الليل ممتدّ السكون إلى المدى |
لا شيء يقطعه سوى صوت بليد |
لحمامة حيرى وكلب ينبح النجم البعيد , |
والساعة البلهاء تلتهم الغدا |
وهناك في بعض الجهات |
مرّ القطار |
عجلاته غزلت رجاء بتّ انتظر النهار |
من أجله.. مرّ القطار |
وخبا بعيدا في السكون |
خلف التلال النائيات |
لم يبق في نفسي سوى رجع وهون |
وأنا أحدّق في النجوم الحالمات |
أتخيل العربات والصفّ الطويل |
من ساهرين ومتعبين |
أتخيل الليل الثقيل |
في أعين سئمت وجوه الراكبين |
في ضوء مصباح القطار الباهت |
سئمت مراقبة الظلام الصامت |
أتصوّر الضجر المرير |
في أنفس ملّت وأتعبها الصفير |
هي والحقائب في انتظار |
هي والحقائب تحت أكداس الغبار |
تغفو دقائق ثم يوقظها القطار |
ويطلّ بعض الراكبين |
متثائبا , نعسان , في كسل يحدّق في القفار |
ويعود ينظر في وجوه الآخرين |
في أوجه الغرباء يجمعهم قطار |
ويكاد يغفو ثم يسمع في شرود |
صوتا يغمغم في برود |
"هذي العقارب لا تسير ! |
كم مرّ من هذا المساء ؟ متى الوصول ؟ " |
وتدقّ ساعته ثلاثا في ذهول |
وهنا يقاطعه الصفير |
ويلوح مصباح الخفير |
ويلوح ضوء محطة عبر المساء |
إذ ذاك يتئد القطار المجهد |
...وفتى هنالك في انطواء |
يأبى الرقاد ولم يزل يتنهد |
سهران يرتقب النجوم |
في مقاتيه برودة خطّ الوجوم |
أطرافها ..في وجهه لون غريب |
ألقت عليه حرارة الأحلام آثار احمرار |
شفتاه في شبه افترار |
عن شبه حلم يفرش الليل الجديب |
بحفيف أجنحة خفّيات اللحون |
عيناه فس شبه انطباق |
وكأنّها تخشى فرار أشعة خلف الجفون |
أو أن ترى شيئا مقيتا لا يطاق |
هذا الفتى الضجر الحزين |
عبثا يحاول أن يرى في الآخرين |
شيئا سوى اللغز القديم |
والقصّة الكبرى التي سئم الوجود |
أبطالها وفصولها ومضى يراقب في برود |
تكرارها البالي السقيم |
هذا الفتى.. |
وتمرّ أقدام الخفير |
ويطلّ وجه عابس خلف الزجاج , |
وجه الخفير ! |
ويهزّ في يده السراج |
فيرى الوجوه المتعبه |
والنائمين وهم جلوس في القطار |
والأعين المترقبه |
في كلّ جفن صرخة باسم النهار , |
وتضيع أقدام الخفير الساهد |
خلف الظلام الراكد |
وبقيت وحدي أسأل الليل الشرود |
عن شاعري متى يعود ؟ |
ومتى يجيء به القطار ؟ |
أتراه مرّ به الخفير |
ورآه لم يعبأ به ..كالآخرين |
ومضى يسير |
هو والسراج ويفحصان الراكبين |
وأنا هنا ما زلت أرقب في انتظار |
وأودّ لو جاء القطار.. |
وأودّ لو جاء القطار.. |