العالم في تغيُّر مستمر! فبين عشيّةٍ وضُحاها، تشهد الأرض تغييرات كبيرة واكتشافات من شأنها أن تُغيِّر مفهومنا لبعض الأشياء، كتقبُّل ما كنا نرفضه قبل قرنٍ من الزمان، أو أن تُصبح محظورات الماضي مُباحات الحاضر، أو كما هو في مقالنا، أن تتخذ أشياء كانت بلا قيمة، ثمنًا وقيمةً في المجتمع!
أشياء ثمينة كانت بلا قيمة في الماضي!
جراد البحر “الكركند”
عندما يتعلّق الأمر بالطعام، فإن جراد البحر يُعتبر أحد الأطباق الفاخرة التي تُقدَّم في مطاعم خمس نجوم، كما أن الكركند أحد أكثر الأطباق تكلفة. لكن بالعودة إلى الماضي قليلًا، لم يكن يحظى جراد البحر بالشعبية والرفعة التي حصل عليها هذه الأيام.
بالواقع، كان جراد البحر يُسمى قديمًا في مستعمرة خليج ماساتشوستس: “صرصور البحر”، ومن المألوف رؤية أكوام منه ملقاة على الشاطئ ومهملة. وقبل منتصف القرن التاسع عشر، كان يُعتقَد أن جراد البحر هو طعامٌ للفقراء كوسيلة لتوفير المال. فكان غذاء السجناء والعبيد والفقراء. وتغيّرت سمعة جراد البحر مع ظهور الأطعمة المعلبة والنقل عبر السكك الحديدية بعد منتصف القرن التاسع عشر بسبب تكلفته المنخفضة.
وسرعان ما أصبحت شعبية جراد البحر بارتفاع بين أوائل السياح من نيو إنجلاند وبدأت المطاعم تُقدمه كوجبة فاخرة، وبحلول الحرب العالمية الثانية، أصبح جراد البحر من الأطباق المكلفة ولا يستطيع تناوله إلا الأغنياء نظرًا لارتفاع سعره.
سراويل الجينز
كانت سراويل الجينز بمثابة زي العمل الرسمي لعمال المناجم نظرًا لتحمل هذا النوع من القماس للأعمال الصعبة وتوافره بأسعار منخفضة ومعقولة، ثم أصبحت مع تغيُّر الزمان أحد أهم صرعات الموضة والحداثة!
مخترع الجينز، “ليفي شتراوس”، كان بائع متجول من بافاريا انتقل إلى أمريكا الشمالية في منتصف القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت، أحضر معه بعض القماش والسلع التي كان ينوي بيعها. وتصادف أن عمال المناجم كانول يبحثون عن سراويل قوية تصمد في بيئة عملهم الصعبة. وبمساعدة من شتراوس، أصبحت سراويل الجينز الزي الرسمي لعمال المناجم. وفي ستينيات القرن التاسع عشر، أضاف شتراوس الصبغة الزرقاء للسراويل الجينز وظهر الجينز الأزرق.
حتى عام 1960، ظل الجينز اللباس الأساسي للطبقة العاملة. وفي أوائل الستينيات، ظهر الجينز في أفلام عن المتمردين واكتسب هذه الصفة ما جعله الزي الرسمي للشباب المتمردين. واكتسب شعبية كبيرة بعد ذلك مع حلول الثمانينيات عندما أصبح جزء رئيسي من ملابس جميع الأعمار. وحافظ هذا اللباس على مركزه حتى اليوم.
البطاطس
عندما قدّم الغزاة الإسبان البطاطس إلى إسبانيا، إيطاليا، ودول أوروبية أخرى، كان يُنظر إليها على أنها غذاء حيواني فقط. لكن البطاطس اليوم تُعتبر جزءًا مهمًا من السلسلة الغذائية في جميع أنحاء العالم.
كانت البطاطس واحدة من أهم الدرنات المستهلَكة على نطاقٍ واسع في إمبراطورية الإنكا. وعندما غزا الإسبان إمبراطورية الإنكا في القرن السادس عشر، جلبوا درنة البطاطس إلى إسبانيا. ولكن الخضار لم تكن لها سمعة جيدة آن ذاك، وبدأ المزارعون الإسبان زراعتها على أنها غذاء للماشية فقط.
وببطء، انتشرت البطاطس في كل أنحاء أوروبا. وارتبطت بها الكثير من الخرافات مثل أنها المسؤولة عن مرض الجذام والتسمم، حتى أن الفقراء والفلاحين كانوا يخشوْنَ تناولها! كما واعتُبرت البطاطس غير شرعية في فرنسا وتُستهلك فقط في الطب العسكري.
وفي عام 1772، تم التخلص من البند في القانون الفرنسي الذي يعتبر البطاطس غير شرعية، منذ ذلك الوقت، ارتفعت شعبيتها على مدار السنوات العشرين اللاحقة وأصبحت جزءًا رئيسيًا من الغذاء في إنجلترا ثم العالم بأسره.
أجنحة الدجاج
قبل اختراع هذا الطبق الشهير سنة 1964م، كانت أجنحة الدجاج “بافلو” أحد أقل الأطعمة رغبةً وعادةً ما كان يتم التخلص منها عند شراء الدجاجة. لكن تم ابتكار طبق شعبي محبب للجميع من أجنحة الدجاج من قبل “تيريسا بليسيمو”. وسرعان ما أصبح الطبق الشعبي الرئيسي للأمريكيين!
الكينوا
للكينوا فوائد غذائية لا يُمكن إحصاؤها. لكن قبل ذلك، كانت تُعرف باسم “غذاء الهنود”. حيث بدأت زراعة الكينوا منذ حوالي 3000-4000 سنة من قبل شعب الأنديز. ولم تكن معروفة في باقي أنحاء العالم وقتها. لذلك، كانت غذاءًا رئيسيًا لشعب الأنديز وكانت تُعتبر مقدسة ويُشار إليها بأنها “أم جميع الحبوب”.
في وقتٍ لاحق، عندما جاء الغزو الإسباني إلى أمريكا الجنوبية، قاموا بازدراء الكينوا حتى أنهم منعوا زراعتها. وفي أواخر القرن العشرين، زادت شعبية الكينوا وتضاعف إنتاجها بسبب انتشار فوائدها الغذائية الكبيرة.
السوشي
تم ابتكار السوشي كوسيلة للحفاظ على الأسماك، إذ كان يتم التخلص من الأرز ثم تناول السمك بعد ذلك. وفي وقتٍ لاحق، أصبح السوشي من أكثر الأطعمة شعبيةً في المطبخ الصيني والياباني على وجه الخصوص ووجبة مرتفعة الثمن!
اكتسب السوشي شعبية كبيرة بالمطبخ الصيني قديمًا نظرًا لكونه وسيلة للحفاظ على الأسماك من الفساد عبر لفها بالأرز. حيث كان يتم التخلص من الأرز عند تناول السمك لأن هذه الطريقة كانت أرخص من شراء أسماك طازجة من السوق.
وبحلول القرن السابع عشر، أصبح للسوشي شعبية كبير في اليابان وأُضيفت بعض المواد إليه في المطبخ الياباني مثل البلسمك أو الخل. وفي وقتٍ لاحق من القرن التاسع عشر، خضع السوشي لتغييرات كبيرة عبر لف الأسماك بالأرز وأضيفت تعديلات أخرى عليه جعلته أحد أكثر الأطباق شعبية.
التمثيل
قبل القرن التاسع عشر، كان يُنظر للتمثيل على أنه مهنة مهينة وكل من يعمل فيها من الأذلاء وأدنى الفئات الاجتماعية، على عكس ما يُنظر لهذه المهنة هذه الأيام!
أول حالة مسجلة للتمثيل ظهرت سنة 534 قبل الميلاد. كما سافر الغجر منذ العصور الوسطى في سبيل كسب رزقهم عبر هذه المهنة التي لاقت انتقادًا كبيرًا من الكنيسة وقتها وحوربت بقوة واعتُبرت وثنية وغير أخلاقية.
لكن بحلول أواخر العصر الوسيط، بدأ التمثيل يظهر في إنجلترا وأوروبا. وفي العصر الإليزابيثي، كان الأرستقراطيون البارزون يُشكلون مجموعة من الممثلين يؤدون أدوار مختلفة في مواسم مختلفة.
وفي القرن التاسع عشر، تغيرت النظرة للتمثيل وأصبحت مهنة شعبية ولها جهات فاعلة. وفي أوائل القرن العشرين، أصبح التمثيل من أكثر الوظائف المرغوبة بسبب ما يتبعه من شهرة وثراء.