدل على (عدم وجود خالق ذكي) ؟ هل تستطيع الصدفة ايجاد كون، اي كون منظم ام لا ؟ .. كيف تبدأ الاكوان ؟ من يبدأ عملية (التجربة والخطأ) هذه ؟ وكيف تخرج القوانين والمادة والطاقة من (العدم) ؟ وهل بالفعل هنالك (عدم) قبلها ؟ .. و كم هو عدد الاكوان غير المنظمة لينتظم كون معين (مثل هذا الذي نعيش فيه) ؟
لننظر إلى داخل انفسنا بدلا من ننظر إلى (فوق) .. هذا (المنطق) الذي نتمنطق به كل يوم، تلك المعاني التي يوجدها وعينا ويصدق بها، .. الوعي نفسه .. هل هو من قبيل الصدفة ايضا .. هل مبدأ (الصدفة/العشوائية/التكرار) يوجد وعيا مثل هذا الذي لدى الانسان؟
هذه المعضلات ممكن ان يتم حلها بسهولة بنظرية (وجود خالق حكيم) خلق او اوجد كل شيء ونظم قوانينه ، بأي طريقة قد يكون قد نظمها، .. ولكن الاعتراف بوجود خالق يستلزم ايضا حل الاشكال الاصلي الذي طرحه الاخ العراب.
فهو (الخالق) لا يتواصل مع البشر، او يتواصل بطرق ممتلئة بالتعقيد غير الضروري .. وتبدو غير كفوءة، فهو اذا كان بهذه الحكمة والعظمة ، فلماذا طرق تواصله مع خلقه بهذا الشكل ؟ وجعلهم يذهبون يمينا وشمالا وتنهشهم الالام والمصائب وظلم بعضهم البعض .. وهنا يأتي دور الدينيين ليزيدوا الطين بلة .. فيقولوا إن ذلك الخالق ايضا سوف يحاسب الناس لاحقا بالنار او بالجنة حسب أسس (ألف) و (باء) و (تاء)
فهل يعقل ان يكون خالق حكيم (لأنه قد خلق كون معقد وهائل وخلق انسانا ذا وعي منقطع النظير) ان يقع في مطب مثل هذا ؟
أين المشكلة تحديدا ؟
(انا) ارى إنه بما إننا اثبتنا الحكمة والقدرة لله (بناء على قدرته على خلق كون منظم ووعي عجيب للانسان) فيجب ان نثبتها لكل شيء آخر، منها حكمته في خلقه الخلق، و طرق التواصل معهم وجعلهم يتحملون الالام والمعاناة في الدنيا ..وهنا يكون الانسان مرغم ان يعبد خالقه الحكيم القوي هذا ايا كانت فكرته عنه، لان الانسان ضعيف للغاية، قد يقتله حجر صغير او فايروس او اي شيء آخر قد يؤذيه بشدة .. فكيف يتصرف مع من خلقه ؟ هنا يجب ان تعبد هذا الخالق لخوفك منه اولا. وافقت على افعاله ام لا، ثم بعد هذا .. تتفكر وتدرس محاولاً ايجاد الحكمة في افعاله
اذا كان قد خلق الدنيا كدار (امتحان) وليست كدار (راحة) فعندها يجب ان تتصرف على هذا الاساس .. اذا تم وضعك في امتحان ستحاول ان تنجح فيه لكي لا تنال تبعات الرسوب صح ؟
فكأن الله وضعنا في هذه الدنيا بعد ان اعطانا العقل والقدرة ليرى ماذا سنعمل .. نحن نقوم بكره بعضنا البعض .. وقتل بعضنا البعض .. ننادي بالحرب ونتخذ البشر الاخرين اعداء لاسباب واهية .. نكره الاخرين لاختلافنا معهم بالفكر واللون والعرق والطائفة .. فهذا يكره انسان لان ذلك الانسان يظن إن شخصا قبل 1400 كان اولى بالخلافة من شخص آخر عاش في نفس الحقبة. وهكذا دواليك المبررات واهية ولكن الكراهية قائمة، فيكون مثل هذا الانسان فاشلا في الاختبار اليس كذلك ؟
اعطانا القدرة على ابتكار العلاجات لانفسنا من امراضها .. و ابتكار وسائل الرفاهية لحياتنا .. و خلق لنا من انفسنا ازواجا وجعل لنا الليل والنهار .. فماذا فعلنا؟ انشغلنا بالحروب والانانية والوطنية والطائفية وتطبيق الاعراف المجتمعية بدلا من ان نصنع ما يجعلنا ويجعل البشر الاخرين مرفهين وسعداء في هذه الدنيا
الله كتب على نفسه الرحمة، وهذا شيء مريح للغاية ان نعرفه (نعم من القرآن) ، ولكننا نريده منتقما مع المجرمين من البشر، مثل هؤلاء الذين عذبوا وقتلوا ولم يراعوا الام الاخرين على الرغم من قدرتهم على ايقاف انفسهم عن افعالها تلك.
فالمآسي التي تصيب البشر.. هي بسبب البشر انفسهم .. بدلا من ان يتكاتفوا ويشعروا بمعاناة بعضهم البعض تراهم اما لا يهتمون .. او يتصارعون، او يذبح ويظلم بعضهم بعضا لأسباب واهية .. على الرغم من علمهم انهم جميعا زائلون عن هذه الدنيا في وقت قصير، وسيختفي معهم كل ما حصلوا عليه بالظلم او غيره.
الحضارة الغربية سدت كل الثغرات تلك .. وخلقت مجتمعا انسانيا رائعا .. مشكلته الوحيدة فقط انه مجتمع (مادي) لا يعترف بالجانب الروحي، او بتعبير اخر .. لم يهتم بوجود الإله من عدمه، اما لماذا مجتمع متكامل مثل (المجتمعات الغربية) تحتاج إلى عبادة اله .. فهذا لكي يجد الانسان المعنى في حياته من حياته .. ولكي يسد الثغرة التي يحاول التغاضي عنها وهي قضية خلق هذا الكون وخالقه الذي اوجده واوجد كل شيء .. فلا تأتي حياته ثم تذهب دونما فائدة (فد يرحمه الله فلا يحاسبه ، ولكن لن يكافئه)
اتصور إن البشر يحتاجون ان يأسسوا دولة عادلة فيها كل مقومات الانسانية ولكن افرادها في نفس الوقت متوجهين إلى الله بقلوبهم ويعبدونه لاستحقاقه العبادة. ربما هنا سيكون النجاح الحقيقي لبني البشر في هذه الدنيا
و ما دام البشر لم ينجحوا في هذا الاختبار .. ستأتي وتذهب الاجيال دونما فائدة.