أركان جريمة الرشوة
تتكون جريمة الرشوة من ركنين: ركن مادي وركن معنوي.
أولاً: الركن المادي
يتكون الركن المادي لجريمة الرشوة من نشاط يتمثل في صورة من الصور الآتية : طلب أو أخذ أو قبول من موظف عام ، ومحل لهذا النشاط وهو تقاضي فائدة في مقابل أداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن أداء واجبات وظيفته أو الإخلال بواجبات وظيفته.
إذن الركن المادي يتمثل في نشاط ومحل للنشاط وغرض للنشاط، فهي جريمة نشاط.
وبالتالي يلزم توافر ثلاثة عناصر في هذا النشاط:
1- صورة النشاط : طلب أو أخذ أو قبول
2- فائدة
3- غرض
أولا – صورة النشاط:
وهي الطلب أو الأخذ أو القبول
(أ) الطلب:
هو إيجاب من الموظف بأنه على استعداد لأداء خدمة معينة في عمله لقاء فائدة معينة.
فالمبادرة تأتي من الموظف. وعلى صاحب الحاجة أن يقبل أو يرفض.
الفرض الأول : الموظف يطلب وصاحب الحاجة يوافق؛ الموظف فاعل وصاحب الحاجة شريك في رشوة
الفرض الثاني: الموظف يطلب وصاحب الحاجة يرفض ؛ الموظف فاعل أصلي وصاحب الحاجة برئ ، فهو شاهد وليس متهما.
الشروع في الطلب: الطلب يتم فورا بإيجاب أمام صاحب الحاجة أو باتصال تليفوني مباشر معه، أما إذا كان الطلب قد تم بخطاب وضُبط الخطاب قبل أن يصل لصاحب الحاجة أو في فرض آخر إذا طلب الموظف من وسيط أن يتصل بصاحب الحاجة ليطلب من الفائدة وقام الوسيط بالتبليغ ، فإننا نتواجد أمام شروع في طلب أي شروع في رشوة.
(ب ) الأخذ:
في هذه الصورة يأخذ الموظف من صاحب الحاجة الفائدة. فقد يعرض صاحب الحاجة مبلغا من النقود فيأخذه الموظف منه نظير أداء خدمة له في عمله الوظيفي.
(جـ) القبول:
يفترق القبول عن الأخذ في أن الموظف العام لم يأخذ المقابل ولكنه قبل الوعد بالحصول على هذا المقابل. فتقع الرشوة وفقا لهذا الفرض إذا عرض صاحب الحاجة على الموظف أن يتقاضى عمولة معينة إذا سهل له الموظف رسو العطاء عليه أو قبل أستاذ زيادة درجات طالب في نظير حصوله بعد ذلك على مبلغ معين أو خدمة معينة كأن يعين له قريب في عمل معين.
ومعنى ذلك أن جريمة الرشوة تقع بمجرد قبول الموظف للعرض وحتى قبل حصوله (قبل الأخذ) ، كما تقع جريمة الرشوة بمجرد القبول وحتى قبل أن يقوم الموظف بأداء الخدمة المطلوبة، بل إن الرشوة تقع حتى ولو كان الموظف عازما على عدم أداء الخدمة المطلوبة؛ فإذا وافق الأستاذ على قبول فائدة معينة لقاء زيادة درجات طالب ولكنه لم يقم بزيادة تلك الدرجات،فإن جريمة الرشوة تقع منه. ويرجع السبب في ذلك إلى صياغة النظام السعودي للركن المادي في جريمة الرشوة بتجريمه مجرد "الطلب أو الأخذ أو القبول". فالرشوة في رأي المشرع اتجار الموظف بأعمال وظيفته، ويتحقق ذلك من مجرد الطلب أو الأخذ أو القبول. ويؤكد ذلك على أن جريمة الرشوة من جرائم النشاط أن من جرائم الخطر وليست من جرائم الضرر.
ثانيا- محل النشاط: فائدة
لا تقع الرشوة إذا لم يكن هناك فائدة حصل عليها الموظف أو كان من المتفق عليه أن يحصل عليها. فإذا قام الموظف بأداء خدمة معينة في عمله ولكن بدافع من المجاملة، فإن جريمة الرشوة لا تقع.
غير أنه لا يشترط أن يحصل الموظف بالفعل على الفائدة بل يكفي أن يكون قابلا وعدا بها.
وتشمل الفائدة أي ميزة يحصل عليها الموظف أو يقبل وعدا بها؛ فقد تكون ميزة مادية أو معنوية. من قبيل الميزة المادية الحصول على مبلغ من المال، أو الحصول على هدية عينية كسيارة أو عقار. وقد تكون ميزة معنوية كتعيين شخص يهم الموظف في عمل معين أو حصوله على ترقية في عمله. فقد يكون المستفيد من الفائدة الموظف نفسه أو ابنه أو زوجته أو أي شخص آخر يعينه لاستفادة من تلك الميزة. ومن قبيل الميزة المعنوية ما يسمى بالرشوة الجنسية كما لو ساوم الموظف إحدى السيدات لمقابلته في مكان خاص مع استعداده لتأدية الخدمة المطلوبة نظير ذلك. فتنص المادة الثانية عشرة من نظام مكافحة الرشوة على أنه "يعتبر من قبيل الوعد أو العطية في تطبيق هذا النظام كل فائدة أو ميزة يمكن أن يحصل عليها المرتشي أيا كان نوع هذه الفائدة أو تلك الميزة أو اسمها، سواء أكانت مادية أم غير مادية".
وقد تكون الفائدة صريحة وقد تكون غير صريحة. من أمثلة الفائدة الصريحة الحصول على مبلغ من المال. ومن أمثلة الرشوة غير الصريحة أن يبيع صاحب الحاجة عقارا (مبنى مثلا) أو منقولا (سيارة مثلا) بسعر منخفض قاصدا من ذلك تقديم فائدة للموظف لكي يؤدي له الخدمة المطلوبة، وقد يشترى صاحب الحاجة من الموظف عقارا أو منقولا بسعر مرتفع ويكون الفارق في الثمن مقصود به أن يؤدي الموظف خدمة في عمله نظير ذلك.
ولم يشترط النظام مقدارا معينا في الفائدة فقد تكون مبلغا كبيرا وقد تكون مبلغا صغيرا . غير أنه لا يعتبر من قبيل الرشوة ما يتعارف عليه الناس من مجاملات .
ثالثا – الغرض من النشاط :
يتعين أن يكون الغرض من الطلب أو الأخذ أو القبول للفائدة أن يؤدي الموظف عملا من أعمال وظيفته أو امتناعا أو مخالفة لأعمال وظيفته.
أ- أداء عمل من أعمال وظيفته:
قد يكون مقابل الفائدة أداء الموظف لعمل من أعمال وظيفته. فقد يتقاضى الموظف الرشوة لكي يؤدي عمله على الوجه الأكمل كالأستاذ الذي يتقاضى رشوة ولكنه لا يعطي الطالب درجات أكثر مما يستحق. فالموظف يجب أن يمتنع عن الاتجار بأعمال وظيفته وأن يقنع براتبه دون أن يلجأ إلى التربح من أعمال وظيفته.
غير أنه لا يعد من قبيل الرشوة أن يتقاضى الفائدة مقابل أدائه عملا ليس من أعمال وظيفته؛ فالأستاذ الذي يعطي دروسا خصوصية ويتقاضى نظير ذلك أجرا من الطلاب لا يعتبر مرتشيا لأنه يتقاضاها نظير جهد إضافي وليس مقابل زيادة درجاتهم في الامتحان. غير أن هذا الأستاذ يستحق العقاب التأديبي ذلك أن الجامعة والمدرسة تحظر عليه أن يعطي دروسا خصوصية.
(أ) الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته:
قد يكون مقابل الرشوة أن يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته، كشرطي المرور الذي يتقاضى مبلغا ماليا لكي لا يكتب مخالفة لقائد السيارة المخالف.
(جـ) مخالفة واجبات وظيفته:
هنا يكون مقابل الرشوة أن يخالف الموظف واجبات وظيفته كالأستاذ الذي يزيد درجات الطالب نظير تقاضيه لفائدة معينة.
ثانيا – الركن المعنوي
الرشوة جريمة عمدية يتشكل الركن المعنوي فيها من القصد الجنائي. هذا القصد الجنائي هو قصد عام يتكون من العلم والإرادة؛ علم الموظف بأن هناك فائدة قدمت له، مع علمه بأن تقديم تلك الفائدة هي في مقابل قيامه بعمل أو امتناع أو مخالفة لواجبات وظيفته، وإرادته أن يحصل عليها. فإذا ترك صاحب الحاجة في منزل الموظف مبلغا أو هدية دون علم الموظف بذلك، فإن الرشوة لا تقوم. كما لا تقوم جريمة الرشوة إذا حصل الموظف على مبلغ من المال بصفته قرضا قابلا للرد، مادام تقديم هذا القرض غير مشروط بأدائه خدمة معينة لمن يقدم هذا القرض. كما أن تقديم الهدايا في عيد الميلاد أو في المناسبات المختلفة ليست من قبيل الرشوة مادام أنها غير مرتبطة بخدمة معينة يؤديها الموظف في مجال وظيفته.
ونتساءل عن مدى تطلب القصد الجنائي الخاص في الرشوة؛ أي هل يلزم أن تنصرف نية الموظف إلى تحقيق غاية معينة من وراء الحصول على الرشوة (القصد الخاص) وهي الاتجار بأعمال الوظيفة؟ يرى الاتجاه الراجح في الفقه إلى أنه لا يلزم توافر تلك النية أي يكتفى بالقصد الجنائي العام. فالمشرع يفترض أن الموظف الذي يعلم ويقصد إلى الحصول على الرشوة يتاجر بأعمال وظيفته. وبناء عليه يكفي توافر العلم والإرادة (القصد الجنائي العام) ولا يلزم توافر قصد خاص.
منقول لغرض الفائدة .