جدة – حسن الجابر
داخل محيط مساحته حوالي كيلومتر مربع، تتربع 430 مبنى يمثل معظمها تاريخاً تجاوز عمره قروناً، تعارف الناس على تسميتها آنذاك بالحارات الأربع داخل سور جدة، ومع الشروع في إجراءات إدراجها ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للمواقع الأثرية، باتت تاريخاً تحت مسمى منطقة جدة التاريخية.
تنقسم منطقة جدة التاريخية إلى أحياء عدة تفصلها شبكة ممرات وأزقة ضيقة، حيث أطلق مواطنو المدينة القدامى مسمى حارات بدلاً من الأحياء، واكتسبت تلك الأحياء أسماءها حسب موقعها الجغرافي داخل المدينة أو شهرتها بالأحداث التي مرت بها وهي "حارة المظلوم" و"حارة الشام" و"حارة اليمن" و"حارة البحر".
وبنى أهالي جدة بيوتهم من الحجر المنقى الذي كانوا يستخرجونه من البحر ثم يعدلونه بالآلات اليدوية إلى جانب الأخشاب التي كانوا يستوردونها من الخارج، كما استخدموا الطين الذي كانوا يجلبونه من بحر الطين. كما امتازت مباني جدة التاريخية بطراز معماري تقليدي متنوع نظراً لتداخل العوامل الاقتصادية والدينية والاجتماعية بجدة، كقربها من مكة وكونها ميناء بحريا رئيسيا.
وتتشابه مباني جدة في عدد طوابقها، حيث تتراوح ارتفاعات المباني ما بين 4 و5 طوابق، كما تتشابه في واجهاتها المصنوعة من خشب الساج الهندي والجاوي الذي يوفر التهوية الطبيعية للمنازل، ولأن استخدام الزجاج لم يكن شائعاً حينها، فقد استخدم الأهالي الرواشين والمشربيات المزخرفة لتغطية النوافذ، أما الأبواب فكانت تصنع من لوحين ثقيلين من خشب الساج وفيها فتحة صغيرة للرؤية.
ومن أشهر وأقدم المباني الموجودة حتى الآن، "بيت آل نصيف وبيت آل جمجوم فـي حارة اليمن، ودار آل باعشن وآل قابل، والمسجد الشافعي فـي حارة المظلوم ودار آل باناجة، وآل الزاهد فـي حارة الشام"، فضلاً عن مسجد عثمان بن عفان وبعض الأبواب الستة كـ "باب مكة، وباب شريف، وباب جديد".
لهذا اختفى بعضها
وأوضح الدكتور عدنان عدس، المدير السابق لمشروع المنطقة التاريخية سابقاً، أستاذ العمارة بجامعة الملك عبدالعزيز لـ "العربية.نت" أن من بين 573 منزلاً مصنفاً كمبنى تاريخي أحصيت قبل ثلاثين سنة، بقي الآن نحو 430 منزلاً فقط، مشيراً إلى أن المباني التراثية اختفت بسبب سقوطها وانهيارها جراء الاستخدام الجائر أو عدم ترميمها أو بسبب الحرائق، مبيناً أن بعض المنازل يعود تاريخها إلى قرن من الزمان.
ويقول مراقبون إن مناخ جدة الرطب ظل يتسبب في تلف القطع الخشبية بالمنازل وتآكل جدرانها، لذا فهي تحتاج لصيانة مستمرة، فيما يشترط الخبراء أن تتم الصيانة بطرق بناء غير تقليدية وهي مكلفة جدا، مقارنة بالبناء العادي، ونتيجة لذلك انهارت بعض المنازل خلال العقد الماضي لأنه ليس بوسع أصحابها تحمل تكاليف تجديدها الباهظة، أو ليس لديهم اهتمام أو حافز للقيام بذلك.
وبحسب مراقبين، تترك غالباً أعمال الترميم لأصحاب المنازل، لأن الجهات الرسمية لا يمكنها أن تتدخل بصورة قانونية لترميم منازل بملكية خاصة، إلا أنها تدعمهم بالخبراء، كما تقوم بتكريم أصحاب البيوت ممن قاموا بترميم منازلهم على نفقتهم الخاصة، فضلاً عن تقديم قروض وحوافز مالية للملاك لترميم المنازل وبغرض تحويلها إلى مشروعات استثمارية سياحية.
كما قامت أمانة جدة بشراء بعض المباني في المنطقة ورممتها مثل "بيت نصيف"، ورممت أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية، هما "مسجد الشافعي ومسجد المعمار"، ونفذت مشاريع لرصف وإنارة جدة التاريخية بناء على التراث التقليدي، كما أعادت بناء بوابات المدينة القديمة، وأسست إدارة لحماية جدة التاريخية ولحماية المباني التراثية من الهدم ومنع التعديات.
وتعد مبادرة إدراج المنطقة ضمن قائمة منظمة اليونيسكو، أحد أبرز المحركات التي أحيت المنطقة من جديد، حيث شهدت المنطقة بعدها عدداً من خطوات الإحياء، سواء من خلال ترميم المباني أو من خلال إقامة المهرجانات التاريخية، لكن يبقى إحداث حراك ثقافي متواصل مرهوناً بعودة أصحاب البيوت إلى المنطقة من جديد، وهو ما سيساهم في إحياء الروح للمنطقة وتعزيز مفهوم الانتماء لها.