مع اكتسابِ الانسانِ للمعرفة، أدركَ أنَّ الكوكبَ الّذي كان في السّابقٍ بمثابةِ مركزِ الكونِ بالنّسبةِ لهُ، ما هو إلّا كتلةً منَ الصُّخورِ تدورُ حولَ شمسٍ في مجرّةٍ من بين ملياراتِ المجرات في الكون.
لذا فمن الطّبيعيّ أنْ يعتقدَ العديدُ من الفيزيائيّين أنّنا لسنا سوى قطعةٍ صغيرةٍ من "كُلٍّ" أكبرَ بكثير، وأنّ كونَنا قد يكونُ واحداً من عددٍ غيرِ منتهٍ مِنَ الأكوانِ الّتي تتوالدُ باستمرارٍ وتتوسَّعُ بوتيرةٍ '' أسّيّة''. تُعرفُ هذه النظريّة اليومّ باسمِ نظريّةِ تعدُّدِ الأكوان ( multiverse ).
اُكتِشَفَ أحدُ أفضلِ الدّلائلِ على نظريّة تعدّد الأكوانِ عامَ ١٩٩٨ عندما وجدَ الفيزيائيّونَ أنَّ الكونَ يتوسَّعُ بسرعةٍ متزايدةٍ بسبب قوّةٍ غامضةٍ أو بسببِ مادّةٍ غامضةٍ تتفوّق على قوّة الجاذبيّة النّاتجة عن مادّة الكون؛ و يُعدّ الثّابت الكونيّ مثالاً على هذه الطّاقة.
وجد العُلماءُ أنّ قيمةَ الثّابتِ الكونيّ كما حُسبَت صغيرةٌ جداً! فقيمتُه أقلُّ بـِ ١٢٠ مرّة ممّا تنبّأت به الدّراساتُ النّظريّة. بحثَ الفيزيائيّونَ في السّببِ الكامنِ وراءَ هذا التّفاوتِ طُوالَ عدّةِ عقودٍ. وكانَ أًفضلُ تفسيرٍ توصّلوا إليه حتّى الآن هو تفسيرُ ياسونوري نومورا "Yasunori Nomura"؛ عالمٌ فيزيائيٌّ نظريٌّ في جامعةِ بيركلي "Berkeley".
وفقًا للتّفسير الّذي طَرَحهُ فإِنَّ الثّابتَ الكونيَّ صغيرٌ فقط في كونِنا بحيثُ تمكّنت البُنى الكونيّةُ كالمجرّاتِ والنّجومِ من الحصولِ على فرصةٍ زمنيّة لتتشكّل و تتكاثر، وستستمرّ في ذلك طالما أنّ قيمةَ طاقةِ الفراغِ مساويةٌ لقيمةٍ محدّدة. لكن من المحتملِ وجودُ أكوانٍ أخرى حيث تتغيّر قيمةُ هذا الثّابت، وما من تفسيرٍ أو نظريّةٍ أخرى تفسّر لماذا نرى هذه القيمةَ تحديداً على أرضِ الواقع.
إِنْ كُنتَ ترغبُ بدليلٍ آخرَ يُثبتُ نظريّةَ تعدّد الأكوانِ، فألقِ نظرةً على نظريّةِ الأوتار "String theory". وفقًا لهذه النّظريّةِ فإنّ لقوانينِ الفيزياءِ الأساسيّة أطوارٌ معيّنة "Phases"، تماماً كما يُمكنُ أن تكون المادّةُ في طورٍ صلبٍ وفي طورٍ آخرَ سائلٍ أو غازيّ. إذا كان هذا صحيحاً، فستكونُ هناك أكوانٌ أخرى حيث القوانينُ الأساسيّة فيها موجودةٌ بأطوارٍ مختلفةٍ عن الّتي في كوننا، ممّا سيؤثّرُ بدورهِ على القيمِ الأساسيّة التي نقيسها في كوننا.
يقول ماثيو كليبان "Matthew Kleban"؛ فيزيائيٌّ نظريٌّ من جامعة نيويورك: "في هذه الحالةِ ستكونُ هنالك عدّةُ مناطق، بعضها في طورٍ، وبعضها في طورٍ آخرَ مُختلف". يُمكن لهذه المناطقِ أن تأخذَ شكلَ فُقاعاتٍ لِتُصبِح أكواناً جديدةً، وبإمكانِ هذه الفقاعاتِ أنْ تصطدمَ بكونِنا تاركةً آثاراً مُعيّنة. فإذا تمكّنا من رصدِ آثارٍ كهذه يُمكننا إثباتُ وجودِ أكوانٍ أخرى.
لم يَرصُدِ العُلماءُ حتّى الآن أيّ أثرٍ يدلُّ على اصطدامِ كونِنا بكونٍ آخر، لكنّهم يأملونَ بأن نتمكّنَ من رؤيةِ أثرٍ كهذا في المستقبلِ القريب. وفقًا للفيزيائيّ ماثيو كليبان،إن لم نتمكّن من إيجاد دليلٍ على تصادمٍ من هذا النّوع، يُمكننا أن نحرّضَ تجريبيّاً عمليّة اختلافٍ طوريّ في تجرُبةٍ مماثلةٍ لتجربةِ تحويلِ الماء إلى بُخارٍ عن طريقِ تسخينه، لكن بمجالٍ من الطّاقةِ الفائقة. فإذا تمكنّا من تحويلِ طورٍ إلى طورٍ آخرَ يُمكننا إثباتُ فكرةِ الأكوانِ المُتعدّدة. لكنّ المشكلةَ هي أنّ تجربةً كهذهِ قد تخرُجُ عن السّيطرةِ وتُدمّر الأرض.
اطمئن، لا يحاولُ العُلماءُ إجراء أيّةِ تجربةٍ كهذه في الوقت الحاليّ!
يُمكنُ فهمُ مشكلةُ الثّابتِ الكونيّ بطريقةٍ أبسطَ من خلالِ نظريّة النّسبيّة العامّة؛ الّتي تعتبرُ أنّ شكلَ كونِنا إمّا أن يكونَ مُنحنياً إيجابيّاً كالكرةِ أو منحنياً سلبيّاً كسرجِ الحِصان. فإذا كان انحناءُ الكونِ سلبيّاً، فهذا دليلٌ قويّ على وجودِ أكوانٍ أخرى. أمّا إذا كان انحناؤه إيجابيّاً فهذا يُشير إلى وجود شيء خاطئٍ في نظريّةِ الأكوانِ المُتعدّدة، ولكنّهُ لا يؤكّدُ بالضّرورةِ وجودَ كونٍ واحدٍ فقط.
اكتشفَ الفيزيائيّونَ مُؤخَّراً أَنَّ الكونَ يبدو مسطّحًا بشكلٍ عامّ، ولكنّه قد يكونُ مُنحنياً قليلاً باتّجاهٍ معيّن. يعتقدُ العُلماءُ أنّ التّقنياتِ المُستقبليّةِ ستُتيحُ لهم معرفةَ شكلِ الكونِ بصورةٍ أدقّ. فإذا كان انحناءُ الكونِ سلبيّاً فسيصّبُ هذا في مصلحةِ نظريّةِ الأكوانِ المُتعدّدة، ولكن إذا تبيّن أنّ هذا الانحناءُ موجبٌ، فسيواجهُ علماءُ الفيزياء النّظريّةِ جميعهم معضلةً جديدةً: " لماذا يتوسّعُ الكونُ بهذه الوتيرة؟".