صراع بين أخلاق الحق وأخلاق الباطل
إن من تدبير الله (عزّ وجل) أنه خلق الخلق و جعلهم قسمين:قسم أولياء للرحمن عباد له وقسم أولياء للشيطان أنصار له، وكان من قدر الله و حكمته أن جعل هذين القسمين متناقضين متصارعين و كان لكل قسم أساليبه و طرقه في هذا الصراع.
فعباد الرحمن كانت أساليبهم رحمانية شرعها لهم ربهم ومولاهم تبارك وتعالى فلم يكونوا سبابين لعانين لخصومهم بل كان كل همهم أن يدعوا الناس إلى عبادة الله وحده و تحريرهم من ذل الوثنية والشرك إلى عز العبودية لله والتوحيد قال تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُۚ)، سورة النحل: الآية (36) .
وأما القسم الآخر فكان ديدنهم وأسلوبهم الأمثل السب والشتم واللعن والقتل والتشريد والقرآن قد ذكر من حالهم الكثير.
فمن أول مواجهة بين الباطل متمثلاً بـ(ابليس) والحق متمثلاً بآدم (عليه السلام) قال ابليس (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، سورة الأعراف: الآية (12)، وما قال ذلك إلا تكبراً ثم اجمع إتباع ابليس على ذلك قال تعالى: (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، سورة الذاريات: الآية (52) .
فهؤلاء قوم نوح قالوا: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، سورة الأعراف: الآية (60) وقوم هود: (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ )، سورة الأعراف: الآية (66) وكذا قوم لوط: (قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، سورة الأعراف: الآية (82) .
ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) تعرض من ذلك للكثير فقالوا ساحر وكاهن ومجنون وشاعر قال تعالى : (فَذَكِّرْ فَما أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)، سورة الطور: الآيتين (29-30)، وما هذا إلاّ دليل وضح على ضعف حجتهم و سفاهة عقولهم و صدهم عن الحق والصراط المستقيم، إذ إن صاحب الحق لا يحتاج إلى السب والطعن في الأنساب وتسفيه العقول ولكن الحق له قوة وعزة وعليه نور يكفي أن يطرح بأسلوب مناسب ليقبل من كل ذي فطرة سليمة وقلب بشري غير سقيم..
لذلك.. فعلى المتصدر للدعوة أن يجعل من حسن الخلق منهجه مستنداً إلى قوة الحجّة أساسه في إظهار الحق.. وهذا منهج الرسول (صلى الله عليه وسلّم) في الدعوة.