نسب الأصماعي
هو الإمام، العلامة، الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب، أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأصمعي، البصري، اللغوي، الأخباري، أحد الأعلام. نسبتُه من قبيلة باهلة القيسية. راوية ثقة صدوق، وإمام في اللغة والغريب والأخبار والمُلَح.
يقال: اسم أبيه: عاصم، ولقبه: قريب. ولد سنة 123هـ = 741م. وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد فى أيام هارون الرشيد.
شيوخ الأصمعي
نشأ الأصمعي في البصرة موئلِ العربية ومحفلِ علمائها في عصره، فتعلم فيها القراءة والكتابة، ثم أتقن تجويد القرآن على أبي عمرو بن العلاء البصري (ت 154هـ) أحدِ القُرّاء السبعة، وهو أستاذه في سائر علوم اللغة والأدب، وأكثر من لازمه من شيوخه. وممن ثَقِفَ عنهم علومه عيسى بن عمر الثقفي (ت 149هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)، وسمع مِسْعر بن كِدام (ت 152هـ)، وشعبة بن الحجاج (ت 160هـ)، وحماد بن سلمة (ت 167هـ)، وحماد بن زيد (ت 179هـ).
ومما أسهم في ثقافة الأصمعي روايته عن فحول الشعراء كرؤبة وابن ميادة والحسين بن مطير الأسدي وابن هرمة وابن الدمينة وغيرهم، وذلك لاعتقاده أن العلم لا يصح إلا بالرواية والأخذ عن أفواه الرجال.
قال الإمام الذهبي: "حدث عن: ابن عون، وسليمان التيمي، وأبي عمرو بن العلاء، وقرة بن خالد، ومسعر بن كدام، وعمر بن أبي زائدة، وشعبة، ونافع بن أبي نعيم -وتلا عليه- وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، وسلمة بن بلال، وشبيب بن شيبة، وعدد كثير، لكنه قليل الرواية للمسندات".
حب الأصمعي للعربية
أحبَّ الأصمعي اللغة حبًا ملك عليه شغاف قلبه، فارتحل إلى أعماق البوادي يشافه أرباب الفصاحة والبيان من الأعراب الأقحاح حتى إنه قلّما يقع المرء على كتاب في التراث يخلو من خبر للأصمعي مع الأعراب.
ومما أغنى علمه خزانة كتبه الواسعة التي جمع فيها أصول علمه ومروياته. يتبين من هذا أن علم الأصمعي لم يكن علم سماع من الأعراب ورواية فحسب، بل إنه كان مع ذلك علم درس ودراية، وقد قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا.
استقدمه الرشيد إلى بغداد لِمَا بلغه من علمه وفضله واتساع درايته للغة، وروايته لأنساب العرب وأيامها، واتخذه سميره ومؤدِّب نجله الأمين. وكان خفيف الروح ظريف النادرة إذا مزح يحرك الرصين ويضحك الحزين.
ثناء العلماء على الأصمعي
كان الصدق لسان حال الأصمعي لغة ورأيًا ومحبة للعربية، شهد له بذلك الإمام الشافعي: "ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي"، وقال إسحاق الموصلي، وكان عدوه، والفضل ما شهدت به الأعداء: "لم أرَ الأصمعي يدعي شيئًا من العلم فيكون أحد أعلم به منه"، وقال أبو داود: "صدوق؛ وكان يتَّقِي أن يفسر الحديث، كما يتقي أن يفسر القرآن".
وقال المبرد: "كان الأصمعي بحرًا في اللغة، ولا يُعرف مثلُه فيها وفي كثرة الرواية". وقال أيضًا: "كان أبو زيد الأنصاريّ صاحب لغة وغريب ونحو، وكان أكثر من الأصمعى في النحو، وكان أبو عبيدة أعلم من أبى زيد والأصمعيّ بالأنساب والأيام والأخبار، وكان الأصمعيّ بحرًا في اللغة لا يعرف مثله فيها وفي كثرة الرواية، وكان دون أبي زيد فى النحو".
قال ابن كثير عن الأصمعي: "أحد أئمة اللغة والنحو, والغريب والأخبار، والملح والنوادر ..، روى له البخاري قوله في تفسير الجذر والوكت، وذكره مسلم في المقدمة، وأبو داود في تفسير أسنان الإبل في الزكاة، والترمذي في تفسير حديث أم زرع".
وقال الأصمعي: قال لي شعبة: لو تفرغت، لجئتك. وقال محمد بن الأعرابي: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحوًا من مائتي بيت، ما فيها بيت عرفناه. وعن ابن معين، قال: كان الأصمعي من أعلم الناس في فنه. وقيل لأبي نواس: قد أشخص الأصمعي وأبو عبيدة على الرشيد. فقال: أما أبو عبيدة، فإن مكنوه من سفره، قرأ عليهم علم أخبار الأولين والآخرين، وأما الأصمعي فبلبل يطربهم بنغماته.
ولم يكن أولئك الأئمة إلى غلوٍّ في مقالاتهم هذه، فقد عُرف عنه أنه كان ضابطًا محققًا، يتحرى اللفظ الصحيح، ويتلمس أسرار اللغة ودقائقها، ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه علماء اللغة ولا يجيز إلا أفصح اللغات، يسعفه في ذلك حافظة وقادة، وصبر أهل العلم وجلدُهم، وعنه أنه قال: "حفظت ستة عشر ألف أرجوزة"، فكثر لـذلك خصومـه كأبـي عبيدة معمر بـن المثنى (ت 211هـ) وإسـحاق الموصلي (ت 235هـ) وأضرابِهم، والمعاصرة، كما قيل، حجابٌ، واختلاف الهوى عدوانٌ، وشر عداوة الناس عداوة الصناعة، وهذا يفسر العداوة بين الأصمعي ومعاصره أبي عبيدة، فقد كان الأصمعي اتباعيًا يمجّد السلف وآثاره، ويروي هائمًا مفتونًا أشعارَه وأخبارَه، وقد عرف عن أبي عبيدة أنه كان شعوبيًا يبغض العرب وصنّف كتابًا في مثالبهم.
وروي أن الأصمعي قال: حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع، فقال لي: كم كتابك في الخيل؟ فقلت: مجلد واحد، فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال: خمسون مجلدًا، فقال له: قم إلى هذا الفرس؛ وأمسك عضوًا عضوًا منه وسمه، فقال: لست بيطارًا، وإنما هذا شيء أخذته عن العرب، فقال: قم يا أصمعي، وافعل ذلك؛ فقمت وأمسكت ناصيته، وجعلت أذكر عضوًا عضوًا، وأضع يدي عليه، وأنشد ما قالته العرب إلى أن بلغت حافره، فقال: خذه؛ فأخذت الفرس. وكنت إذا أردت أن أغيظه ركبته وأتيته.
تلامذة الأصمعي
روى عن الأصمعي ابن أخيه عبد الرحمن بـن عبد الله، وأبو عبيد القاسم بـن سلاّم (ت 224هـ)، وأبو حاتم السجستاني (ت 248هـ)، وأبو الفضل الرياشي (ت 257هـ)، واليزيدي (ت 260هـ)، ويحيى بن معين، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، وسلمة بن عاصم، وزكريا بن يحيى المنقري، وعمر بن شبة، ونصر بن علي، وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله الأصمعي، وأبو حاتم الرازي، وأحمد بن عبيد أبو عصيدة، وبشر بن موسى، والكديمي، وأبو العيناء، وأبو مسلم الكجي، وخلق كثير. ولعل في أولئك التلاميذ العلماء أنصعَ دلالة على جلالة قدر شيخهم.
مصنفات الأصمعي
ترك الأصمعي تراثًا جمًّا من التصانيف الجياد، عدّتُها تزيد على الثلاثين، منها: خلق الإنسان، الأجناس، الأنواء، الخيل، الشاء، الوحوش، اشتقاق الأسماء، الأضداد، اللغات، القلب والإبدال، فحولة الشعراء: وقد رواه عنه تلميذه السجستاني، وفيه نظرات لطيفة في تقويم الشعر والشعراء، ولعلّ أجلّ آثاره "الأصمعيات" وهو اختيارات شعرية انتخبها من عيون الشعر العربي، تصوّر الحياة الأدبية أدق تصوير، في عاداتها وأفكارها وتقاليدها.
قال السيوطي: "صنف: غريب القرآن، خلق الإنسان، الأجناس، الأنواء، الهمز، المقصور والممدود، الصفات، خلق الفرس، الإبل، الخيل، الشاء، الميسر والقداح، الأمثال، فعل وأفعل، الاشتقاق، ما اتفق لفظه واختلف معناه، كتاب الفرق، كتاب الأخبية، كتاب الوحوش، كتاب الأضداد، كتاب الألفاظ، كتاب السلاح، كتاب اللغات، كتاب مياه العرب، كتاب النوادر، كتاب أصول الكلام، كتاب القلب والإبدال، كتاب جزيرة العرب، كتاب معاني الشعر، كتاب المصادر، كتاب الأراجيز، كتاب النخلة، كتاب النبات، كتاب نوادر الأعراب، وغير ذلك".
قيمة الأصمعي
على أن قيمته اللغوية أعلى من قيمته الفنية إذ حفظ لنا تراثًا لغويًا قلما تخلو منه كتب اللغة والأدب. بَلْهَ ما يزال الأصمعي مضرب المثل في الفصاحة وسعة الرواية حتى يومنا.
وفاة الأصمعي
مات الأصمعي رحمه الله في خلافة المأمون في البصرة، سنة 216هـ= 831م، وأكثرت الشعراء رثاءه، من ذلك ما قاله أبو العالية الشامي:
لا دَرَّ دَرُّ نباتِ الأرضِ إذ فُجِعَت *** بالأصمعيِّ لقد أبقت لنا أسفا
عشْ ما بدا لك في الدنيا فلست ترى *** في الناس منه ولا في علمه خلفا
_____________
المصادر والمراجع:
- ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ / 1992م.
- ضياء الدين المقدسي: المنتقى من أخبار الأصمعي، تحقيق عز الدين التنوخي، مطبوعات ا لمجمع العلمي العربي بدمشق، 1936م.
- القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1982م.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405هـ / 1985م.
- ابن كثير: طبقات الشافعيين، طبقات الشافعيين، تحقيق: د أحمد عمر هاشم، د محمد زينهم محمد عزب، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، 1413هـ / 1993م.
السيوطي: بغية الوعاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: المكتبة العصرية - لبنان / صيدا، د.ت.
- الأصمعي: الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثاني، ص643.