في كل الازمنة وعلى اختلاف وتعدد الثقافات في كل مجتمع، يُعتبر التسول من المشاكل التي تعيب التمدن وعلامة على انعدام المساواة والتكافل الاجتماعي، وسقوط القيم الانسانية وسيادة التمييز والطبقية.
مؤخرا اصبحت ظاهرة التسول نشطة جدا، بسبب الفقر وانعدام فرص العمل وهناك اسباب اخرى من اهمها ان التسول يدر اموالاً كثيرة ولا يحتاج الى مؤهلات او رؤوس اموال كما وانه يوفر مساحة جيدة لأستقطاب ضعاف النفوس وتحقيق مكاسب مادية كبيرة.
لذلك اصبح التسول مهنة، ولهذه المهنة اسرار وخفايا كما لتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، وهي تُدار من قبل عصابات وشبكات ذات نفوذ وقوة تجبر المتسولين على الانتماء لتلك العصابات والخضوع لهم والسير وفق خططهم.
النساء والاطفال هما عنصرين اساسيين في عملية التسول.. فغالبا نرى مع كل أمرة متسولة طفلا او طفلة واحيانا يقتصر الامر على الاطفال فتجدهم يجوبون الشوارع في أماكن خطرة واجواء شديدة الحرارة او ممطرة باردة جدا، وكأنهم بلا مسؤول ولا راع ولكن الحقيقة ان وراء هؤلاء رؤوس كبيرة متنفذة تملك المال وتؤثر على السلطة.
ولمعرفة ما تدره تلك المهنة من اموال نشرت شبكة الاعلام العراقي فيديو لأحد مراسليها انتحل شخصية متسول، ولم يكن هذا المراسل معه من الوسائل ما يستدرج به عطف الناس وشفقتهم كما هو الحال مع النساء والاطفال ولكنه حصل على مئة وعشرة ألاف دينار في بضع ساعات وهو ما لا يمكن الحصول عليه في اي مهنة اخرى تعتمد على الامكانات الفردية
وفي التسول ايضا امتهان واجرام بحق الطفولة فمن خفايا تلك المهنة ان الاطفال يباعون ويستأجرون وتحدد لهم اماكن خاصة للتسول
،والاسوء من ذلك يتم تخديرهم لفترات طويلة، فتراهم نائمون لنهار كامل دون حراك، بل وسمعت من مصادر محلية ان بعضهم يتم تعويقهم، كبتر جزء من اعضاء جسمهم او حرقهم بالنار لتبدوا عليهم علامات تثير شفقة الناس وتفتح جيوبهم
وكذلك حال الفتيات الصغيرات اوالبالغات حيث يتم توظيفهن في مجالات اخرى غير التسول، كالعمل في الملاهي اليلية ودور البغاء...
كنت اعمل في شركة، في منطقة نائية شمال العراق وذات صباح رأينا مجموعة من الخيم نصبت مسافة 500 مترا عن موقع الشركة، فيها مجموعة كبيرة من البنات معظمهن اعمارهن دون العشرين .. بعد التحقق من امرهم وجمع بعض المعلومات عن طبيعة نشاطاتهم تبين ان المكان بأدارة متعهدين ينقلون الفتيات صباحا الى مركز المدينة للتسول، ثم يعيدونهن الى نفس المكان مساءً من اجل البغاء
وفي احد الايام اقبلتْ من تلك المخيمات أمرأة عجوز طاعنة في السن وهي تلعن وتشتم، طلبتْ منا الماء لتروي ظمأها، فسألناها عما يغضبها؟
قالت: أستأجرت بنتي لهؤلاء بمبلغ قدره 750 الف دينارا بالشهر ولكنهم اعطوني 500 فقط ثم نعتتهم بالسرّاق وانهم لا يخافون الله .. يا للعجب!!
وما خفي عن الاعلام واعين الناس اسوء وابشع.
نقل لي احد اصدقائي انه رأى فتاة بالغة جميلة جدا تتسول قرب ورشة لتصليح السيارات فعرض عليها ان يتزوجها وهو شاب اعزب بوظيفة محترمة ويملك بيت وسيارة، ولكنها رفضت وقالت له انها لا تحتاج الى زواج .. يبدو ان التسول عالم اجمل من الاستقرار والحياة الزوجية.
ما الذي يمنع الحكومة من مكافحة تلك الظاهرة الخطيرة التي لا تمت الى الانسانية والتمدن بأي صلة .. هل المانع جزء من الفساد المالي والاداري الذي يلتهم البلد، ام لأن الجهة التنفيذية المسؤولة عن تلك المهمة يتم ارضائها بالنساء والمال بعد كل عملية اعتقال لمجموعة من المتسولين....
نعم قد يكون التسول وسيلة البعض الذين يعانون من الفقر للحصول على ما يملأ اجوافهم ويسد أرماقهم، لكن هؤلاء يعدون نسبة قليلة جدا امام مد واجتياح عصابات التسول، لا بد من الاشارة الى ان تلك العصابات نشطت بأموالنا وبأرادتنا لذلك يجب الحد من تلك الظاهرة بالامتناع عن اعطاء اموالنا إلا للمحتاجين فعلا.. بعد التحقق من صدق عوزهم.
دمتم .. درر