إن عِلم ميكانيك التجاويف البصريّة أو Cavity optomechanics، هو علمٌ يدرُسُ كيفيّة تَفاعُلِ الضَوءِ مَع الأشياء الماديّة، بِهدَفِ اكتِشافِ الآثار الأساسيّة لنظريّةِ الكمّ والجاذبية. وتنطوي مُعظم التجارب في هذا المجالِ عادةً على استِخدامِ الليزر والمرايا، لمعرفةِ كيفيّة تأثيرها على خصائِص بَعضِها البعض.
وفي دراسة أجرتها جامعة كامبريدج، تمكّن العُلماء من الاستِفادة مِن بَعضِ الخصائِص الغريبة للذَهَب، من أجل تركيز الضوء إلى المستوياتِ الذريّة، مما يَسمَحُ لِلعُلماءِ برؤية الروابط الفردية بين الذرات.
فقد تمكّن فريقٌ من الباحثين من تركيزَ حُزمةِ ضّوئيّة إلى حيّزٍ بصُغر الذّرّة المُفردة. وبالتّعاون مع زُملاء لهم في اسبانيا، قامَ الباحثون باستعمالِ جُزيئات الذّهب النانويّة عالية النّاقليّة، لِصُنعِ أصغرِ حجرةٍ ضوئيّةٍ في العالَم. صغيرةٌ لدرجةِ أنّها لا تتّسعُ سِوى لجُزيءٍ واحدٍ داخلَها، أسماها الباحثون pico-cavity، أو حجرة بيكو. تتكوّنُ هذه الحُجرة من نتوءٍ صغيرٍ في بُنية ذهبيّة نانونيّة لا تتجاوزُ ابعادهُ ذرّةً واحدةً. يقومُ هذا النّتوءُ بتركيزِ الضّوءِ إلى أقل من جُزءٍ من المليار، من المتر.
ستفتحُ نّتائجُ هذه الدراسةِ البابَ، لابتكارِ طُرقٍ جديدةٍ لدراسةِ التّفاعلِ بين الضّوءِ والمادةِ، ومن المُحتمل أيضاً جعلُ الجُزيئة الموجودة في الحُجرة تخضعُ لأنواعٍ جديدةٍ من التّفاعلاتِ الكيميائيّةِ ممّا سيقودنا لتطوير أنواعٍ جديدةٍ كلياً من الحسّاسات.
يقولُ الباحثون لقد كان إنشاءُ بنيةٍ نانويّة بالذرّات تحدياً صعباً جداً. يقول العالم فيليكس بينز Felix Benz المُشرف على هذا البحث "لقد اضطررنا إلى تبريدِ العيناتِ إلى الحرارة -260 من أجلِ تثبيتِ ذرّاتِ الذّهبِ السّريعةِ الحركة." استخدم الباحثون ضوءاً من اللّيزر، من أجلِ بناء حجراتِ بيكو، الأمر الّذي مكنهم في الوقت ذاته مِن مشاهدة حركةِ الذرّات بشكلٍ مباشر.
يقول البروفيسور Javier Aizpurua العامِل في مركزِ فيزياءِ الموادِ في سان سيباستيان والمُشرف على القسمِ النّظريِّ من هذا البحث "تقترحُ نماذجُنا الفيزيائيّة أن الذّرّاتِ المُفردةِ قد تعمل مثلَ مانعاتِ الصّواعق، لكن بدلاً من تركيزِ الكهرباءِ تقوم بتركيزِ الضّوء."
من المُحتمل أن تقوم هذه النّتائج بفتح مجالٍ جديدٍ تماماً من التّفاعلات الكيميائيّة التّي يتم التّحكم بها بالضّوء. حيثُ يمكن بناءُ مركباتٍ كيميائيّةٍ معقدةٍ من جُزيئاتٍ أصغر. كما يُمكن أن تُساهم باختراعِ طرقٍ جديدةٍ لحفظِ البياناتِ حيثُ يمكن كتابةُ وقراءةُ المعلوماتِ بواسطةِ الضّوء، وحفظِها على شكلِ اهتزازاتٍ جُزيئيّةٍ.