النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

ابن النفيس .. الكاشف والمكشوف

الزوار من محركات البحث: 8 المشاهدات : 467 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,790 المواضيع: 1,770
    التقييم: 888
    آخر نشاط: 30/September/2021

    ابن النفيس .. الكاشف والمكشوف




    لم يأخذ الطبيب العربي "علاء الدين ابن النفيس" حقه من الذيوع والشهرة مثل غيره من أطباء المسلمين النابهين، حتى جاء "محيي الدين التطاوي" وهو طبيب مصري كان يدرس في ألمانيا، فكشف عن جهود ابن النفيس في أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه سنة (1343هـ= 1924م) بعنوان: "الدموية الرئوية وفقًا للقرشي". وكان هذا الطبيب النابه قد اطّلع على المخطوطات العربية بمكتبة برلين، فعثر على مخطوطة لابن النفيس بعنوان: "شرح تشريح القانون" أي قانون ابن سينا، فعني بدراسة المخطوطة جيدًا، وبصاحبها، وكتب رسالته العلمية وقدمها لجامعة "فرايبورج" بألمانيا.

    غير أن أساتذته والمشرفين على الرسالة أصابتهم الدهشة حين اطَّلعوا على ما فيها، ولم يصدقوا ما كتبه عن ثقةٍ ويقين، فأرسلوا نسخةً من الرسالة إلى الدكتور "مايرهوف" الطبيب المستشرق الألماني الذي كان إذ ذاك بالقاهرة، وطلبوا رأيه فيما كتبه هذا الباحث النابه، فلما قرأ الرسالة أيَّد ما فيها، وأبلغ حقيقة ما كشفه من جهود ابن النفيس إلى المؤرخ "جورج سارتون" فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من كتابه المعروف "تاريخ العلم"، ثم بادر مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى لابن النفيس وعن تراجم له، ونشر نتيجة بحوثه في عدة مقالات، ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه.

    ويعد علاء الدين واحدا من أعظم الأطباء الذين ظهروا على امتداد تاريخ الطب العربي الإسلامي، مثل أبي بكر الرازي، وابن سينا، والزهراوي. وهو صاحب كتاب "الشامل في الصناعة الطبية"، وهو أضخم موسوعة طبية يكتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني.



    حياة ابن النفيس

    في قرية "قَرْش" بالقرب من دمشق ولد "علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي" سنة (607هـ=1210م) وبدأ تعليمه مثل غيره من المتعلمين؛ فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. وقرأ شيئًا من النحو واللغة والفقه والحديث، قبل أن ينصرف إلى دراسة الطب التي اتجه إليها سنة (629هـ=1231م) وهو في الثانية والعشرين من عمره بعد أزمة صحية ألمـَّت به. ويقول هو عنها: "قد عرض لنا حميات مختلفة، وكانت سنُّنا في ذلك الزمان قريبةً من اثنتين وعشرين سنة. ومن حين عوفينا من تلك المرضة حَمَلنا سوء ظنِّنا بأولئك الأطبَّاء (الذين عالجوه) على الاشتغال بصناعة الطب لننفع بها الناس".

    وتذكر المصادر التاريخية أنه تعلم قبل ذلك التاريخ على "المهذب الدخوار" أحد كبار الأطباء في التاريخ الإسلامي، ودرس عليه الطب، وكان رئيسا للأطباء في عصره ويعمل في البيمارستان النوري بدمشق، وتوفي سنة (628هـ=1230م).

    وكانت دمشق في تلك الفترة تحت حكم الأيوبيين الذين كان يعنون بالعلم عامة وبالطب خاصة عناية كبيرة، وجعلوا من دمشق حاضرة للعلوم والفنون، وكانت تضم فيما تضم مكتبة عظيمة تحوي نفائس الكتب، وبيمارستانًا عظيمًا أنشأه نور الدين محمود، واجتذب أمهر أطباء العصر، توافدوا عليه من كل مكان. وفي هذا المعهد العتيد درس ابن النفيس الطب على يد الدخوار، وعمران الإسرائيلي المتوفَّى سنة (637هـ=1239م)؛ وكان طبيبًا فذًّا وصفه "ابن أبي أصيبعة" الذي زامل ابن النفيس في التلمذة والتدريب على يديه بقوله: "وقد عالج أمراضًا كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة، ويئس الأطباء من برئهم، فبرئوا على يديه بأدوية غريبة يصفها أو معالجات بديعة يعرفها".



    في القاهرة

    وفي سنة (633هـ=1236م) نزح ابن النفيس إلى القاهرة، والتحق بالبيمارستان الناصري، واستطاع بجدِّه واجتهاده أن يصير رئيسًا له، وعميدًا للمدرسة الطبية الملتحقة به، ثم انتقل بعد ذلك بسنوات إلى "بيمارستان قلاوون" على إثر اكتمال إنشائه سنة (680هـ=1281م).

    وعاش في القاهرة في بحبوحةٍ من العيش في دار أنيقة، وكان له مجلسٌ يتردَّد عليه العلماء والأعيان وطلاب العلم يطرحون مسائل الطب والفقه والأدب. ووصفه معاصروه بأنه كان كريم النفس، حسن الخلق، صريح الرأي، متديِّنًا على المذهب الشافعي؛ ولذلك أفرد له السبكي ترجمةً في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" باعتباره فقيهًا شافعيًّا. وأوقف قبل وفاته كل ما يملكه من مال وعقار على البيمارستان المنصوري.



    ابن النفيس والدورة الدموية

    اقترن اسم ابن النفيس باكتشافه الدورة الدموية الصغرى التي سجلها في كتابه "شرح تشريح القانون"، غير أن هذه الحقيقة ظلت مختفية قرونًا طويلة، ونُسبت وهمًا إلى الطبيب الإنجليزي "هارفي" المتوفى سنة (1068هـ=1657م) الذي بحث في دورة الدم بعد ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف من وفاة ابن النفيس. وظل الناس يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة الدكتور محيي الدين التطاوي في رسالته العلمية.

    وكان الطبيب الإيطالي "ألباجو" قد ترجم في سنة (954هـ=1547م) أقسامًا من كتاب ابن النفيس "شرح تشريح القانون" إلى اللاتينية، وهذا الطبيب أقام ما يقرب من ثلاثين عامًا في "الرها" وأتقن اللغة العربية لينقل منها إلى اللاتينية. وكان القسم المتعلق بالدورة الدموية في الرئة ضمن ما ترجمه من أقسام الكتاب، غير أن هذه الترجمة فُقدت، واتفق أن عالمـًا إسبانيًّا ليس من رجال الطب كان يُدعى "سيرفيتوس" كان يدرس في جامعة باريس اطَّلع على ما ترجمه "ألباجو" من كتاب ابن النفيس. ونظرًا إلى اتِّهام سيرفيتوس في عقيدته، فقد طُرِد من الجامعة، وتشرَّد بين المدن، وانتهى به الحال إلى الإعدام حرقًا هو وأكثر كتبه في سنة (1065هـ=1553م) على أنَّه قُدِّر أن بقيت بعض كتبه دون حرق، كان من بينها ما نقله عن ترجمة ألباجو عن ابن النفيس فيما يخص الدورة الدموية، واعتقد الباحثون أن فضل اكتشافها يعود إلى هذا العالم الإسباني ومن بعده هارفي حتى سنة (1343=1924م) حين صحَّح الطبيب المصري هذا الوهم، وأعاد الحق إلى صاحبه.

    وقد أثار ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم "مايرهوف" المستشرق الألماني الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: "إن ما أذهلني هو مشابهة، لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي تُرجمت ترجمة حرفية". ولما اطلع "الدوميلي" على المتنين قال: "إن لابن النفيس وصفًا للدوران الصغير تُطابق كلماته كلمات سيرفيتوس تمامًا، وهكذا فمن الحق الصريح أن يُعزى كشف الدوران الرئيس إلى ابن النفيس لا إلى سيرفيتوس أو هارفي".

    غير أن اكتشاف الدورة الدموية الصغرى هي واحدة من إسهاماته العديدة؛ فالرجل حسب ما تذكر البحوث الجديدة التي كُتِبت عنه قد اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى للدورة الدموية، ووضع نظريةً باهرةً في الإبصار والرؤية، وكشف العديد من الحقائق التشريحي، وجمع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره، وقدم للعلم قواعد للبحث العلمي وتصورات للمنهج العلمي التجريبي.



    مؤلفات ابن النفيس

    لابن النفيس مؤلفات كثيرة نشر بعضها وما يزال بعضها الآخر حبيس رفوف المخطوطات لم يرَ النور بعد، من هذه المؤلفات:

    - شرح فصول أبقراط، وطبع في بيروت بتحقيق ماهر عبد القادر ويوسف زيدان سنة (1409هـ=1988م).

    - والمهذب في الكحل المجرب، ونشر بتحقيق ظافر الوفائي ومحمد رواس قلعة جي في الرباط سنة (1407هـ=1986م).

    - الموجز في الطب، ونشر عدة مرات، منها مرة بتحقيق عبد المنعم محمد عمر في القاهرة سنة (1406هـ=1985م)، وسبقتها نشرة ماكس مايرهوف ويوسف شاخت ضمن منشورات أكسفورد سنة (1388هـ=1968م).

    - والمختصر في أصول علم الحديث، ونشر بتحقيق يوسف زيدان بالقاهرة سنة (1412هـ=1991م).

    - شرح تشريح القانون، ونشر بتحقيق الدكتور سلمان قطابة بالقاهرة سنة (1408هـ=1988م) وهو من أهم كتب، وتبرز قيمته في وصفه للدورة الدموية الصغرى، واكتشافه أن عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم الموجود في جوفه. ويظهر في الكتاب ثقة ابن النفيس في علمه؛ حيث نقض كلام أعظم طبيبين عرفهما العرب في ذلك الوقت، وهما: جالينوس، وابن سينا.

    - غير أن أعظم مؤلفاته تتمثل في موسوعته الكبيرة المعروفة بـ"الشامل في الصناعة الطبية". وقد نهضت إليها همة الدكتور يوسف زيدان في مصر ونجح في جمع أجزاء الكتاب المخطوطة. وتطلع المجمع الثقافي في أبو ظبي إلى هذا العمل، فأخذ على عاتقه نشره محقَّقًا، فخرج إلى النور أول أجزاء هذا العمل في سنة (1422هـ=2001م)، وينتظر توالي خروج الكتاب في أجزاء متتابعة.

    وكان ابن النفيس قد وضع مسودات موسوعته في ثلاثمائة مجلد، بيَّض منها ثمانين، وهي تمثل صياغة علمية للجهود العلمية للمسلمين في الطب والصيدلة لخمسة قرون من العمل المتواصل. وقد وضعها ابن النفيس لتكون نبراسًا ودليلًا لمن يشتغل بالعلوم الطبية.



    وفاته

    كان ابن النفيس إلى جانب نبوغه في الطب فيلسوفًا وعالمـًا بالتاريخ وفقيهًا ولغويًّا له مؤلفات في اللغة والنحو، حتى كان ابن النحاس العالم اللغوي المعروف لا يرضى بكلام أحدٍ في القاهرة في النحو غير كلام ابن النفيس، وكان يقضي معظم وقته في عمله أو في التأليف والتصنيف أو تعليم طلابه.

    وفي أيامه الأخيرة بعدما بلغ الثمانين مرض ستة أيام مرضًا شديدًا، وحاول الأطباء أن يُعالجوه بالخمر فدفعها عن فمه وهو يقاسي عذاب المرض قائلًا: "لا ألقى الله تعالى وفي جوفي شيءٌ من الخمر"، ولم يطل به المرض؛ فقد تُوفِّي في سَحَر يوم الجمعة الموافق (21 من ذي القعدة 687هـ= 17 من ديسمبر 1288م).

    ________________
    من مصادر الدراسة:
    - الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1985م.
    - ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، صورة خطية نشرها معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت - ألمانيا الغربية، (1408هـ=1988م).
    - بول غليونجي: ابن النفيس، سلسلة أعلام العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة، (1402هـ=1982م).
    - أحمد عيسى: معجم الأطباء، دار الرائد العربي – بيروت، طبعة مصورة عن طبعة القاهرة، (1402هـ=1982م)
    - كمال السامرائي: مختصر تاريخ الطب، دار النضال - بيروت، (1410هـ=1990م).

  2. #2
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: September-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 9,861 المواضيع: 28
    صوتيات: 13 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1579
    شكرا لك

  3. #3
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: November-2014
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,814 المواضيع: 1
    التقييم: 1278
    آخر نشاط: 3/April/2022

    يعطيك الف الف عافيه
    موضوع رااائع
    وجهود أروع




تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال