ينتشر معتقد الشبح الجائع لدى معتنقي البوذية والطاوية في معظم أنحاء الصين وتايوان ولدى الصينين المقيمين في سنغافورا وماليزيا وهذا المعتقد مبني على عبادة أرواح الأسلاف التي تعد جوهر المعتقدات التي تخص حياة ما بعد الموت حيث تؤمن هذه المجتمعات بأن الأبواب التي تفصل بين عالم الأحياء وعالم أهل السماء أوالجحيم تكون مفتوحة في الشهر السابع القمري فتتحرر أرواح الموتى من عالمها لتهيم في عالم الأحياء .
وفي المقابل يقوم الأحياء باحتفالات طقسية أو مهرجان طيلة هذا الشهر لتخفيف معاناة الذين رحلوا عن الدنيا فيبذلون خلالها القرابين من الطعام ويحرقوا البخور وأموال الصلاة لأرواح موتاهم بهدف كسب رضاهم أو إراحتهم من العذاب، وتبعث الأشباح في نفوس هؤلاء المحتفلين مشاعر من الشفقة والخوف معاً حيث يعتقدون بأن الأرواح التي تتجول على الأرض خلال هذه الفترة لم يسمح لها بأن تصعد للسماء لسبب ما أو لأن أقربائها من الأحياء لم يقوموا بواجب تقديم القرابين لها.
وغالباً ما يوصف الشبح الجائع على أنه مخلوق يرثى له ، له بطن كبيرة لكنها خاوية ويصعب عليه تناول الطعام لأن فمه صغير جداً ورقبته رفيعة جداً ، وفي بعض الأحيان يتنفس النار وفي أحيان أخرى يتحول الطعام الذي يأكله إلى رماد في فمه، وهو مخلوق محكوم عليه أن يعيش في توق شديد ومتواصل.
ويدل مفهوم الشبح الجائع على الحالة النفسية أكثر من الحالة المادية ، وقد تستخدم فكرة الشبح الجائع لوصف الأشخاص المصابين بالإدمان والهواجس والدوافع ، كما أن الغيرة والطمع تقود إلى حياة تشبه حياة الشبح الجائع.
وتسكن تلك الأشباح الجائعة في عالم تعاد ولادتها فيه وهو أحد 6 عوالم في الـ سامسارا (عجلة الحياة أو عوالم الوجود في المعتقدات الهندوسية والبوذية و السيخية والجيانية وديانات أخرى وتعرف بالجريان المستمر وتتضمن دورة الولادة والحياة والموت والولادة من جديد أو البعث )، و روح الميت الذي مضى عليها زمن طويل تتطلع إلى أن يأخذ أحد من الأحياء مكانها في الجحيم ، أما روح الميت حديثاً فتجوع من بقائها في الجحيم لسنة بأكملها فتبحث عن رزقها خلال قضاء إجازتها على الأرض.
مهرجان الشبح الجائع
تمثل عبادة الأسلاف جوهر هذا المهرجان الذي يقام في الكثير من البلدان البوذية لمنح تلك "المخلوقات المسكينة" بعضاً من الراحة والسكينة مع أن أرواح الأسلاف لا تكون بنفس حاجة الأرواح المذكورة آنفاً إلا أن أقربائها الأحياء يقيمون الإحتفالات لها أيضاً في مهرجان الشبح الجائع.
أصل فكرة المهرجان
لا تعرف أصول لهذا الحفل الطقسي على وجه التحديد إلا أن البعض يعتقد بأنه يرجع إلى نصوص بوذية تدعى بـ سوترا أللامبانا وتذكر هذه السوترا أن(ماهاماودغاليايانا) وهو مريدي (بوذا) علم بأن أمه ولدت من جديد كشبح جائع فأعطاها وعاء من الطعام ولكن قبل أن تتمكن من تناوله تحول إلى جمر مشتعل مما أحزنه فذهب إلى (بوذا) عسى أن يتعلم منه ما يمكن أن يفعله لأجلها ، فأخبره (بوذا) بأن عليه في اليوم الـ 15 من الشهر الـ 7 القمري أن يملأ سلالاً نظيفة بالفواكه وأصناف أخرى من الطعام جنباً إلى جنب مع قرابين الشموع والبخور ، وطلب منه أن يضعها أمام المذبح ويتلو كلمات المانترا والعهود ثم تحرر 7 أجيال من الأسلاف من عالمهم السفلي ( عالم الأشباح ، الحيوان ، أو الجحيم) وتلقوا الطعام من السلال والبركة لمئة سنة قادمة.
- وتظهر فكرة الأشباح الجائعة أيضاً في عبادة الأسلاف لدى الصينيين حيث يعتقد البعض منهم أن أرواح أسلافهم تعود في فترة محددة من السنة وهي جائعة ومستعدة للأكل ، فعندما دخلت البوذية إلى الصين واجهت معارضة شديدة من الكنفوشيوسية التي تعبد الأسلاف ، وأمام هذه الضغوط جُمع بين معتقد عبادة الأسلاف والمفهوم الهندوسي والبوذي لمعتقد الشبح الجائع وفي نهاية المطاف أصبح مهرجان الشبح الجائع أمراً مهماً وجزءاً من حياة الصينيين البوذيين.
ووفقاً للتراث الشفوي يؤمن بعض القرويين الصينيين بأن الأرواح قد يؤذن لها أن تعود إلى عالم لأحياء لتأخذ منه وذلك في حال لم تُقدم لها قرابين تكفيها أو ترضيها من قبل أقربائها الأحياء.
ويرى العديد من الناس أن الكثير من جوانب هذه الاحتفالات تتأثر بالفولكلور والتقاليد الصينية إذ يعتبر البوذيون الشهر السابع شهراً مفعماً بالبهجة.
- في الصين وتايوان
في معظم أنحاء الصين وتايوان يقام مهرجان الشبح الجائع في اليوم الـ 15 من الشهر السابع بحسب التقويم الصيني و يعرف أيضاً باسم (يو لان) وهو حدث ثقافي في التقاليد الصينية لكنه يقام في اليوم الذي يسبقه لدى سكان جنوب الصين ، ويعرف هذا اليوم بـ يوم الشبح وهذا الشهر بـ شهر الشبح ، ويشبه مهرجان الشبح الجائع مهرجان آخر يدعى مهرجان (كوينغمينغ) الذي يقام فقط على شرف الأسلاف من الموتى ، بينما يقام مهرجان الشبح الجائع على شرف جميع الموتى على إختلاف أعمارهم.
- في ماليزيا وسنغافورا
في أنحاء من سنغافورا والأحياء الصينية في ماليزيا مثل أحياء على رأسها (بينانغ)و (ميلاكا ) يخرج الصينيون لإطعام وترفيه الأرواح الهائمة ولدى زيارتك للمعابد الطاوية المحلية وأسواق الخضروات الطازجة سترى العرض الأكثر إثارة في تقديم قرابين الطعام إلى الأشباح الجائعة حيث يراقب هذا العرض (طائي سي ونغ) وهو زعيم الأشباح الجياع ويمثل حضوره عادة في دمية ، وهو أول من يحصل على الطعام الموضوع على المائدة ويبقي وراءه رتلاً من الأشباح الجياع، وهو يمنعهم من التسبب بالأذى خلال فترة وجودهم على الأرض .
وتترك قرابين الطعام التي تكون عادة نباتية على الأرصفة وزوايا الشوارع وخارج المنازل لئلا تدخل الأشباح الجائعة إلى مكان إقامة الأحياء ، أو تقدم القرابين في أماكن خصصت لهذه الغاية.
وبهدف إشباع أقربائهم الموتى يقوم الصينيون بتقديم وجبات الطعام وإحراق عيدان البخور وأوراق الأموال (هي أوراق نقود مزيفة) ونسخاً من أوراق متنوعة كإعلانات وكتيبات عن أغراض مثل أجهزة التلفزيونات والسيارات والمفروشات والصينيون الذين يؤمنون بأن أرواح أسلافهم يمكن لها أن تساعدهم في أعمالهم التجارية يفعلون ذلك لضمان استمرار التبريكات والحماية من تلك الأرواح.
وفي اليوم الـ 30 من الشهر السابع تعود الأشباح إلى عالمها في الجحيم فتغلق أبواب العالم السفلي ، ولتوديع الأشباح يتم حرق القرابين الورقية وغيرها من السلع في موقد عملاق كذلك يجري حرق (طائي سي ونغ) مع بقية الأغراض لإعادته الى الجحيم.
وسيقام المهرجان القادم للشبح الجائع في 31 أغسطس من عام 2012 ، حيث ستنشء منصات للحفل الغنائي الذي ستشارك فيه أوبرا صينية (فور تور) وعروض الدمى لكل من الأحياء والأموات ، بينما تترك المقاعد في الصف الأول فارغة لتجلس عليها الأرواح كما تقام حفلات (الكاريوكي) الترفيهية وكذلك مسابقات الرقص على شرف أرواح الموتى الذين توفوا حديثاً بشكل خاص.
الفأل السيء لشهر الشبح
يتجنب الناس خلال شهر مهرجان الشبح الجائع تنفيذ القرارات الهامة في حياتهم وهذا يرجع لاعتقادهم بأنه وقت للحظ السيء. ويتجنب المؤمنون من الصينيين الزواج أو القيام برحلات السفر أو أية احتفالات ، كما يمتنعون عن شراء العقارات أو الإنتقال من منازلهم أو إنهاء الصفقات ، لأن الأشباح الجائعة باعتقادهم تقوم بتعطيل خططهم خلال فترة المهرجان.
وتعتبر السباحة أيضاً أمراً مخيفاً خلال فترة المهرجان ، إذ يحذرون الأطفال من السباحة لئلا تقوم روح بسحبهم إلى الأعماق وبالتالي تجد من يأخذ مكانها في الجحيم
منقووووووووووووول