بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إننا نعاني اليوم من حالة من التيه مغرقة اشبه بما كان في العهود المظلمة ، إلا أنَّها من نوعٍ جديد مُرتبِط بحمَلة الأقلام الذين بلغوا من العظمة والشُّهرة شُمَّ الجبال، فلم يزِدْهُم إلا غُرورًا وازْدِراءً للعقلِ البشري ولوِجدان الأمَّة، وطمَعًا خالطَ أَفْئِدَتهُم فأَفْسدَها هذَيانُ التَّرف الفكري، وغَمَطوا النِّعمة المُسْداةَ إليهم فتوهَّموا الحقَّ سَفَهاً وجهلاً
قد طَأْطَؤوا أقلامَهُم تطَأْطُؤَ الدًّلاة، وانْساقوا خلف أَهْوائهِم انْسِياقَ العبيد، يلْتمِسونَ بريقَ الحريَّة عن كثَب، مَبْهورين بأسْتارِ المدنِيَّة المُزيَّفَة وأَوْهامِ الحضارة، حَسيري البصَر والبصِيرة، يسْتَجْدون عطاءً بخْسًا، ونوالاً يَرْتقي بهم ﻣﺪﺍﺭِﺝَ ﺍﻟﻌِزِّ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، وقِمَم المَجْد والشُّهْرَة، ويستحِثُّونَ الخُطى لبلوغِ ما اسْوَدَّ من الرَّغَبات، لعلَّ أرواحَهُم تتضَمَّخ بطيبِ مفاتِنِها، وتتجَمَّل بمحاسِنِ خِلالِها ..
ولكنَّهم لم يدركوا بأنَّ الكلمة إمَّا أن تكونَ سيفًا يقْطَعُ رِقابَ العُقَلاء، ونذيرَ شُؤْمٍ وعَذاب مُسلَّط على ذَوي الأَلْباب، أو أن تكونَ سَلامًا وأمانًا يوحِّد الصُّفوف، ويؤَلِّف القلوب ويلُمُّ شعَثَها، ويُرْسي قواعِدَها وأركانَها، مبشِّرًا بالبقاء والامتداد ..
وأنَّ أقلامَ الغُزاة لا تحقِّق مَجدًا ولا فخْرًا، فتظلُّ تلْهَثُ داخِلَ غِلافِها الأَجْوَف، بلا إحساسٍ شَفيف يَرْتقي بالوِجْدان، ولا إدراكٍ عميق يَرْتقي بالفَهم عن الصِّناعَة المادِّية،، قد غاضَت ينابيعُها الثَّرَّة، وجفَّت معانيها الصَّافية كما تجِفُّ الأوراقُ الغضَّة، وأَمْسَت مَرْتَعًا للنَّتانَة ومنْبتًا للأَشواك، وتفرَّقتْ كلمتُها تفرُّقَ القلوبِ بالضَّغينَة والبَغْضاء، ولانَتْ شكيمَتُها فهانَت كرامَتُها واعْتِزازُها بشُموخِها، وتلطَّخَت بالأوْحال في براثِن التَّنافُسِ المَقيت، وتعلَّقَت أَمانيها العِجاف بشِباكِ الطُّموحِ الرَّذْلِ المَهِين، فانْحسَرَت علومُها ومعارِفُها في خندقٍ ضَيِّق، وصارت موْطِئًا لثقافاتٍ غريبة لا تنْتسِب إلى هُوِيَّتِها العربِيَّة وثقافَتِها الإسلامِيَّة بأيِّ نسْبَة أو صِلة .
فعلى الكاتب .. خلال هذه المرحلة التاريخِيَّة العصيبَة أن يتحمَّل مسؤولِيَّته تِجاه القلم، فلا يَصْهَره في أتونٍ واحِد، ولا يُريق كرامتَه في قالبٍ لا يُحافِظ على أمانَة الكلمة التي يدوِّنُها، وأن يضْطَلِع بشَرفِ الوظيفة المَنوطَة به في توحيد قلوبِ النَّاس، وحماية اتِّجاهاتِ الفِكر المَولود واسْتِثْمارِه لإنتاج فِكرٍ مُولِّد وخَيالٍ مُبْدِع في دائرةِ الوجود الرَّحْب الذي يسَعُ المَوجودات في مِحْوَرٍ واحِد، تجْمَعُها غايةٌ أَسْمى هي المعرفَة بالله وعبادتِه بحَق
ولتحقيق هذه الغايات السَّامية على الكاتب أن يمتلك مناطَ التقدُّم في طريق الإصلاح والتغيير عن طريق :
الارتباط بالثقافة الإسلامية
لأنَّ الإيمان هو مهْدُ قوَّة القلم، وبه يقْهر الكاتب مظاهِر الجهل، ويوقِد في قلوبِ القرَّاء شُعْلةَ الطُّموح والتَّوْق إلى الجِد، والتغلُّب على الشَّدائِد والمِحَن، وكَبْحِ شهواِت النَّفسِ المتعلِّقة بزَخارفِ الأَطْماع، واسْتِقبالِ الحياة بانْشِراحٍ وغِبْطَة، يتهافَتون على الكدِّ والكَدْح في طلبِ المعالي تهافُتَ الفَراشِ على وَميضِ النُّورِ السَّاطِع ..
فالكاتب هو مُؤَرِّخ للفكرة، وللحَدَث، وللحَقيقة، وللمعرفَة، وللقِيَم الدينِيَّة والإنسانِيَّة،
المحافظة على وحدة الهوية العربِيَّة والإسلامِيَّة ..
التي تَرْتَقي بأفكارِه مَداركَ جليلة، وتسخِّر قلمَه لخِدمة هُوِيَّته العربِيَّة والإسلامِيَّة، وتوجِّه غاياتِه وِفْقَ المنهج الدِّيني والثَّقافي الذي لا يفْصِل بين العقل والنَّقل، ولا بين الدِّين والعِلم في حياة الأفراد والجماعات وواقِع الأمَّة ..
فعلى الكاتب .. أن يجعل ولاءَه وانْتِماءَه لدينِه ومبادئِه، متحرِّرًا من وَطْأَة الغزو الفكري الغربي، ومستقِلاًّ عن أيِّ انْتِماءٍ يسْتبِدُّ بقلمِه أو يحْتكِر أفكارَه وإنتاجَه العلمي، حتى لا يفقِد ثِقَة القرَّاء، وتقديرَهُم واحترامَهُم لقلمِه ولمِصْداقيَّة أفكارِه، ونزاهَةِ كلمتِه، ونُبْلِ غاياتِه، ويصَنِّفوه كاتِبًا مُنْتمِيًا، يتاجِر بقلمه ومبادئِه وأفكاره، ومُواليًا لمن يُلبِّي مصالِحَه الماديَّة ومَطامِحَه السَّاقِطَة.
..
وأن يكونَ أمينًا .. يهْتدي في الكلمة التي يكتبُها بهُدى الله ويحْتكِم إلى حكمِ الله، مطبِّقًا لجلالَة ذاك الخطاب الرّباني الموجِّه لسُلوكِ الفرد والجماعة، في قوله تعالى : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٥٠﴾ ﴾ ﴿المائدة﴾
وأن يكون مجدِّدًا .. يجتهد في سلوكِ الطَّريق إلى بُلوغِ الغايَة، ومَجْدِ العلم وشرفِ التَّقوى، آخِذًا بيَدِ الإنسانِيَّة ورحيمًا بها، ومن الأمْجادِ الذين تفتخِر بهم الأمَّة، وممَّن ارْتقوا بشرفِ كلمتهم منابِر العِلم، وتحَلَّوْا بمكارِم الأخلاق، وتزيَّنوا بالخِلال والآدابِ الرَّفيعة..