دور الإمام السجاد سلام الله عليه في تربية الشعوب
من أهم ما قام به الأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلاة والسلام تربية الشعوب والأخذ بأيديها نحو الكمال الحقيقي الذي دعا إليه الشارع
المقدس ودعت إليه الشرائع كافة .
ولا يخفى أن أهل البيت عليهم السلام اهتمّوا بهذا المجال اهتماماً خاصاً وأولوه عناية فائقة؛ لما له من الأهمية في نظر الإسلام، والشواهد التاريخية والروايات الشريفة تدلّ على ذلك بوضوح.
أحد الأئمة الأطهار عليهم السلام الذين كانت لهم اليد الطولى على المجتمع الإسلامي بل على العالم على مرّ الزمان، هو سيد الساجدين مولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين سلام الله عليه الذي قدّم للعالم أفضل الصور التربوية وخير الشواهد الأخلاقية التي لها دورها المهم في نجاة الشعوب عبر التاريخ.
إلا أن العالم اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ مقصّر في حقّ الإمام السجاد سلام الله عليه، حيث إن أغلب الناس لا يعرفون عن هذا الإمام المظلوم ولا عن دوره العظيم شيئاً يذكر، والحال أنه سلام الله عليه إمام لكل الناس وقدوة وأسوة حسنة للبشرية كافة.
لذلك ولكي نزيح قطرة من هذه الجهالة بحقّ سيدنا ومولانا علي بن الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، من الجدير أن نسلّط الأضواء على دوره في تربية الشعوب. وقبل أن نشرع بذكر بعض هذه الصور ينبغي الالتفات إلى أن هذه الصور ليست للاستعراض فقط، إنما هي للاتعاظ والتأسّي والاقتداء به.
فقد كان المجتمع في عهد الإمام سلام الله عليه منحطّاً إلى أبعد الحدود، وخير شاهد على ذلك هو قتلهم سيّدَ الشهداء سلام الله عليه وفعلهم به ما فعلوا من الويلات التي يشيب لها الأطفال. ومع ذلك لم يقف الإمام سلام الله عليه أمام مجتمع كهذا مكتوف الأيدي بل غرس في نفوس كثير منهم حبَّ أهل البيت عليهم السلام.
ومن أهمّ الركائز التي اعتمد عليها الإمام زين العابدين عليه السلام في تربية الشعوب عبر التاريخ:
تجسيد مفهوم العفو: إحدى الأمور المهمة التي جذبت الناس إلى أهل البيت سلام الله عليهم وجعلتهم يعتقدون بهم ويلتفّون حولهم، هي عظمة الأخلاق العملية التي كانوا يشاهدونها بأعينهم في الأئمة الأطهار عليهم السلام، فقد كان الناس يشاهدون كل يوم كيف يعفو الأئمة الأطهار عليهم السلام عن الناس ويقابلون إساءاتهم بالإحسان واللطف فازدادوا بهم اعتقاداً والتصاق.
وكذا هو الحال بالنسبة للإمام السجاد سلام الله عليه فقد ربى الناسً عملياً على مكارم الأخلاق ومن الطبيعي أن الناس عندما يرون أخلاق أهل البيت عليهم السلام ويقارنون بينها وبين أخلاق أعدائهم يزدادون انجذاباً إلى أهل البيت عليهم السلام ونفوراً من أعدائهم.
لا شك أن الإمام سلام الله عليه لما قدّم هذه الصور لم يكن يقصد المقايسة فهو من أهل بيت لا يُقاس بهم أحد إلاّ أن من عادة الناس أن يقيسوا بين أخلاق الأخيار وأخلاق الأشرار، خاصة إذا كان الأشرار متصدّين للخلافة الإسلامية أي كانوا من السلطات الحاكمة.
فمن الصور العظيمة التي قدمها الإمام السجاد سلام الله عليه في مجال العفو؛ ما روي عن الإمام الباقر سلام الله عليه وغيره أنه:
«وقف على عليّ بن الحسين سلام الله عليه رجل فأسمعه وشتمه، فلم يكلّمه ـ أي لم يردّ عليه الإمام ـ فلما انصرف قال سلام الله عليه لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا منّي ردّي عليه.
فقالوا له: نفعل.
ولقد كنّا نحب أن يقول له ويقول، فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134) فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً، قال (الراوي): فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال سلام الله عليه: قولوا له: هذا عليّ بن الحسين.
قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ وهو لا يشكّ أنه إنما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين سلام الله عليه: يا أخي إنك كنت قد وقفت عليَّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنتَ قلتَ ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنتَ قلتَ ما ليس فيّ فغفَر الله لك.
قال: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحقّ به». (بحار الأنوار: ج 46، ص 54 ـ 55)
فانظر عزيزي القارئ كيف أنّ الإمام سلام الله عليه يحرص أن يشهد الناس ويلاحظوا بأنفسهم العفو عن المسيء ليقتدوا به ويتربّوا على ذلك ويتعاملوا فيما بينهم بمثل هذه الأخلاقيات العظيمة.
ونقل أنه سلام الله عليه كان خارجاً فلقيه رجل فسبّه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم الإمام سلام الله عليه: «مهلاً كفّوا، ثم أقبل على ذلك الرجل فقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرجل، فألقى إليه الإمام سلام الله عليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول:
أشهد أنك من أولاد الرسل». (بحار الأنوار: ج 46 ص 99).
نسألكم الدعاء