بُعيد الفجــر، تمايـل قـردان من غـوريلات الجبــال برشـاقة عــلى جــدار صخـري بارتفاع الكتف، بمحاذاة "منتزه البراكين الوطني" شمال غرب رواندا. نزل الذكران البالغان على العشب القصير بخفة، وسارا ببطء -أسفل المنحدر عبر حقول مزروعة- على أربع ثم على اثنتين. اقترب القردان من أشجار "أوكالبتوس" وقشرا لحاءها بقواطعهما. وبعدما انضم إليهما إناثُ وصغار مجموعتهما -التي أطلق عليها العلماء اسم "تايتوس"- تقدما نحو أشجار خيزران طويلة.
في وقت لاحق من ذلك الصباح جلست "فيرونيكا فيتشيليو" -مديرة برنامج الغوريلا في "صندوق ديان فوسي العالمي للغوريلا"- على قطعة خشب في المنتزه، أعلى منحدر كثيف الأشجار يلفه الضباب في جبال فيرونغا، وركزت اهتمامها على ذكر غوريلا يعرف باسم "أورويبوتسو" الذي اعتاد القفز على الجدار. ثنى أورويبوتسو بعناية أوراق "نبتة لسان" قبل أن يضعها في فمه. ولما استدار نحو فيتشيليو -وهي امرأة متقدة حماسا تدرس حركيات مجموعات الغوريلا- التقطت له صورة، ثم ركزت عدسة الكاميرا على جرح فوق أنفه.
همست قائلة: "لقد تعارك هذا الصباح مع ذكر غوريلا آخر من مجموعة تايتوس".
تقول فيتشيليو إن مجموعة تايتوس ألفت التسلل عبر جدار المنتزه منذ 10 أعوام، وباتت تتوغل أبعد فأبعد كل عام؛ وهذا أمر ليس بالجيد على الإطلاق. فالغوريلات لا تأكل البطاطس أو الفاصولياء التي يزرع سكان القرية -حتى هذه اللحظة- لكنها تقتل الأشجار التي تعد موردا قيِّماً، وتقترب من فضلات البشر والمواشي المحملة بالعوامل الممرضة. إن احتمال انتقال الأمراض بين الأنواع كبير، وحظوظ الغوريلات في النجاة بعد استشراء فيروس ما ضئيلة. لذلك فإن حراس المنتزه يهشون على مجموعة تايتوس بعصي الخيزران لحملها على العودة إلى التلة كلما صارت على مرمى حجر من بيوت الطين والخشب في "بيسات"، القرية التي تؤوي نحو 10 آلاف نسمة. تنهدت فيتشيليو قائلة: "هذا ثمن النجاح".
كانت الأميركية ديان فوسي بلا خبرة في دراسة الحيوانات البرية، لمّا وصلت إلى إفريقيا، أواخر ستينيات القرن الماضي، لدراسة غوريلات الجبال بإيعاز من عالم الأنثروبولوجيا "لويس ليكي" وبتمويل من جمعية ناشيونال جيوغرافيك. وبحلول عام 1973 كان عدد أفراد هذه القردة العليا في جبال فيرونغا قد تقلص إلى ما دون 275 فرداً. أما اليوم فإن العدد ارتفع إلى نحو 480 فرداً بفضل تدابير الحماية المشددة، من قبيل المراقبة المتواصلة وجهود محاربة الصيد والتدخلات البيطرية المستعجلة.
شكــل ارتفـاع أعـداد الغـوريلات نعـمة بالنسـبة إلى التـنوع الوراثي؛ إذ جمع العلمـاء لسنـوات أدلـة على التوالـد الداخلي، كالأحنـاك المشقوقـة والأصابع الوتـراء في اليـديـن والقدميـن.
إلا أن هذا الارتفاع لا يخلو من سلبيات، إذ تقول فيتشيليو إن "أحجام المجموعات زادت"، ومن ذلك أن عدد أفراد مجموعة بابلو بلغ 65 فرداً عام 2006، لكنها عادت وانخفضت اليوم إلى 25 فردا؛ ومع ذلك ما زال العدد يفوق بثلاثة أضعاف معدل مجموعات الغوريلا بجبال فيرونغا في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. استطردت فيتشيليو قائلة: "فضلا عن ذلك ارتفعت كثافة المجموعات في مناطق بعينها".