تطرقنا في مقال سابق عن قوة الاسلام كدين الهي لتغيير او قل لتعديل السلوك البشري والعودة به الى روح الفطرة الانسانية السوية وانه كرسالة جاء يحمل قوته في ذاته وذلك عبر جملة ومجموعة من القيم والمبادئ المتحركة والمتفاعله مع الحياة واسهبنا في شرح هذا الامرثم بينا ان العرب لولا الاسلام وحركته التفاعليه مع الحياة لما قامت لهم قائمة ولما كان لهم ذكر بين امم الارض وانهم بتناغم حركتهم مع حركته كان لهم إيقاع ومن ثم نغم مسموع في هذه الحياة وبدون هذا التناغم يعودون الى سيرتهم الاولى قبل ظهورالاسلام الى صوت منكر نشاز كما يقول الموسيقيون الى حد السقوط ولم نقصد الايذاء او الازدراء او السخرية لاسامح الله ولكننا اقررنا وقائع لايمكن لعاقل ان يغفلها او يتغافل عنها ولكن يبدو ان البعض مع شديد الاحترام وعظيم التقدير لذواتهم قد اخفقوا في فهم ما قصدناه من المقال ربما بسبب تعصبهم او قل انحيازهم الشديد لاصولهم البدوية" وهذا من ضمن ما نستنكره في هذه الشخصية " فأستنكروا علينا نقدنا لتلك الاصول ولعيوبها ثم حاولوا الرد بأسلوب الالتفاف وادخالنا الى مواضيع وعناوين لم نتطرق اليها في مقالنا السابق بل اننا لم نقصدها حتى وعليه فإننا نعود بصفحة ثانية من المقال لنوضح بعض الاساسيات في موضوع الاسلام وعلاقته بالعرب البدو ..
وكبداية دعونا نعرف ابتدائا ماهي البداوة او المجتمع البدوي .. لقد كانت الحياة في الصحاري وشبه الجزيرة العربية صعبة، والبدو وحدهم ، وهم القسم الأكبرقد إنتشروا فيها وخاصة في الشمال منها وكوّنت البيئة الصحراوية حالهم الإجتماعية وكلهم يخضعون لنظام القبيلة ويعرفون الاسرة والعشيرة فقط ومجتمعهم هو مجتمع القبيلة والخيمة فالبدو هم سكان البادية الرعاة الرحل من العرب الذين يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الإبل والماشية ويتنقلون من مكان لآخر طلبا للماء والكلأ، وأمّا القبيلة وهي جماعة من الناس تنتمي إلى نسب واحد، وتتكوّن من عدة بطون وعشائر، وتنتشر القبائل في كل أنحاء العالم، منها ما إندثر، ومنها أوشك يندثر ويذوب في المجتمعات الحضرية المتآخمةمع احتفاظها بخصوصيتها وعلاقتها واسلوب التعامل الحياتي ، ومنها ما بقي كما نلاحظها في جزيرة العرب والصحراء السوريةوغرب العراق وفي أجزاء من الأردن وفلسطين وصحارى شمال أفريقيا .
والعشيرة تتكوّن من مجموعة كبيرة من الأسر تربط بينها أواصر القرابة لأنهم ينحدرون من جد واحد غالبا، وهي تعمل جاهدةً لتحصل على مصلحة لأبنائها ومن ينتمونلها دون أن تعني بالإنسان وكينونته ، فالعشيرة تحاول بشتى الطرق إعطاء كل الأعمال لأفرادها، وإتاحة الفرص أمامهم حتى وإن كانوا جهلة وغير مؤّهلين، لأنّها تطمس دورالأفراد الآخرينوتعمل على جعلهم تابعين لهم وملحقين بهم " .. الى هنا ينتهي كلام علماء الاجتماع الذين اجمعوا عليه في وصفهم للبدوي او حياته الاجتماعية وهذه حقيقة واقعة لا يمكن لعاقل ان ينكرها او يتغافل عنها..
وعليهفالبداوة ليست سبة او عار حتى ننكرها فالعرب جميعا انحدروا من سلالة هذا وصفها ، فكل عربي ايا كان لابد وان يكون بدويا ينتمي الى عشيرة او قبيلة وليست في هذا مشكلتنا ولكن مشكلتنا في اخلاقيات وسلوكيات البداوة المتخلفه التي ورثناها كابرعن كابرونرفض بشده التنازل عنها تحت اي ظرف او سبب كان حتى بعد ان جاء الاسلام بافكاره المتطورة المتحضرة رفض الغالب الاعم منا ان يتنازل عنها بل تمسك بها وحاول في فترة ان يلتف بها على الدين الجديد خوفا حتى اذا ما أمن واطمأن استبدله بها .
ولعل ابلغ دليل واوجزه في وصف تلك الاخلاقيات والسلوكيات هو ما اقرة احد اشهر الصحابه رضوان الله عليهم " جعفر بن ابي طالب في خطبته امام النجاشي حين قال ..
" أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطعالأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف "
هذا هو الشطر الاول من خطبته وقد اوجز ببساطه وبوضوح مئات بل الاف السنين من حياة البدو في صحرائهم المترامية الاطراف وقد جاء على ذكر بعض السلوكيات واخفى ما تعاظم منها في كلمة الفواحش ولك ان تتخيل ما هي تلك الفواحش بدئا من وئد الاناث وامتهان من يبقى منهن على قيد الحياة وانتهائا بالقتل لاتفه الاسباب كحرب البسوس وداحس والغبراء مرورا بالرق والزنا والبغاء ومعاقرة الخمر والميسر والربا الى غير ذلك مما يعف اللسان عن ذكره من الفواحش .
ثم جاء الاسلام ليغير من هو مؤهل للتغيير ويتلون من هو مؤهل لذلك ، اولئك الذين وصمهم الله تعالى بقوله في سورة الحجرات ..

" قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم" ..

وانتظر المتلونون طوال الثلاثون السنه الاولى من عمر الاسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليبدأ فعلهم الحقيقي .. فلم يتمكنوا طوال تلك السنين ان يحدثوا فارقا في فكرة هذه الدين رغم كل الضربات التي وجهوها الى اركانه والمتمثلة بالارتداد ومعاركه التي حصدت مجموعة من الصحابة ثم قتل الخلفاء الثلاثة عمر وعثمان وعلي وما شملها من فتن واختلافات وصلت الى حد التقاتل الا انها صمدت بل وادهشت بصمودها وحيويتها كل من اراد هدمها لانها اساسا كانت لا تزال محتظنة بجبهة عريضة من ايمان المتحركون الذين تمكنوا من ان يحافظوا على قوتها ورونقها دون ان تهزهم الاحداث او ان تخطف مواقفهم واستمرت على هذا النسق حتى بدات اولى مظاهر ضعفها حين فقدنا الايمان بها ، حين قررنا نحن وبملء ارادتنا المتلونه اضعافها تمهيدا لانهائها .
فماذا فعلت افكار البدو واعرافهم بالاسلام فيما بعد ؟
باستشهاد اخرالخلفاء علي بن ابي طالب فقدت الفكرة اخر نصير لتحركها بل قل فقد الاسلام اخرقائد لجمع الاقوياء المؤمنون بشده وبيقين ثابت بحركه الرسالة الحياتيه وصورتها التي انزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فتناثر الجمع وتشتت الضعفاء وحينها وجد البدو المتخلفين الفرصه للانقضاض وهو ما حدث ، فبعد ان تيقنوا ان خطوتهم الاولى في تثبيت نظام شيخ العشيرة الوراثيالدكتاتوري التسلطي واستقراره قد نجحت تحولوا الى روح الرسالة وجوهرها .
فراحوا يصنعون بتخلفهم أصناما ادمية اشد دمامة وانحطاطا وسفاهة من هبل واللات ومناة .. بعد ان حطّم صاحب الرسالة اصنامنا الحجرية ليحرر ارواحنا التي حبست رعباً داخل تلك الأحجار، لكن تعلقنا بأصنامنا وأوثاننا جعل أرواح تلك الأوثان والأصنام تحل فينا ، لنتحول نحن انفسنا إلى اوثانا واصناما تعبد من دون الله ، ولنصبح أكبر مصدر للأصنام إلى الأمم الأخرى، فحولنا صاحب الرسالة إلي صنم ، وحولنا قرانه إلى صنم ، وصحابته إلى أصنام ، وابتكرنا منظومة كهنوتية لا تقول فقط بشغل الكاهن للكرسي الرسولي كما في المسيحية ، بل تقول بشغل الكاهن .. ( الفقيه وفي مرحلة لاحقه الشيخ والخليفة والامام والمرجع ) .. لكرسي الله ذاته ، ولم تتوقف هذه المنظومة الكهنوتية عن تفريخ الأصنام حتى يومنا هذا .
ثم ركبنا دعوة الله تعالى في الجهاد وفتح البلدان فإنفتحت اعيننا على عوالم جديدة لم نكن نعرف عنها إلا القليل مما يحدثنا به الركبان وتجارالقوافل وصارت تلك المدائن التي كان سادتنا ومشايخنا يقصدونها لمدح ملوكها وإستجداء عطاياهم وتقديم فروض الطاعة لهم أهدافاً لذاتنا المريضة نفرض على اممها كل تخلفنا وعاهاتنا على أنها جزء من أوامر الله بعد أن حوّرنا في شريعته وأضافنا اليها وألغينا منها بحسب هوانا ، لنضفي علي همجيتنا رداء القدسية ، ولنجعل من نزواتنا أوامر إلهية ، ثم حولناها إلى شريعة ثابتة تمنحنا وحدنا الحق في خلافة هذه الأرض فكنا نقتل ونعذب وننفي ونفتك ونأخذ بالشبهة كل من يفكر مجرد التفكير فيما تحت اقدامنا .
ومع مرور الوقت واستقرار الامر بحكم الحديد والنار والقمع ودكتاتورية وحشية وجيوش جرارة من الاتباع والمرتزقه والعسس " الشرطه " اصبحنا الاقوى والافتك على وجه الارض مما مهد ان ننشئ مدنا وحواضر وضواحي مستقره آمنه " أمن الخوف والرهبة وليس أمن العدل والاطمئنان " سمحت لاهل العلم والمعرفة والمفكرين والصناع والمهرة من اهل الاصقاع المفتوحة او تلك التي دخلت في حوزة الامبراطورية البدوية الجديدة واعتنق اهلها الاسلام او لم يعتنقوه منسريان ويهود وفرس ورومان واشوريين واكراد وهنود وفرنجه "اوربيين" من صقالبه وبلغار والبان وغيرهم من الشعوب ان تتاح لهم الفرصه للبحث والتنقيب والتعلم والاكتشاف والترجمة ومن ثم الابداع والابتكاروالتأليف فملئوا العراق وفارس ومصر والشام و وافريقية و شبه القارة الايبيرية " الاندلس " وسواها من الارض الجديدة علوما وتطورا من حضارتهم السابقة لم يكن للعرب شأن يذكر فيه الا اللمم .
ثم عدنا مرة اخرى لممارسة دورنا البدوي القميئ في اللصوصية والسرقه والاغتصاب والاعتداء فالصقنا جهدهم ببداوتنا لنشاركهم فيه كذبا وبهتانا بل حتى هذا الجانب لم يسلم على فترات من تسلطنا وجهلنا وهمجيتنا فكم من عالم وباحث ومفكر وفيلسوف ومبدع قتلنا او سجنا او عذبنا وكتب التاريخ خير شاهد على انحطاطنا الاخلاقي في هذا الجانب .
ولم يطل بنا الامر كثيرا حتى القرن السادس الهجري حيث قضي على الحكم البدوي وانتهى الى غير رجعه بعد ان سلط الله عليه حتى الصبيان والجواري والغلمان لتلعب به وبالتالي خضعنا لحكم الاتراك الذين لم تكن سنتهم في الحكم بافضل منا فنفونا الى الصحراء مرة اخرى حتى عثر علينا الاوربيين فلملموا شعثنا ونظموا فوضانا ورموا باحد دهاقنتهم المدعو لورنس الذي خدعنا بدعوى الاستقلال وانشاء الدولة العربية الكبرى تحت قيادة الاحمق المطاع من ليس له من اسمه نصيب " شريف مكة " حتى اذا ما تحقق لهم المراد في هزيمة الاتراك نكثوا بوعدهم واحمد الله انهم فعلوا والا لكانت المهزلة اكبر مما نعيشه اليوم بدول الكارتون حيث لا زلنا بدو جهلة نتبع اي ناعق .