صمّم العلماء جهازًا رقيقًا جدًا يجمع الطاقة ويولّد الكهرباء من حركة جسم الإنسان. تستطيع المواد التي يمكن وضعها في نسيج الملابس شحنَ الهاتف الذكي وأجهزةَ تعقّب اللياقة البدنية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الشخصية في حياتك اليومية. يقول الباحث كاري بينت Cary Pint من جامعة فاندربيلت Vanderbilt في الولايات المتحدة: "أتوقع أن نصبح كلنا في المستقبل بمثابة مستودعات شحن لأجهزتنا الشخصية عن طريق أخذ الطاقة من حركتنا وبيئتنا المحيطة بشكل مباشر". أُجريت الكثير من الأبحاث حول مصادر الطاقة التي يمكن الحصول عليها من البيئة المحيطة، مثل الطاقة الصادرة من الإهتزازات والتغيُّرات في درجات الحرارة، أو طاقة الضوء وموجات الراديو والتفاعلات الكيميائية الحيوية. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة اختراع هاتف ذكي يستخدم موجات الراديو المحيطة ليعمل. إلا أنّه لم تُستغل الطاقة التي يمكن الحصول عليها من حركة الإنسان. اقتُرحت الكثير من الأجهزة لجمع الطاقة الناتجة عن حركة الإنسان ذات التردد المنخفض، ولكن معظم المواد تعمل بشكل أفضل عند زيادة عدد الحركات عن 100 حركة في الثانية الواحدة، وهذا يعني ضياع الطاقة الناتجة عن معظم حركات الإنسان. تبلغ سماكة هذا الجهاز 1/5000 من سماكة شعرة الإنسان، وهو قادر على استكشاف أبسط حركة يقوم بها الإنسان. يقول بينت: "بالمقارنة مع الطرق الأخرى، المصمَّمة لجمع الطاقة من حركة الإنسان، تمتاز طريقتنا بميزتين أساسيتين". ويتابع بينت: "إنّ المواد المستخدمة بالغة الدقة والصغر، لذلك يمكن وضعها في النسيج دون التأثير على مظهره أو ملمسه، ويمكنها جمع الطاقة من الحركات التي يقلّ ترددها عن 10 هيرتز، أي 10 حركات في الثانية، خلال المدة الكاملة للحركات ذات التردد المنخفض الخاصة بالإنسان". يستخدم العلماء في هذه الدراسة الجديدة غشاءً رقيقًا من الفوسفور الأسود black phosphorus، وهي مادة قد أذهلت علماء تقنيات النانو لخصائصها الكهربائية والبصرية والكهروكيميائية. حتى الآن، كان الغرافين graphene من المواد الأكثر إثارةً في هذا المجال، ويبدو أنّه من الممكن عَمَل هاتين المادتين معًا بشكلٍ جيدٍ. ابتكر الفريق جهازًا يجمع الطاقة عن طريق وضع مادة الإلكتروليت electrolyte بين قطبين كهربائيين متماثلين من الفوسفور الأسود. صُنعت الأقطاب الكهربائية بواسطة عملية كيميائية تنطوي على وضع طبقات رقيقة من الفوسفور الأسود على الغرافين. وبالعمل معًا تنحني المواد العجيبة ثنائية الأبعاد وتنثني مؤديةً إلى إنتاج الطاقة.
وجد الفريق أنه بإمكان تصاميمهم لهذه النماذج الأولية إنتاج الطاقة من الحركات التي يقل ترددها عن 10 هيرتز (10 حركات في الثانية)، وبإمكانها أيضًا إنتاج الطاقة من الحركات ذات التردد المنخفض الذي قد يصل إلى 0.01 هيرتز، أو حركة واحدة كل 100 ثانية، وهذه الحركات هي التي يقوم بها الإنسان في معظم الأحيان. إن وضع هذه الأجهزة في بطانة سترتك المفضلة سيكون أمرًا جيدًا، ولكننا لا نريد أن تُحرق بالنيران مثل الدفعة الأخيرة من البطاريات لبعض الهواتف الذكية. لذلك، هل هذه الأجهزة آمنة؟ إنّ بينت واثقٌ أننا لن نرى أيّة آثار سلبية لجهازه. ويقول: "لقد أثار أحد المراجعين لبحثنا مسألة السلامة، إلا أنّ هذه ليست مشكلةً هنا. فالبطاريات تشتعل عادةً عند حدوث تماس كهربائي نتيجة ربط الأقطاب الإيجابية والسلبية معًا في دارة قصر، وهذا ما يُشعل الإلكتروليت". ويضيف: "لأن جهاز تجميع الطاقة الخاص بنا يمتلك اثنين من الأقطاب المتطابقة، فإن تشكيل دارة القصر لن يفعل شيئًا أكثر من مجرد منع الجهاز من جمع الطاقة. إن نموذجنا سيشتعل بالنار إذا وُضع تحت موقد لحام، ولكن يمكننا القضاء على هذا باستخدام الإلكتروليت الصلب". إنّ استخدام هذه الأجهزة في الوقت الراهن محدود بسبب الفولتية الناتجة من الحركة، فهي في نطاق الميللي فولت فقط، وهذا ما يسعى فريق البحث إلى إيجاد حل له. كما أن بينت يعتقد بوجود تطبيقات محتملة لجهازهم تتجاوز مجال أنظمة الطاقة. يقول بينت: "يمكن لجهازنا عند دمجه في الملابس، ترجمة حركة الإنسان إلى إشارة كهربائية بحساسية عالية قد توفر سجلًا تاريخيًا لحركاتنا. ويمكن دمج الملابس التي تتّبع حركاتنا ثلاثية الأبعاد مع تقنية الواقع الافتراضي. هناك العديد من المجالات التي يمكنها الاستفادة من هذا الجهاز". في نهاية المطاف، يمكننا بواسطة هذه الأجهزة التخلُّص من الحاجة إلى شحن الأجهزة الإلكترونية الخاصة بنا.