ماذا سيحدث إذا ما استطاع البشر صنع ثقب أسود؟ قد تبدو الفكرة مخيفة محفوفة بالأخطار للسمعة السيئة التي تتسم بها تلك الكيانات المرعبة في الكون، لكن هذا قد يعني أيضًا وضع أيدينا أخيرًا على المصدر المطلق والأعظم للطاقة ودمجه في محرك فضائي ليس له مثيل … محرك الثقب الأسود Black Hole-Drive!
<
نظريًا، باستطاعة الثقوب السوداء المولّدة صناعيًا أن تمدنا بالطاقة اللازمة للسفر بين الأنظمة الشمسية أو حتى بين المجرات؛ ووفق بحث حديث، فدمج ثقب أسود ضمن محرك سفينة فضائية كفيل بإمدادها بالقدرة على السفر إلى نظام رجل القنطور النجمي Alpha Centauri في وقت قصير غير مسبوق. هذا ما يقوله تحديدًا كلًا من لويس كرين Louis Crane وشون ويستمورلاند Shawn Westmoreland، باحثان وأستاذا مقعد بجامعة كنساس الأمريكية، لكن الأمر سيتطلب قدرًا هائلًا من التخطيط والإعداد هندسيًا.
ثقب أسود مصغّر
جوهر فكرة ذلك المحرك غير التقليدي يتركز في الإستعانة بشعاع ليزر لتكوين ثقب أسود ميكروي بالغ الصغر Micro black hole يتم استخدامه كمصدر للطاقة. الثقب الأسود الناتج هنا هو في الواقع أبسط أنواع الثقوب السوداء على الإطلاق … ما يسمى بثقب شفارتسشيلد Schwarzschild وهو ثقب أسود يملك كتلة لكن بلا شحن إلكترونية، مما يجعله يصدر إشعاع هوكينج Hawking Radiation. هكذا كلما صغر حجم الثقب الأسود، كلما أصدر المزيد من الطاقة.
وكما لكم أن تتخيلوا، فخلق مثل هذا الثقب الأسود لن يكون سهلًا بأي حال من الأحول على الرغم من صغره الذي لا يصدق؛ حيث سنحتاج إلى قدر هائل من الطاقة لتوليد واحد في المقام الأول. هنا يقترح كرين وويستمورلاند أن يتم الاستعانة بخلايا شمسية بمساحة 370 كم مربع لتجميع طاقة كافية كل عام لتشغيل شعاع جاما ليزر بكتلة إحلال تبلغ 9^10 طن، ما يكفي لتوليد ثقب أسود واحد. لاحقًا، وبعد توليد عدد قليل من الثقوب السوداء، يمكننا الاستعانة بها كمصدر للطاقة لتوليد المزيد منها.
<
ووفقًا لأصحاب البحث الذي يتناول فرص صنع محرك الثقب الأسود، فكي نستخدم ثقبًا أسود في السفر الفضائي بين النجوم يجب أن تتوفر به خمسة شروط مهمة هي:
- أن يمتلك دورة حياة طويلة بما يكفي للاستفادة بطاقته.
- أن يكون قويًا بما يكفي لتسريع نفسه إلى نسبة كسرية معقولة من سرعة الضوء في زمن قليل.
- أن يكون صغيرًا بما يكفي حتى نستطيع توليد واحد.
- أن يكون كبيرًا بما يكفي حتى نستطيع تركيز الطاقة اللازمة لتوليده.
- أن تتناسب كتلته مع كتلة السفينة الفضائية التي ستحمله.
ولحسن الحظ، فالثقوب السوداء الميكروية تعد مثالية فيما يتعلق بحجمها، وطاقتها وعمرها كذلك. وللقيام برحلة إلى نظام رجل القنطور، سنحتاج إلى ثقب أسود ميكروي بقطر 0.9 أتوميتر لكن لا يخدعنكم صغره المتناهي فكتلته مع هذا الحجم بالغ الصغر ستبلغ 666 ألف طن وسينتج طاقة تعادل 160 بيتا وات (البيتا وات تساوي 10 مرفوعة لأس 15 وات)! هذا قدر مهول من الطاقة سيمنحنا القدرة على الوصول لرجل القنطور خلال 3.5 سنوات فقط، وهي فترة زمنية أكثر من رائعة كوننا نبعد 4.4 سنة ضوئية عن هذا النظام النجمي الذي يعد الأقرب لنا في الكون؛ أي أن محرك الثقب الأسود سينطلق بمركباتنا سرعة قريبة نوعًا من سرعة الضوء. وللرحلات الأطول، يمكننا الاستعانة بثقوب سوداء أكبر لكن أضعف، مع الاكتفاء بالثقوب السوداء الأصغر والأقوي للرحلات الأقصر.
لكن وكما هو متوقع، فهناك إشكاليات محتملة بأطروحة كرين وويستمورلاند لمحرك الثقب الأسود. فوفقًا لـ جوفيند مينون Govind Menon، أستاذ الفيزياء بجامعة تروي، فمعظم الآراء المتعلقة باستغلال الثقوب السوداء كنصدر للطاقة تتعلق بالثقوب الدوّارة وليست الساكنة كثقب شفارتسشيلد حيث يصبح الأمر أصعب كثيرًا لأنها لا تصدر إلا إشعاع هوكينج فقط، عكس الثقوب الدوّارة التي تطلق دفقات أشعة جاما.
كذلك، هناك تلك المشكلة المتعلقة بما ستوجب علينا فعله بالثقب الأسود عندما تنتهي دورة حياته؛ فحينها تنفجر! لكن لحسن الحظ، فمثل هذا الإنفجار قد يكون كارثيًا فقط على الأرض وليس في الفضاء، حيث سيتعين علينا حينها إسقاط الثقب الأسود على بعد 1 وحدة فلكية AU أو ما يساوي 149.597.870,691 كيلومتر من أي شيء ذو أهمية في الفضاء المحيط وتركه لينفجر.