من يتمعّن في التاريخ البريطاني القديم، فلا بد أنه سمع من قبل بالملك الإنجليزي “أوفا ركس Offa rex” رغم قلّة المراجع المتوافرة عنه وعن فترة حكمه. الملك الذي تولَّى الحكم عام 757م، وكان ملكًا على “مارسيا” أو ما تُعرف باسم “إنجلترا الوُسطى”، ثم توسَّع حكمه إلى غالبية أجزاء إنجلترا تقريبًا. واستطاع أن يُوحِّد غالبية المقاطعات الإنجليزية تحت حكمٍ واحد.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه لا توجد مراجع وافية ودقيقة عن حكم “أوفا ركس” وإنجازاته خلال 39 عامًا من حكمه لمقاطعات من البلاد، على الرغم من أنه فتح ملكيّات الصغيرة حوله أمثال “كنت Kent” و “وست West” و “ساكسونس Saxons” و “ولش Welsh”. كما قام بتزويج بناته من حاكم “وِسكس Wessex”، وحاكم “نورثومبيا Northumbia”.
كما أن الغموض يزداد عندما نجد أن المناهج الدراسية البريطانية لم تتناول فترة حكم “أوفا ركس” واختفى تقريبًا من الكتب الدراسية والمصادر التاريخية! هذا يجعلنا نُفكِّر في السبب الذي دفع القائمين على التاريخ الإنجليزي بحذف كل ما يتعَّلق بهذا الملك؟ وهل هناك سرٌ ما يخشى هؤلاء أن يُكشَف للعلن عن الملك الإنجليزي “أوفا ركس” من شأنه أن يقلب الموازين التاريخية؟
هل كان الملك “أوفا ركس”؛ ملك بريطانيا القديمة، مسلم ؟
الغموض الذي اكتنف قضية “أوفا ركس” بدأ يزول تدريجيًا بعد أن ظهرت عملة معدنية نادرة للعلن تعود إلى فترة حكم الملك الأنجلوسكسوني وقد نُقش على أحد وجيهيْها شعار التوحيد “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وعلى الحافة “محمد رسول الله” ثم الآية الكريمة: {أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله}. وعلى الوجه الثاني كُتب: “محمد رسول الله”، واسم الملك “أوفا” باللغة الإنجليزية. وعلى الحافة كُتب: “بسم الله .. ضرب هذا الدينار سبع وخمسين ومائة”.
العملة المعدنية التي تم سكّها في فترة حكم الملك “أوفا ركس”.
هذه العملة قلبت موازين التاريخ البريطاني ويبدو أن بريطانيا قد حكمها ملكٌ مسلم من قبل كما يدّعي بعض الخبراء! حيث يبدو أن العملة المعدنية قد تم صكّها خلال الأعوام “757-796” وهي ضمن فترة حكم الملك “أوفا ركس”. وتُوجد العملة الآن في المتحف البريطاني منذ عام 1922م.
هذه العملة فرضت الكثير من الأمور حول حقيقة الملك المجهولة، فهل كان مُسلمًا؟ وإن لم يكن كذلك، ما الذي دفعه إلى إصدار عملة نقدية تخص بريطانيا وقد نُقش عليها بالخط العربي عبارة التوحيد وآية من القرآن وشهادة بالإسلام؟
على الرغم من أن سك الدينار العربي كان رائجًا في تلك الفترة من الزمان لتسهيل التبادل التجاري مع العرب المسلمين، لكن ما الذي دفع الملك أوفا إلى كتابة اسمه واسم مملكته إلى جانب شعار التوحيد؟
كما أن كتابة أسماء باللغة العربية على عملات نقدية غربية كان رائجًا في تلك الفترة، مثل الملك “ألفانسو الثامن” و”فاسيلس ديميتريش”، وبعض أمراء النورمان أمثال “وليام دروجر”. حتى أن الإمبراطور الألماني “هنري الرابع” سكّ اسم الخليفة العباسي “المقتدر بالله” على نقود بلده لإعجابه به. لكن لم يقم أيٌ منهم بكتابة عبارة التوحيد والشهادة على نقود بلده كما فعل الملك “أوفا”!
كل هذه التساؤلات تقودنا في النهاية إلى اعتقاد صريح وواضح، وهي أن الملك أوفا قد أسلم، أو أنه تأثر بالإسلام بشكلٍ كبير وواضح ورُبما أسلم سرًا خوفًا من بطش الكنيسة لكن معالم إسلامه ظهرت عبر عملته.
والمُتمعِّن في التاريخ الأنجلوسكسوني القديم، يلتفت بوضوح إلى الخلاف الذي قع بين بابا الكنيسة “أدريان الأول” وبين الملك “أوفا ركس”. فقد أصرّ البابا في تلك الفترة على فرض سلطته على الكنيسة الإنجليزية التي كانت تتحكم في غالبية شؤون البلاد تقريبًا، وهذا ما كان يرفضه الملك “أوفا”. وذلك كما جاء في تقرير نشرته سابقًا جريدة الرياض.
سور أوفا Offas Dyke.
ثم نجد أن كتب التاريخ تناولت إنجازات بابا الكنيسة “أدريان الأول”، ولم تذكر الملك “أوفا” إلا في مواضع مختصرة وبسيطة، على الرغم من إنجازاته الكبيرة في فترة حكه ومنها: توحيد للمقاطعات الإنجليزية، ومساهمته في بناء سور ليحمي المملكة من غزو القبائل الإسكتلندية في الشمال. ولا تزال آثار السور قائمة حتى اليوم وتُعتبر معلمًا سياحيًا شهيرًا في البلاد ويُعرف باسم سور أوفا Offas Dyke.
وعن حقيقة إسلام “أوفا ركس”، لم يُعثر على أي وثيقة أخرى عدى العملات النقدية تُشير بوضوح إلى ذلك. فقد قامت الكنيسة بحرق كافة المستندات والأوراق العائدة للملك والتي رُبما أشارت إلى إسلامه خوفًا من تأثر الناس.
وعلى الرغم من أن كافة المراجع والمصادر البريطانية تنفي احتمال إسلام الملك “أوفا ركس”، وتعتبر أن العملة النقدية التي تعود إلى فترة حكمه ترتبط بتسهيل التبادل التجاري مع المسلمين وليس إلى إسلامه، لكن الكثير من الشكوك حول صحة هذه الادعاءات قائمة ولا يُمكن إغفالها!
وتبقى الحقيقة ضبابية حول الأمر، ولا يُمكن التثبُّت منه إلا بدراسة عميقة للتاريخ الأنجلوسكسوني القديم وتاريخ فترة حكم “أوفا ركس”. فمؤكد أن هذه الدراسات ستقود إلى شيء في نهاية المطاف! ويبقى التساؤل قائمًا: هل حكم بريطانيا ملك مسلم من قبل؟