سلطنة آل يماني بحضرموت
في ظروف تاريخية مختلفة مصادرها المعلوماتية، مختفية وغامضة جداً ومتناقضة أحياناً، الغالب عليها استنتاجات لبعض الكتَّاب والمستشرقين غير المعاصرين للحدث، و تبين أنها كتبت في عصور متأخرة، وهي معظم مصادر تاريخ حضر موت في الإسلام، وقد فسّر ذلك بضياع مصادر التاريخ الحضرمي في هذه الفترة كما هو معروف بين الباحثين، باستثناء ما كتب خارج حضر موت عند الإخباريين الإسلاميين، وما على الباحث المدقّق إلاّ أن يرى أن الأصل في هذه الجماعات القبلية التي استوطنت حضر موت، وأعتلى بعضها عرش حكم حضر موت لفترات زمنية طويلة (كآل يماني وآل كثير)، قيل أنهم انتقلوا من جبال السُراة أومن شمال اليمن أو من ظفار أو من نجد أو من العراق ربما أنهم من قحطان أو عدنانيين من قضاعه، تجمعهم رابطة النسب فيما بينهم، وبرزوا في أصعب ظروف عاشها اقليم حضر موت وحكوماتها الوطنية المتحاربة المتقاتلة فيما بينها في تريم وشبام والهجرين، لأسباب كثيرة لست بصدد الحديث عنها، وقد أضعفتها التمردات الداخلية على دول الخلافة الإسلامية من قبل، وكثرة الحملات التأديبية من قبل الأمويين والعباسيين، ومن ثم الأيوبيين والصليحيين وغيرهم من الولاة في العصر الوسيط. قال الشاطري في "أدوار التاريخ الحضرمي" : فجاء الأيوبيين والغُز [ الأكراد ] في سنة 575 هـ فعاثوا في البلاد وفعلوا الأفاعيل وماجتحه حضر موت بالقبائل الناقلة إليها كما يموج البحر ...)، وتعد هذه الحملة من أشهر الحملات العنيفة على حضر موتودخلوا تريم يوم الجمعة لأربع خلون من ذي الحجة تحت قيادة أميرهم عثمان بن علي الزنجالي أو الزنجبيلي كما يقول البعض، أو الزنجاري كما يقول البعض الآخر، ودخلوا تريم بعد قتال شديد مع سلاطينها آل راشد. وفي سنة 590 هـ جرّدوا حملة أخرى ودخل طغتكين بن أيوب إلى تريم وأخذ شبام، وعاد إلى اليمن ومات به، وطالت مدة الغُز بحضرموت وتخلّف من تخلّف من هؤلاء العسك، والغز(قيل أنهم من الأكراد أو الترك) جنود الدولة الأيوبية، فزادت قائمة المنتقلين إلى حضر موت في تلك الفترة، لكنهم مع هذا ظلَّوا يمثلون جماعات قبلية خاملة، وأقليات سكّانية في وادي حضرموت. ومن الويلات التي تتولّد عادةً من الفتن والحروب التي أصابت البلاد والسكّان الأصليين في مقتل، وأصبحت المدائن والقرى كما ذكر أهل التاريخ تتنقل من بني يماني إلى راشد إلى بني حارثة إلى بني سعد إلى بني حرام إلى بني ظنَّة إلى غيرهم من تلك الأقوام المتناحرة، والمثل الحضرمي يقول: "من طالت يده فالهوجلة هوجلته". فظهر نجم آل يماني وهم من القبائل الناقلة من بني ظنَّة من بني حرام من بني نهد من بنيقضاعة، قال ابن هاشم في "تاريخ الدولة الكثيرية" : (بحضرموت قبيلتان عظيمتان أحدهما كنانية، والأخرى قحطانية، وكلاهما ينتسبان إلى ظنَّة وإلى حرام، وكلاهما له دولة وصولة، فآل كثير السلطنة الكثيرية ينتسبون إلى ظنَّة الرأس بن عبدا لله بن حرام القحطاني، وآل يماني سلاطينتريم ينتسبون إلى ظنَّة بن حرام بن ملكان الكناني، قال الشيخ محمد بن عبد الله بن سليمان الخطيب في كتابه المخطوط (برد النعيم) الذي فرغ منه سنة 1025هـ نقلاً عن تاريخ الأهدل:( "والأمراء بمدينة حلَّي بني يعقوب يشتهرون ببني حرام بن ملكان من كنانة، وإنتقل جماعة منهم إلى حضرموت". وجدَّهم ظنَّة بن حرام) أهـ. وفي كلام بن هاشم هذا كثير من الخلط والوهم، الناتج عن تشابه الأسماء وعدم كفاية التدقيق والتمحيص، وقد أنكر هذا النسب العلامة المفتي علوي بن طاهر الحداد في كتابه "الشامل" وأثبت غيره وهو الصحيح، وقد أثبتنا كثيراً من الأنساب الصحيحة لأهل حضرموت. وبعد صراع مرير مع الغُز القادمين من مصر عبر اليمن ومع آل يماني الظنَّيين، لفظت دولة آل راشد أنفاسها الأخيرة في تريم وانتهت بذلك دولتهم في حضرموت في تلك الفترة التي امتدت من تريم شرقاً إلى العقّاد غرباً، وقد أطلق الوادي كله بإسمهم فقيل وادي بن راشد ويعنون به وادي حضرموت، وأطلق خلع راشد على المنطقة الممتدة من الغرفة إلى الحوطة غرباً التي تُعرف الآن بـ"حوطة أحمد بن زين" في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري من قبل أحفاده – أحمد بن زين الحبشي أحد أبرز تلاميذ الصوفي عبد الله بن علوي الحداد ومن أعلام الصوفية في القرن الثاني عشر الهجري-،وبنيت على قبره قبة كبيرة، ثم أسسّت له زيارتين في العام خلال عيد الفطر والأضحى، وقيل لهما "عواد القبة"، بعد ضعف آل بني سعد حكّام خلع راشد وشبام وحروبهم فيما بينهم والغزوات الخارجية لبلادهم، بدأ بعد ذلك العد التنازلي لبعض قبائل حضرموت الأصلية التي قيل أنها تتصل بالنسب إلى آل راشد في حضرموت، وغيرهم من حكّام حضرموت الذين كان ملكهم في شبام والقرى والوديان المجاورة إلى جعيمة شمالاً ووادي بن علي جنوباً والغرفة ومريمة، والعناصر الكندَّية الأخرى في مناطق أخرى من بلاد حضرموت، باستثناء الشحر والديس الشرقية، وأخبارهم تجدها في كتب تاريخ حضرموت، بعد أن تغلَّب على نفوذهم الكبير الأيوبيون والغُز والرسوليين ومن ثم آل يماني وآل كثير الذين ظهروا في حضرموت بعد القرن السابع الهجري، وقد أجلاهم آل كثير السلطنة الكثيرية عن شبام وعما بقي بأيديهم من قرى، وأصبحت تُعرف بـــ (سَوَاد بني ظنَّة)، والمقصود بسَوَاد بني ظنَّة المنطقة التي يسكنها آل كثير اليوم ما بين تريس وشبام، وقد انتزعها آل كثير من آل جميل سنة 824 هـ (1421 م).