شارك في عدة معارك دفاعاً عن الإسلام و أشهرها
اليرموك التي انتصر فيها المسلمون على الروم مما اضطرهم إلى إنهاء احتلال بلاد الشام. و في تلك المعركة أصيب مالك برموش عينيه و لذلك سمي بالأشتر.
لما اقتربت الوفاة من
أبي ذر الغفاري الذي نُفي مع زوجته و ابنته إلى صحراء
الربذة ذكر لهما ما نبأه به
النبي محمد (ص) بأن مجموعة من
المؤمنين ستعتني به عند
وفاته و تقوم بدفنه. تعجبت زوجته من ذلك حبث أن وقت
الحج لم يكن قد حان بعد مما يقلل احتمال مرور
القوافل. و لكن رغم ذلك و إذا
بقافلة يقودها مالك الأشتر تمر بهم و الذين كانوا في طريقهم إلى
عثمان ابن عفان ليشتكوا إليه من واليه و أخي عثمان من أمه
الوليد ابن عقبة الذي نصبه على الكوفة بسبب ادمانه على شرب الخمر و فسقه. و لما وصلوا إلى
أبي ذر الغفاري كان على فراش الموت و هنأهم أنهم هم الذين عناهم
النبي محمد (ص) بنبوءته الكريمة. و هكذا رافقوه في ساعاته الأخيرة حتى توفي رضوان الله عليه فقاموا بدفنه و تابعوا رحلتهم إلى
المدينة.
لما وصل مالك الأشتر مع من رافقوه إلى
المدينة و طلبوا من
عثمان ابن عفانعزل واليه لفساده و حرصهم على الحفاظ على كيان الخلافة رفض
عثمان ذلك. فما كان من مالك و أصحابه إلا أن ذهبوا إلى
الإمام علي (ع) و عرضوا عليه مظلمتهم و الذي ذهب بدوره إلى
عثمان و لفت انتباهه إلى الخطأ الذي ارتكبه في قراره بشأن ذلك. عندها وعد
عثمان أن يصحح قراره و أن يعزل
الوليد ابن عقبة. لكنه لم يف بوعده حيث أن
مروان ابن الحكم أقنعه بأن لا يقدم على ذلك. كان ذلك إلى جانب الكثير من العوامل الأُخرى المشابهة و التي نشأت عن سيطرة الكثير من أقارب
عثمان الأمويين على مقادير الحكم و حكمهم بغير ما أمر الله به شرارة للانتفاضة ضده.
في تلك المعركة كان مالك الأشتر قائد الجناح الأيمن لجيش
أمير المؤمنين (ع). بعد النصر في
معركة الجمل انتقل مالك مع
الإمام علي (ع) إلى
الكوفة حيث كان يُعرف فيها بشجاعته و مهارته في القتال و يتمتع باحترام الناس فيها و رغم ذلك كان يعيش حياة متواضعة جداً فكان أحياناُ لا يُعرف في الطريق لملابسه البسيطة جداُ.
و من أشهر القصص التي تعطي صورة عن ما كان عليه مالك الأشتر هي أنه في إحدى المرات لما مر بمثل تلك الملابس ظن أحد البائعين في السوق أنه من المتسولين و عامله بفظاظة. و حتى حسب بعض الروايات فإنه قد رماه بالحجارة أو بنواة تمر. لكن مالك تابع المشي و ابتعد عنه كأن شيئاُ لم يكن. لما لفت الآخرون نظر البائع الذي فعل ذلك بأن من فعل به ذلك كان مالك الأشتر هرول مسرعاً وراءه ليعتذر منه. دخل وراءه في
المسجد و انتظره حتى انتهى من صلاته ثم أقبل عليه معتذراً. مالك هون عليه الأمر و قال له: لا عليك يا أخي، و الله ما دخلت المسجد إلا لكي أصلي و أستغفر لك.
زحف مالك الأشتر مع جيشه باتجاه
الشام و في منطقة
قرقيسيا اصطدم بأول كتائب جيش
معاوية بقيادة
أبي الأعور السلمي. بعد أول قتال بين الجيشين حاول مالك الأشتر إقناع خصمه بالبحث عن حل سلمي و توصل الفريقان إلى هدنة مبدئية تظاهر بها
أبو الأعور الذي قام بهجوم غادر في غضون الليل متجاهلاً بذلك كل أعراف الحروب و الأخلاق. و رغم ذلك قاوم جيش
الإمام علي (ع) بقيادة مالك الأشتر مقاومة شديدة و كبد الطرف المقابل خسائر كبيرة أجبره بها على الانسحاب إلى مواقعه.
مالك الذي كان ما زال حريصاً على منع سفك الدماء أرسل إلى أبي الأعور من يدعوه للمبارزة معه شخصياً و لكن
أبو الأعور جبن عن ذلك و خاف أن يقبل المبارزة.
في تلك الأثناء أقبل
معاوية ابن أبي سفيان ببقية جيشه و تعابل الجيشان في
صفين على ضفاف نهر الفرات. في البداية تمكنت فلول
معاوية من احتلال ضفاف النهر و فرضت حصاراً عليه. و رفض
معاوية الرجوع عن منع
الماء عن الطرف الآخر. شاهد مالك الأشتر أن رد
معاوية لم يكن إلا البدء بتشديد الحصار تعجرفاً منه و ظلماً.
ذهب مالك الأشتر إلى
الإمام علي (ع) و اشتكى إليه عطش الجنود و سأله أن يأذن له بالقتال فأجاب
الإمام علي (ع): أجل لقد أعذر من أنذر. هاجم مالك الأشتر مع جنوده جنود
معاوية و قاتلهم ببسالة عنيفة إلى أن اضطرهم إلى الانسحاب عن ضفة النهر و احتلها. و لكن
الإمام علي (ع) لم يعاملهم بالمثل بل سمح لهم بورود
الماء و ترك لهم مساحة كافية من الضفة لذلك. و بذلك أدرك بعض جند الشام الفرق بين
معاوية و
الإمام علي (ع) الذي يضع دوماً الأخلاق و التعامل الإنساني الإيماني نصب عينيه حتى في أحلك الظروف مما دعاهم لأن يستغلوا ظلمة الليل و يلتحقوا بجيش
الإمام علي (ع).
أراد
معاوية أن يقتل مالك الأشتر فطلب من مروان ذلك و لكنه جبن عن قتاله و أشار عليه أن يرسل لقتاله ساعده الأيمن
عمرو ابن العاص. لم تلبث المبارزة بينهما أن ابتدأت حتى ضربه مالك ضربة قوية جرحت وجهه فلاذ
عمرو ابن العاص هارباً لينجو بحياته.
عمار ابن ياسر رضوان الله عليه الدي كان يقود الجناح الأيسر كان يخوض قتالاً ناجحاً إلى أن قُتل في المعركة و سقط شهيداً كما نبأه
النبي محمد (ص) من أن الفئة الباغية هي التي ستقتله. و كان ذلك مما رفع من معنويات جيش
الإمام علي (ع) حيث كان ذلك شهادة إضافية من
النبي محمد (ص) أنهم على حق.
ألحق مالك الأشتر هزيمة تلو الهزيمة بجيش
معاوية و صار الانتصار قاب قوسين أو أدنى و بدأ الكثير من جنود
معاوية بالفرار. و هنا ما كان ب
عمرو ابن العاص و
معاوية إلا أن طلب من جيشه في الجناح الأوسط أن يرفعوا المصاحف على الرماح.
الإمام علي (ع) قال لضعاف النفوس الذين صدقوا هذه الكذبة و انخدعوا بها: أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب إليه، إنهم عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده.
رغم ذلك عصوا ما يقارب العشرون ألفاً من جنوده أمره و طالبوا مع التهديد بأن يأمر مالك بالانسحاب.
أراد الإمام علي (ع) أن يكون من ينوبه في التحكيم ضد
عمرو ابن العاص عبد الله ابن عباس و لما لم يرض المتمردون بذلك عرض عليهم مالك الأشتر و لكنهم أصروا على
أبي موسى الأشعري الذي كان الإمام عليه السلام يرفضه و لم يستطع منعهم من إرساله إلى التحكيم و الذي خدعه
عمرو ابن العاص بكذبه.
لما عرف
معاوية بذلك كاد له و قرر أن يقتله بالسم فما كان منه إلا أن اشترى رجلاً كبير في السن في مدينة
القلزم كان لا بد لمالك أن يمر منها للاستراحة فأهداه عسلاً ممزوجاً بالسم الذي أرسله
معاوية. قبل مالك الأشتر هدية الرجل و دعوته. عاجل الموت مالك الأشتر رضوان الله عليه لما تناول من ذلك العسل و نال
الشهادة دفاعاً عن إمامه عليه السلام سنة 30 للهجرة.
أ
ما الإمام علي (ع) فقد تملكه الحزن الشديد لفقدان مالك و قال عندما بلغته شهادته: إنا لله، وإنا إليه راجعون! والحمد لله رب العالمين. اللهم إني أحتسبُه عندك، فإن موته من مصائب الدهر.. رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنتُ لرسولِ الله. كما قال عليه السلام في عزائه: لله درّ مالك. وما مالك! لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان صخراً لكان صلداً. على مثل مالك فْلتَبكِ البواكي، وهل موجود كمالِك ؟! لقد استكمل أيامه، ولاقى حِمامه، ونحن عنه راضون فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب