ال (لاشيء) اكتشفه الهنود وعرفه البابليون ونقله العرب الى اوربا
لا يمكن للنظام الحسابي الحالي التخلي عن الصفر رغم أنه لا يشكل أية قيمة عددية. وتعتمد التكنولوجيا العصرية عليه بشكل رئيسي ومنه تطور النظام الثنائي، الذي يتكون من آحاد وأصفار. لكن من اكتشف الصفر وكيف انتقل إلى أوروبا؟
يعتقد أن أول استخدام للصفر بدأ قبل نحو خمسة آلاف عام في وادي الرافدين. وكان يعبر عن اللاشيء، فيما استعمل البابليون الصفر وأعطوه رمزاً في الكتابة في القرن الثالث قبل الميلاد. ودلت الوثائق البابلية القديمة على أن رمز الصفر كان يستعمل في الكتابة، لكنه لم يكن يمثل قيمة عددية، وإنما يمثل فاصلة أو "لا شيء" في المضمون.
المعلومة السائدة هي أن الهنود هم أول من استخدم الصفر كعدد في النظام الحسابي، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، أي قبل البابليين. وكان الصفر يستخدم في النظام الحسابي بشكل مشابه لنظامنا الحسابي الحالي، وكان يُرمز له بنقطة أو دائرة.
وذكر موقع "ليرن هيلفر" الألماني أن حضارة قبائل المايا التي ازدهرت في أمريكا الجنوبية استخدمت أيضاً مفهوم الصفر، إذ كانت حضارة المايا تستخدم النظام العشريني اعتماداً على أعداد أصابع اليدين والقدمين في الجسم. وكان الشهر في تقويم حضارة المايا يبدأ دائماً باليوم صفر.
أما نظام الحساب الروماني القديم فلم يكن يعرف الصفر، بل كان يستخدم نظاماً مختلفاً يعتمد على الحروف اللاتينية للتعبير عن الأرقام.
نقل العلوم الهندية إلى بغداد وترجمتها إلى العربية
هذا ويعتقد أن عالم الرياضيات والفلك الهندي براهما غوبتا هو أول من شرح استخدام الصفر في العالم، نقلاً عن صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، وكان ذلك عندما ذكره في كتابه "سيندهانتا" في القرن السابع الميلادي، إذ بين براهما غوبتا أن الصفر هو حاصل طرح العدد من العدد المساوي له، وأن الصفر هو حاصل ضرب أي رقم آخر به. وكانت الكلمة الهندية التي تعني "صفر" هي (سونيا) ومعناها "خالي أو فارغ". هذه الكلمة ترجمت ونقل لفظها صوتياً إلى اللغة العربية وأصبحت "صفر".
كما نقل كتاب "سيندهانتا" إلى بغداد، عاصمة الخلافة العباسية آنذاك، وأمر الخليفة المأمون بترجمته إلى العربية. ونشر عالم الرياضيات الشهير الخوارزمي رسالة تحمل اسم "الخوارزمي عن الأرقام الهندية" في سنة 825 بين فيها استخدامات الصفر، منها تعرف الغرب على النظام الحسابي العربي (النظام العشري)، الذي عرف بنظام الأرقام الخوارزمية نسبة إليه.
وذكر الخوارزمي في رسالته: "في عمليات الطّرح، إذا لم يكن هناك باق نضع صفراً ولا نترك المكان خالياً، لئلّا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات. ثمّ إنّ الصّفر يجب أن يكون من يمين العدد، لأنّ الصّفر من يسار الاثنين، مثلا – 02 – لا يغيّر من قيمتها، ولا يجعلها عشرين".
كما قام الخوارزمي باختراع مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم الأرقام العربية، لكنها لم تحظ بانتشار واسع في دول المشرق العربي واستعملها لاحقاً العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله على الشكل المستعمل حالياً.
لكن الرقم صفر وصل متأخراً إلى أوروبا، إذ كان رمز الدائرة "0" يعد "من عمل الشيطان" في العصور المظلمة في أوروبا، الأمر الذي أخر استعمال الصفر في أوروبا، نقلاً عن موقع "ليرن هيلفر" الألماني. وبقي الحال كذلك حتى نشر عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي فون بيزا كتابه في سنة 1202 الذي حمل عنوان (Liber Abaci)، والذي شرح فيه الحساب وأهمية الصفر.
يذكر أن فون بيزا كان قد تلقى تعليمه في مدينة بجاية الجزائرية، التي كانت زاخرة بعلماء الرياضيات مثل العالم أبو مدين. وتعلم فون بيزا الأرقام العربية ونقل استخدامات الصفر إلى نظام الحساب الأوروبي وكتبه باللاتينية "Cephir". ومن ثم تطور اللفظ وتغير إلى "Zephiro" ثم "Zero" في القرن الخامس عشر. كما تطور لفظ الكلمة في ألمانيا إلى كلمة "Ziffer"، التي تعني في اللغة الألمانية اليوم "رقم".