لا شَكَّ أنَّ حياة الإنسان تدفعها وتُحَرِّكها أمورٌ عدَّة؛ منها على سبيل المثال الفطرة والغريزة والعقل والطبع، وغير ذلك من الأمور التي توصَّلت إليها العلوم الإنسانيَّة الحديثة، ونحن في هذا المقال الذي يتناول أحد المشتركات الإنسانية العامة[1]، رأينا أنَّ الدافع الأكبر والمحرِّك الرئيس لهذه المشتركات البشريَّة العامَّة هي الفطرة الإنسانيَّة، ومِنْ ثَمَّ لا يُمكن أن نتصوَّر حياة البشر دون مشتركٍ من هذه المشتركات؛ فهي الضرورات الأوَّليَّة والأساسيَّة لقيام الإنسان، وهي -إِنْ صَحَّ التوصيف- مناط البشريَّة ومدارها، عليها تقوم، وبها نستكمل مسيرة الآباء والأجداد، ودونها تنعدم الحياة، والاعتداء عليها اعتداءٌ مباشرٌ على الإنسان ماديًّا ومعنويًّا.

الاحتياجات الأساسيَّة

على الرغم من اختلاف الطبائع البشريَّة، وتنوُّع المجتمعات الإنسانيَّة، وتشتُّت غايات البشر بين الخير والشرِّ، والصلاح والفساد، فإنَّ لكلِّ إنسانٍ على ظهر الأرض حاجات أساسيَّة لا يُمكن غضُّ الطرف عنها أو تجاهلها.

وإنَّنا إذا أردنا إجراء دراسة استقصائيَّة لمعرفة الحاجات الأساسيَّة لدى الشعوب فستبرز مجموعةٌ من العناصر الأوليَّة التي تُعَدُّ في نظر الملايين من المـُسَلَّمات التي تُخزنها ذاكرتنا؛ فهل يُتَصَوَّر أن نعيش دون طعامٍ أو ماء؟ ! وهل يُمكن أن نعيش بلا أمنٍ واطمئنان؟!

ومن الملاحظ أنَّ مفهوم الحاجات الضروريَّة قد يختلف من شعبٍ لآخر، فثمَّة شعوب وصلت إلى الرُّقي والتقدُّم والتمدُّن بحيث أصبح الإنترنت -على سبيل المثال- من ضروراتها الأساسيَّة، وثَمَّة شعوب أخرى تعتبر الخبز المصنوع من الشعير الرديء من أقصى أمانيها، لكن مع هذا الاختلاف الجوهري في مفهوم الضروري والحاجات، إلَّا أنَّنا نعلم على وجه اليقين أنَّ كلا الحضارتين أو الأمَّتين لن يكون له شأنٌ إلَّا إذا حقَّق ضروراته الغذائيَّة والأمنيَّة.

وما من شكٍّ أنَّ الطعام والشراب من أبسط الاحتياجات الأساسيَّة لكلِّ الشعوب، ولا يستطيع أيُّ عاقلٍ أن يتغافل دور هذين العنصرين في تحقيق الأمن والسلم والتعايش في كلِّ المجتمعات، وما من شكٍّ أنَّ التعدِّيَ على هذين العنصرين، وتهديد الشعوب الفقيرة المحتاجة لهذه الحقوق سياسةٌ غير مقبولة من الدول المانحة، وهذا للأسف ما نراه ونُعاصره في عالمنا اليوم.

وتنقسم تلك الاحتياجات الأساسية إلى: الطعام، والمياه، والسكن، والأسرة، والأمن، والملبس. ولكل عنصر من تلك العناصر الستة تفصيلات هامَّة للتأكيد على الدور الذي يمثله كمشتركٍ هامٍّ يجمع أو يفرِّق بين الشعوب؛ وذلك بحسب توافره من عدمه، وأثرة أحد الشعوب بأحد تلك الاحتياجات الأساسيَّة أو بكلِّها على أنفسهم دون مشاركتها، أو ترك الحرية لكلِّ شعب في الحصول عليها بما يتناسب وبيئته وطبيعته دون اعتداء ولا جور.

[1] راجع كتاب (المشترك الإنساني) نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.