TODAY - 03 August, 2010
الملافظ سعدهاشم العقابي
لم أجد شعبا يوزع الألقاب العالية وكلمات الإطراء المؤطرة بالمحبة مثل الشعب المصري. ألقاب قد نتقاتل من أجلها في العراق، كما يحدث اليوم خاصة اذا كان فيها لقب الرئيس “الريس”. كنت البارحة في مقهى الفيشاوي الشهير بالقرب من سيدنا الحسين أطالع جريدة الأهرام وفيها خبر عن العراق يتناول صراع كتله السياسية حول صفقة الرئاسات الثلاث، وكان بقربي مصري صعيدي عاد له بحذائه الصباغ توا فبادره: “كم تؤمر يا ريس؟”. اجابه الصباغ: “اللي يعجبك يا بيه”.
غمرني شيء من السعادة وانا أرى وأسمع هذا الشعب الطيب يرتفع بصباغ الأحذية الى درجة “ريس”. لقب يمنحه البسطاء للبسطاء عن طيب خاطر وبعفوية لا يبتغون منها جزاء ولا شكورا. غابت لحظة السعادة بصفنة مني بين سطور الخبر العراقي في الصحيفة. شعرت بالأسى على أولئك المتصارعين على لقب “رئيس” في العراق. كان يمكن لأي منهم أن يحصل عليه بسهولة لو يأتي لمصر ويعمل صباغ أحذية او سائق كيا او عتالا في خان الخليلي، وأضمن له انه سينادى به ألف مرة باليوم من دون ان يجهد نفسه او يذلها بمفاوضات مقرفة.
قطع صفنتي صوت النادل ليسألني : “تشرب ايه يا باشا؟”، فأجبته بدافع “العدوى”: “شاي كشري يا ريس”. نادى النادل: “هات احلى شاي لأحلى باشا”.
المشكلة التي أعاني منها بمصر، هي اني لا أعرف كيف أرد على ما أمطر به من ألقاب فخمة مثل:” منور يا كابتن، يا زعيم، يا سعادة الباشا، يا سعادة البيه، يا باش مهندس”، لأني لم أسمع بها في وطني ولم يعلمني أحد هناك كيف أرد عليها . وكيف أرد وانا لا اختزن في ذاكرتي غير: “يا مدولب، يا مكموع، يا مصخم، يا ملطم، انت، ولك، تعال، شسمك، يا معزه ..؟ الى غيره من “الالقاب” التي ترفض ذاكرتي استرجاعها لخشونتها وقسوتها.
وانا انتظر الشاي، كأي باشا، تذكرت ما أخبرني به الصديق أكرم الذهبي، وكيف ان مصريا اتصل به، أول أيام قدومه لمصر، ليخاطبه بكلمة “معاليك”، فاحتار أكرم وكاد يغلق الهاتف لأنه تصور بأن المتصل ربما قصد وزيرا ما ورن عليه بالخطأ.
صدق المصريون حين قالوا: الملافظ تسعد.