تتسم الكسوفات الشمسية بندرتها بشكل عام سواء كانت كلية أو جزئية أو حلقية. دعكم من الكسوف “الكليّ-الحلقيّ Annular-Total” أو اختصارًا A-T، فهو الأندر بين أنواع الكسوف الشمسي وأكثرها إثارة حيث يبدأُ هذا الكسوف على شكلِ كسوفٍ حلقيّ وبعدَ ذلكَ يتحوّل الكسوف إلى كسوفٍ كليّ، وفي نهايةِ الأمر يتحول إلى كسوفٍ حلقيٍ مرة أخرى! من بين كسوفات الشمس التي نرصدها على الأرض، يكون 28% منها كسوف كليّ، 35% كسوفً جزئيّ، 32% كسوفً حلَقيّ و5% فقط كسوف هجين A-T.
مع هذه المناسبة متباعدة الحدوث وبارتباطها بكيان مهيب وضخم كالشمس، لا عجب أن يكون بيننا من يعتبر الكسوف الشمسي حدثًا تاريخيًا لمجرد رصده أو رؤيته بالعين المجردة؛ لكنه تاريخيًا كان هناك بعض الكسوفات الشمسية التي تعدت كونها مجرد إظلام مؤقت للشمس. كسوفات شمسية أنهت حروبًا، وأشعلت ثورات وأثبتت نظريات علمية كانت محل شك، بينما تقاطع بعضها مع أحداث عظيمة ارتبطت ببعض أشهر الديانات السماوية على الأرض. إليكم بعض أشهر القصص عن كسوفات شمسية غيرت التاريخ!
29 مايو: عام 1919 ميلادية – كسوف آينشتاين الشمسي
بينما كان ينظر القدامى إلى الكسوف الشمسي باعتباره إشارة أو علامة من السماء، ينظر علماء الفيزياء إلى كسوف عام 1919 الشمسي كانتصار مجيد وتاريخي للعلم. فأثناء وقوع هذا الكسوف الشمسي الذي امتد لست دقائق و51 ثانية، استطاع العلماء قياس مقدار إنحراف ضوء النجوم بينما يمر بالقرب من شمسنا، وخلصوا إلى نتائج تثبت نظرية آينشتاين عن النسبية العامة والتي تصف قوة الجاذبية على ثني الزمكان، مع قدرة العلماء على قياس ذلك أثناء حدوث الكسوفات الشمسية التي يظهر معها ضوء النجوم في السماء المظلمة.
28 مايو: 584 ميلادية – نهاية حرب
كما أورد المؤرخ الشهير هيرودوت Herodotus، فقد كادت الحرب المستعرة لخمس سنوات بين الليديين Lydians والميديين Medes أن تمتد لسنة سادسة وأكثر لولا ذلك الكسوف الشمسي الذي تنبأ به الإيونيين Ionians كإشارة من السماء لوقف الحرب. يقول هيرودوت أنه بينما يمتد ظل القمر الطويل على أرض المعركة ناشرًا الظلام، توقف الطرفان المتحاربان عن القتال وبدا كل منهما أكثر رغبة في إنهاء الحرب وفرض السلام.
19 مارس: عام 33 أو 24 نوفمبر: عام 29 ميلادية- صلب المسيح
وفقًا للأناجيل المسيحية، فقط أظلمت السماء لثلاث ساعات كاملة بينما كان المسيح معلقًا على الصليب. وعلى الرغم من أن هذا يحوى الكثير من المبالغة، إلا أن تلك المنطقة شهدت تاريخيًا كسوفين شمسيين في تلك الفترة الزمنية تحديدًا ودام كل منهما دقائق قليلة؛ لكنها بالتأكيد كانت فترة كافية لترك إنطباع سيدوم للأبد.
24 نوفمبر: عام 569 ميلادية – مولد نبي الإسلام محمد
هناك من الباحثين من يدعي حدوث كسوف شمسي يوم مولد النبي محمد عام 569 ميلادية، وهو العام نفسه الذي يطلق عليه عام الفيل نسبةً إلى غزوة أبرهة الحبشي إلى الكعبة. ووفقًا لتلك الأبحاث، فقد دام الكسوف الشمسي 3 دقائق و17 ثانية تحديدًا في ذلك اليوم من العام؛ ومع أنك لن تجد الكثير من المراجع لتلك الحادثة إلا لدى الغرب، فهناك حادثة كسوف شمسي أخرى مؤكدة حدثت في حياة النبي محمد مع وفاة ابنه إبراهيم في عام 632. حينها اعتقد الكثيرون من الصحابة أن تلك علامة على حزن السماء، لكن النبي محمد أخبرهم في الحديث الشريف بأن “الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة”
2 أغسطس: عام 1133 ميلادية – كسوف الملك هنري الأول الشمسي
كان لهذا الكسوف الشمسي تأثير هائل على الناس في إنجلترا عندما ألقى ظلاله على الأرض لمدة لا تقل عن 4 دقائق و38 ثانية بعد إبحار الملك هنري الأول عام 1133 للمشاركة في احتفالات الأول من أغسطس Lammas الشهيرة. بالطبع كانت تلك مصادفة لا أكثر، لكن الشعب الإنجليزي اعتبرها نذير شؤم وأيام نحس قادمة. وهكذا كان بالفعل، حيث رحل الملك هنري الأول في العام نفسه لتدخل البلاد في صراع مرير على العرش وحرب أهلة طاحنة دامت لأكثر من 20 عامًا! والجدير بالذكر هنا أن ذلك الكسوف الشمسي كان كليًا، ما يعني أنه كان لا يجب أن يدوم أكثر من دقيقتين ونصف كما يحدث عادة إلا أن كسوف الملك هنري الأول الشمسي دام لأكثر من 4 دقائق ونصف!
3 مايو: عام 1715 ميلادية – إدموند هالي يتنبأ بالكسوف الشمسي لأول مرة
دخل عالم الفلك الشهير إدموند هالي Edmund Halley (الذي أطلق اسمه على مذنب هالي المعروف)، التاريخ عندما قدم للعالم أول تنبأ فلكي لكسوف شمسي قادم وبدقة غير مسبوقة لم بعرفها الناس من قبل بالإستعانة بقوانين نيوتن للجاذبية. كسوف 3 مايو 1715 أو ما يعرف باسم كسوف إدموند هالي هو الكسوف الشمسي الأول الذي تم تحديد موعده بدقة باليوم والساعة؛ وقبلها لم يكن أسعد الفلكيين حظًا وأكثرهم علمًا يستطيع إلا تحديد عام وقوع كسوف شمسي لا أكثر.
وعلى الرغم من أن هالي لم يبق على قيد الحياة لمشاهدة نبوءته الأخرى تتحقق المتعلقة بمذنب غريب يزور الأرض كل 76 – 76 عامًا؛ إلا أنه احتفل بنفسه مع الشعب الإنجليزي بمشاهدة الكسوف الشمسي من شرفة الجمعية الملكية العريقة في لندن.
12 فبراير: عام 1831 ميلادية – ثورة العبيد بقيادة نات تيرنر
في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تعد ثورة العبيد بقيادة نات تيرنر Nat Turner هي الأنجح والأكثر وشهرة بين مثيلاتها المتكررة، على الرغم من أنه قد تم قمعها. بدأ الأمر مع العبد المتدين والمتعلم نات تيرنر والذي كان يحلم برؤى متكررة في منامه كرسائل من الله في اعتقاده لتحرير العبيد من قيود الرق وقيادتهم للحرية. هكذا ظلت الفكرة تتعاظم في عقله إلى أن وقع الكسوف الشمسي في فبراير 1831 والذي اعتبره تيرنر إشارة من السماء للبدء بوضع خطة نيل الحرية.
هكذا امتدت فترة التخطيط لثورة نات تيرنر إلى أن جاءت إشارة أخرى من السماء بعدها بشهور، وتحديدًا في أغسطس 1831 عندما أظلمت السماء مجددًا لكن نتيجة الدخان والسخام الذي قذفه بركان جبل سانت هيلين Mount St. Helens؛ ومعها، إندلعت ثورة العبيد بقيادة نات تيرنر والتي شملت أحداث قتل وقمع واسعة امتدت لشهور طويلة لاحقًا.