البرق
تُعتَبرُ ظاهِرَتا البَرقِ والرَّعدِ من أَهمِّ الظَّواهرِ الطبيعيَّةِ التي تَحدُثُ فِي أَيّامِ الشّتاءِ البارِدَةِ، والتي بَقِيَت لُغزاً حيّرَ النّاسُ عَلى مَدى العُصورِ الماضِيَةِ. يُعرَفُ البَرقُ (بالإنجليزية: Lightning) بِأَنَّه ذلِكَ الضُّوءُ السّاطعُ المُنبعثُ مِنَ الغيومِ في فَصلِ الشّتاءِ، ويَنبَعِثُ هذا الضّوءِ نتيجةَ اصطدامِ سحابتين إحداهما تَحمِلُ الشّحنةَ الكَهرُبائِيَّةَ الموجَبة والأُخرى تَحمِلُ الشّحنةَ الكَهرُبائيّةَ السّالِبة، لِيَنتُج عَن التّصادُمِ شَرارة كهربائيّة قَويّة تَختفي فِي غُضونِ أَجزاء من الثّانيةِ،[١] لِيَعقُبَ هذه الشّرارةِ تَمَدُّداً فُجائِيّاً لِلهواءِ بِفعلِ الحرارةِ الشّديدةِ النّاجِمة مِنَ البَرق، فيَصدُر ذَلك الصّوت المُدَوِّي الذي يُعرَفُ بِالرّعدِ (بالإنجليزية: Thunder). وَيُشَكِّلُ البرقُ والرّعدُ ما يُعرَفُ عِلميَّاً بِالصّاعِقةِ (بالإنجليزية: Thunderbolt).
كيفيّة حدوث البرق عمَليَّة انفصال الشحنات وهذه الخطوة تَصِفُها النظريَّتان الآتيتان:[٢] فرضيَّة الاستِقطاب الميكانيكيّ:
(بالإنجليزية: Polarization Mechanism)، تَعتَمِدُ هذه الفرضيَّة عَلى مُكوّنين أَساسيّين هُما: تَساقُط المَطر والثّلج لِتُصبح مُستَقطَبة أَثناء سُقوطها من خلالِ حقلِ الأَرضِ الكهرومِغناطيسيّ الطَبيعيّ. تَصادم جُزيئَات الثَّلج بَعضها بِبعض لِيَتم شَحنها عَن طريقِ الحثِّ الكَهرسكونيّ. فَرضيَّة الحثّ الكهروسكونيّ: (بالإنجليزية: Electrostatic Induction)، تنَصُّ هَذه الفَرضيَّة عَلى أَنَّ حُدوثَ البَرقِ يَتطلَّبُ سَحبَاً عَموديّاً لِقَطراتِ المَاءِ، تُحمَلُ فيها قَطرات الماءِ إِلى الأَعلى لِيتِمّ تَبريدها تبريداً سريعاً إِلى دَرجَاتٍ مُنخَفِضَةٍ تَصلُ مَا بين العشر والعشرين دَرَجة تحت الصِّفرِ، وِمن ثم تَتصادم مَع بلّوراتِ الثَّلجِ لِتكوينِ البرَد النَّاعمِ، وَتُنتِجُ هذه التَّصادُمات شحنات مُوجبة عَددها قليل يتمّ نَقلها إِلى البلَّورات الثَلجيّة، وشحنات سَالبة قليلة العَددِ يَتمُّ شَحنها إِلى البرَد، وبعد ذلك تقومُ عمليةُ السُّحب العموديّة بِسحبِ القطَرات الأَخفّ وَزناً إِلى الأَعلى، ممَّا يُؤدي إِلى تَكَدُّسِ الشَّحناتِ المُوجِبةِ فِي تلك الغَيمة بِشَكلٍ مُتَزايدٍ. تكوُّن الشعاع القائد مَا يَأتي هو شَرحٌ لكَيفيَّة تكوُّن الشُّعَاع القائد (بالإنجليزية: Leader Formation):[٢] عندَ تَحرُّكِ السَّحابَةِ فَوق سَطحِ الأَرضِ تَبدأُ شَحنَةٌ سَالِبةٌ بِالإنطِلاقِ مِنَ الغَيمةِ بِاتِّجاهِ سَطحِ الأَرضِ مُوجب الشّحنة بقفَزاتٍ سَريعةٍ يَصِلُ طُولُ كلٍّ مِنها إِلى 50 متراً، لِيتفرَّع هذا الشُّعاع إِلى العديدِ مٍنَ المَساراتِ لِيحمل جهداً كَهرُبائيّاً مِقداره 100 مليون فولت.
عندَ وصولِ الشُّعاعِ القائِد إِلى سَطحِ الأَرض موجب الشّحنة يَحدُثُ التَّصادُم لتتشكّل قناة مِنَ الأَرضِ إِلى الغَيمةِ تجري خِلالها الشّحنات، يحدث هذا الالتقاء عَلى ارتفاعِ 30-100 متر فوق سَطح الأَرض. تَبدأُ الشّحنةُ السَّالبَةُ بالإِنتِقالِ مِنَ الغَيمَةِ إلى الأَرضِ لِتلتقي مَع شحنَةِ الأَرضِ المُوجبَةِ وَتَنجَذِبُ نَحوها.
تَنشَأُ الضَّربَةُ الرَّاجِعَةُ مِنَ الأَرضِ نَحو الغَيمَة بِسرعةٍ تَصِلُ إِلى 100 أَلف كيلو متر في الثّانيةِ الواحِدِة لينتج تيَّار كهرُبائيّ قيمته 30 ألف أمبير بِفترةٍ زَمنيَّةٍ تَصلُ إِلى 1 مايكرو ثانية. والضّوء النَّاتج فِي هذه المَرحلةِ هو ما يُرى مِن إِضاءَةِ البرقِ فعليّاً. مرحلة التفريغ تَنتهي ضربَةُ البَرقِ بِصُعودِ الشُّعاعِ الرَّاجِعِ إِلى الغَيمَةِ، وتكونُ هناك فَترة تَوقف تَصلُ إِلى 20-50 مل ثانية، لِتتكرّر الضَّربَةُ باستخدامِ القناة ذاتها التي تمَّ تَأسيسها مِن قبل.[٢]
أنواع البرق بَرق غيمة-أرض:
(بالإنجليزية: Cloud-to-ground lightning)، أَكثر الأَنواع شُيوعاً، وَيَنشَأ مِنَ التِقاءِ الشّحنتين
المُتَعاكِسَتَين بَين الغَيمة والأَرض.[٣] بَرق أرض-غيمة: (بالإنجليزية: Ground-to-cloud lightning) يَحدُثُ في مَرحَلَةِ تَفريغِ الشّحنات بَين الغَيمَةِ وَالأَرضِ، ويَكون اتِّجاه التَّفَرُّع لِلأَعلى.[٣]
بَرق غَيمة-هواء:
(بالإنجليزية: Cloud-to-Air Lightning) يَنشَأ عِندَ تَلاُمسِ الهَواءِ بِالغَيمَةِ المُجاوِرَةِ الذي يَحملُ شحنةً مُعاكِسَةً. [٣] بَرق غَيمة-غَيمة: (بالإنجليزية: Intracloud Lightning)، يَنشَأ فِي الوَسَطِ المَليءِ بِالشَّحناتِ الكَهرُبائيَّةِ، والذي تَتجمَّع فِيهِ الغُيومِ.[٣] البَرق الخَرَزيّ: ( بالإنجليزية: Bead Lightning)، وَهو النَّوع الذي يُطلَقُ عَلى مَرحَلَةِ تَلاشي القناةِ التي يَتكون فيها البَرق، فَتظهرالقناة عَلى هَيئَةِ قِطَعٍ صَغيرَةٍ.[٣] البَرق الشريطيّ: ( بالإنجليزية: Ribbon Lightning)، يَكون عَلى شَكلِ خُطوطٍ أو أشرِطَةٍ، وَيحدُثُ هذا النّوع عِند تَواجُدِ رِياحٍ قَويَّةٍ تَسحَبُ البَرقَ مَع اتِّجاهِ الرِّيحِ وَتَحمِله إلى الأسفَلِ بِسُرعَة.[٣]
البَرق الوَرَقيّ: (بالإنجليزية: Sheet Lightning)، يَنشَأ عِندما تَكونُ قَناة التّفرِيغ دَاخل الغَيمة، وَيكون عَلى شَكلِ صَفائِحٍ.[٣] كرة البرق: ( بالإنجليزية: Ball Lightning)، مِن أَندَر أنواعِ البَّرق، حَيث إنَّ البَرقَ يَتساقَط عَلى شَكلِ كُرةٍ صَغيرَةٍ ذَات حَرارة عالية، مِنَ المُمكن أَن تتحرَّك بِسُرعة، أَو بِبُطء، أَو تَبقى ثابِتَة.[٤]
البَرق الحراري: (بالإنجليزية:Heat Lightning)، يَنشأ عِندمَا تَكون العَاصِفة بَعيدة عَن المَكانِ الذي يُلاحِظُها فِيهِ الشَّخص، وَأَخَذَت هذا الاسم لأَنها قَد تَحدُث فِي ليالي الصَّيفِ، وَقد تَكون إِنذاراً خَفِيّاً لِقُدومِ العَاصِفةِ.[٤]
البَرق المُتَقَطِّع: (بالإنجليزية: Staccato Lightning)، وهو بَرق من نَوع غَيمة-أَرض يَظهَرُ بِشَكلٍ فَرديٍّ فِي السَّماءِ.[٣] كما أنَّ هناك أنواعٌ أخرى مثل: البَرق الجافّ
، وبَرق الأَقزام، وبرق النفَّاثات الزّرقاء، وبَرق الأَشباح، وبَرق الغِلافِ الجويِّ العلويِّ. البرق عبر العصور لمَّا شَغلَ البرقُ
تفكيرَالإنسانِ منذُ القِدَم، نُسِجَت الكثير مِنَ الأساطيرِ حولَه، فكانوا يَروْنَه حَدَثاً مُقَدّسَاً لا بُدَّ مِن تبجيلِهِ والبَحثِ عن سببِهِ: نَسَبَ الإغريقُ حدوثَ البرقِ إِلى الإله زيوس (بالانجليزية: zeus)، مُعتقدين أنَّهُ كانَ يَستخدِمُه لِتَخويفِ أَعدائِهِ والانتقام مِنهم.[٥] قامَ العالمُ الإغريقيُّ طاليس (بالإنجليزية: Thales) بِإجراءِ أَوَّلِ تَجرُبَةٍ لِمعرفَةِ سَببِ البرقِ عَن طريقِ لَفِّ حجر الكَهرَمان حَولَ قِطعَة قُمَاش لِمُراقبةِ كيفيَّة انجِذاب الخيوط لِتكون البِداية فِي اكتِشافِ نُشوء البَرق.[٥] نَسَبَ الهِندوسيّون حُدوثَ البَرقِ إِلى إلهِ السَّماءِ والبَرقِ والعوَاصفِ والرَّعدِ، إندرا ( بالإنجليزية: Indra) الذي كانَ يَستخدِمُه كَسِلاح.[٥] اعتقدَت قبيلةُ النّافاهو الهنديّة الأمريكية أنَّ لِلبَرقِ قُوَّة خَارِقة مِنَ المُمكنِ أَنْ تُسَبِّبَ المرض أَو أَنْ تَجلبَ الحظَّ السيِّئ. حيثُ يُعتَبرُ الإاتّكاء عَلى الحائطِ أثناء البَرقِ، وتَسلّقِ الأشجارِ، وأَكل الذّرةِ أثناء البَرقِ مِن المحظوراتِ.[٦] اعتَقدَت الشُّعوبُ الإسكندنافيّة أنَّ إلههم ثور (بالإنجليزية: Thor) كانَ يقذِفُ البرقَ عَلى جَميعِ الشّياطين المَوجودة عَلى الأَرضِ.[٥] اعتَقَدَ السلافيُّون القُدَماء أنَّ البَرق هوَ مَن يَبعَثه الإله بيرون وهو إله البرق والمَطر والرَّعد.[٧] اعتَقدَ عَرَبُ بِلادِ الشّامِ فِي الجِاهليَّةِ أنَّ البَرقَ مَلَكُ يُأمُرُ السُّحُبَ بِإِنزالِ المَطَرِ.[٧] فِي القَرنِ السّادس عشر اعتقدَ الفيلسوف رينيه ديسكارت أنَّ البَرقَ يَنجُم مِن مُرورِ مَوجاتٍ هوائيَّةٍ هائِلَةٍ بَين سَحابتين.[٨] فِي العام 1752م اقترحَ العالِمُ بنيامين فرانكلين أوَّل تَجرُبَةٍ عِلميّة تُثبِت حَقيقةَ البرقِ الكهربائيّةِ، وأنَّ البرقَ ما هو إِلا شَرارة ناجِمة عَن التقاءِ شُحنَتَين كَهرُبائيتين مُتَعاكِسَتَين.[٥] في العامِ 1900م استطاعَ البريطانيّ نيكولا تيسلا تَحقيق بَرق اصطناعيّ بعد ابتِكارِ خُطوطِ نَقلِ الطّاقَةِ الكَهرُبائِيَّة.[٩] في العام 2015 م قامَ الباحِثُ جوزيف دوير مِن مَعهَدِ فلوريدا لأَبحاثِ
التّكنولوجيا بِدرَاسةِ ظَاهِرةِ التَّفريغِ الكَهرُبائيّ فِي البَرقِ، وَبَيَّنَ أَهميةَ وجود الجَليد فِي الطّبقاتِ العُليا للسُّحب حتّى يَنشأ البَرق.[٩] خصائص البرق يَرفعُ البرقُ دَرجاتَ الحرارةِ فِي المِناطق التي يَحدث فيها إِلى دَرجات حرارة قَد تَصِل إِلى العشرين ألف درجة مئويّة.[١٠] تَصِلُ سُرعةُ البَرقِ إِلى المئاتِ مِنَ الكيلومتراتِ خِلالِ الثّانيةِ الوَاحدةِ.[١٠] تحدُثُ غالِبيَّة البَرق في السَّحابَةِ نَفسِها وَلا يَصِل الأرض إلا 10-20 بالمئة مِن جَميعِ البَرق.[١٠] الطّاقةُ القادِمة مِن وَمضةٍ وَاحِدَةٍ تَستطيع أن تُضيء مِصباح يَحمِل قُدرةً كَهربائِيَّةً تُساوي 100واط لِمدَّة ثَلاثة شهور.[١٠] مُعدَّل التيَّار الكَهربائيّ لِلسَّحابَة ذات الشّحنات السَّالِبة هُو 30 كيلو أمبير.[١] تَبيَّن أَنَّ هُناك 2000 عاصِفة بَرقيَّة نَشِطة حولَ العَالَم في الوَقتِ نَفسِه، لِتَصدر100 ضَربة في الثّانيةِ الوَاحدةِ. هَذه العَواصف تَخلق فَرقَ جُهدٍ كَهرُبائيٍّ يصلُ إلى 200000-500000 فولت بَين سَطح الأرض وَطبقة الغِلاف الجوي المُتأيّن (بالانجليزية: Ionosphere).[١] البرق والمسطحات المائية تُشيرُ الدِّراسات إِلى أَنَّ الصَّواعق وَالبَرق تَحدُثان على اليابِسةِ فَقط، وَذلك لأَنَّ الصَّاعقة وَالبرق تَبحثان عَن المَسافَةِ الأَقرب، وَنظراً لأن المَسافة إِلى اليَابِسَةِ أَقرب مِنَ المَسافة إِلى المُحيطات، فَإِنَّ الكَائنات البَحريَّة تَبقى عَلى قَيدِ الحَياةِ بِسَبَب عَدم قُدرَة البَرق عَلى اختراق السَّطح المائِيّ لِمَسافاتٍ عَميقةٍ، نَظراً لأَنَّ مُقاوَمة المياه المَالحة أَعلى مِن مُقاومةِ المياهِ غير المالحة وَذلك حَسب مَا يُعرف بِظاهرة القشرة