إنَّ رابطة الدين هي أقوى من غيرها من الروابط، كما أنَّ رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدين، كما أنَّ رابطة المذهب هي إضافةٌ أخرى للقوَّة في رابطة العقيدة، ثُمَّ الاتفاق في المدرسة داخل المذهب قوَّة جديدة تُضاف إلى قوَّة هذه الروابط.. وهكذا.
فهذه الرابطة هي أقوى أنواع الروابط وأقوى أنواع التوحُّد، ويُمكنها أن تجمع فيما بينها أناسًا لا يشتركون في شيء، اللهمَّ إلَّا في المشتركات الإنسانية العامة، فتصنع بينهم رابطة تتحدَّى الانفصام، وتُمثِّل محورًا تلتقي عنده مشاعر التقارب والتوحُّد والتعاطف والتناصر والتعاون.
وإنَّنا لنُدرك ببساطة تعاطف أصحاب الدين الواحد مع بعضهم، مهما تباعدت بينهم باقي الروابط؛ فالاعتداء على المسلم في إندونيسيا أو الصين -وهما في أقصى الشرق- يُثير المسلمين في المغرب والجزائر وهما في أقصى الغرب، وكذلك إذا وقع اضطهاد للمسيحيِّين أو اليهود أو الهندوس في أيِّ مكان، فإنَّ هذا يُشعل ويُثير مناطق أخرى أبعد ما تكون عن منطقة الأزمة، لا يُشعلها ولا يُثيرها إلَّا رابطة الدين.
وحيث وصلنا إلى أنَّ الرابطة الدينيَّة أقوى أنواع الروابط بين البشر، فعلينا أن ننظر إلى هذا الأمر من زاويته الإيجابيَّة، حينها سنرى أنَّ المسيحيَّة -التي يعتنقها 2,1 بليونًا يمثِّلُون 33% من مجموع البشر- قد استطاعت أن تجمع بين أطيافٍ مختلفةٍ من البشر في اللغة، والعرق، وعلى مساحة الأرض شرقًا وغربًا، وعلى تباين التاريخ، والعادات والتقاليد، وما إلى ذلك، كذلك فعل الإسلام مع 1,5 بليونًا يمثِّلُون 21% من البشر، وبشكلٍ أقلَّ من هذا فعلت الهندوسيَّة مع 900 مليون يمثِّلُون 14% من البشر.. وهكذا[1].
إننا نُبصر في هذا رابطة استطاعت أن تُوَحِّد بين كثيرٍ من التباينات الإنسانيَّة، وإنَّه لأمرٌ يدعو إلى الإعجاب، بل والحرص على استمراره، ونستطيع إذا توسَّعنا قليلًا أن نرى أنَّ الديانات السماوية الثلاث تجمع بين أكثر من 54% من الناس.. إنَّ هذا الرقم لا يجتمع على رابطةٍ أخرى، أَلَا يُمكن أن يكون هذا بابًا فريدًا في التواصل الإنساني؟!
فإذا أضفنا إلى هذا الكم من الناس المترابطين، ما بينهما من روابط أخرى؛ كاللغة والعرق والأرض والثقافة، والتاريخ المشترك، والعادات والتقاليد، فإنَّنا حينها نستطيع تخفيض ما يُمكن أن يكون سببًا في النزاعات إلى الحدِّ الأدنى.
إنَّ الرابطة الدينيَّة -التي هي أقوى الروابط الإنسانيَّة- بإمكانها أن تكون أساسًا متينًا تنمو عليه كثيرٌ من الروابط الأخرى، ويُمكنها أن تكون مَعْبَرًا لتجاوز الاختلافات الأخرى كذلك.
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] إحصائيَّة موقع (Adherents.com) المتخصِّص في الجغرافيا الدينيَّة لعام 2005م.