الطريق إلى العدم
" انا العدم الحقيقي
السكران بالغرور "
سارتر
1 --
كنت أجزيء العدم ، ربما جنوني قادني الى هذه الفكرة الخلاقة ، بالرغم من انها تبدو ميتافيزيقة أكثر مما ينبغي ، فمثلا يحترق النهار من أجل شهيق القمر، بينما تسعى المقابرالى الكلام بدون دلالة مباشرة ،
لأن اللغة ليست سيارة اسعاف لنقل المعرفة التي ما عادت إناء لنقل المتعارف ، وليس الخيميائي سوى متحسر على صدفة ترشحها السماء في قارورة تحمل بقايا فقدان البصيرة ، وهذا جزء من العدم المجزأ ، المرسوم باصابع تنتحب ؛ أو باقاويل ورثها من عبث التاريخ ، خذ مثلا : ابليس يستدعي الفكرة ، ويكشف عن عورته ، فوق سرير يعوي ، من تعطيل الكلمات في النهار المحترق أساسا من أجل شهيق القمر ، وهي فكرة جهنمية لمجنون آخر ، أكثر جنونا من جنوني، حيث تحتقن الكلمات بالغباء ، واطلاق اللعنات من منجنيق القرف ، الذي يلف حياتنا ، وهي مثل علكة في فم قرد ، حياتنا التي صممت مجرد غوايات لا تعرف ما تقول .
2 --
هبطت الاسئلة الى ظلها ، لو كنت مجرد فكرة تنحرف الى اتزانها ، لذهبت الى الزوال بحسرة كبيرة ، وغرزت قيلولة الخطيئة في البصيرة ، لأكتشف عفونة الماء السري في الحياة ، وعندها ينشطر الوقت الى أكفان تحيط بنا من كل جانب . والمسافة بيني وبين العدم تصبح أقل من عين نملة ، والكلمات ما عادت فوق مستوى عين المعنى .
خذ تفاحة مثلا فانها تشعرك بالعدم ، لأن جدنا كان غبيا جدا ، بينما امتطى ( نيوتن ) تفاحته ليكون في قلب الحدث ، وبلا نهاية يكون انتصارنا مثل خروج ( النيارتندال ) من كهفه ، أو مثل طبيعة ذكية بأكف عمياء .
3 --
الشمس ترتجف حين تهبط على ضفاف الحقيقة ، تقبل من صيف الأعاصير ، لا شيء يحد الرحيل ، بينما أقمارنا تنحدر إلى ذبول أكثر اسودادا من حلم بلا قدمين يسير الى حتفه ، والظل وحده يمشي إلى مداراته الموحشة . . .
وكانت بلاغته نعاس شجرة فوق صدر الحديقة ، وكنت كلما اقترب منه يلفني بحشرجاته ، وقراصنته تنهب ما تبقى لي من رؤية الى الكلية الكونية .
3 --
الايام تتلو نشيد الابدية ،
الايام بلا رأس ،
الايام بذنب طويل ، يلتف حول عنق الحاضر .
الايام مركب مسافر الى عدمه ،
ركبنا زاوية الانحدار الى نهار يصفق لنهار ، يعلق نظرته بالمطلق ، فينبثق تيهنا في صحارى المكان ، هاهو الآن آت ، على مركب لغة تتطاير من عينيها الفؤوس والسيوف والسهام ، ونحن نغوص في مصيرنا المغطى بالغرابة والطحالب ، نحاول ان نصل الى الطرق المسكونة بالتناهي . . . نبحث عن الحدس في عمق لا جدوى فيه
4 --
يجب علي أن احرف الحقيقة كما فعل " روكنتان " وان اسبح في ماهيتي ، بعيدا عن العدم ، علي ان أمجد أخطائي واتعاطف معها ، لا ان أعاملها بقسوة وغباء ، الى ان اعبر الى زاوية اخرى من الروح ، ما دام القرف يتعامل معي بخشونة ، أنا السابح بفضاء الهذيان الوجودي، بفضاء من جنون أزرق ، بفضاء من شعلة أوقظها حيثما اشاء ، لتتكلس اللحظات فوق انين الحدس . . .
ها هم الزائدون عن الحاجة يتحاورون مع الكلاب ، ولا يفقهون أن بنات نعش حزينات لان درب التبانة غير معبد كي يصلن الى أحلامهن ، لايفقهون أن مجنونا واحدا يلبس خوذة التعقل ، أكثر جنونا من آلاف المشعوذين المجانين . . .
غاليلو . . . اين انت ياحبيبي غاليلو !!!
حين رأيتك جن جنوني ، وانت تقبض العدم من لوزته لتطرحه ارضا ، عندما كان المشعوذون ثيران نواعير يدورون حول اوهامهم ، كنت تقول للسماء ان تنزل في أرضك ، للكواكب ان ترقص في فلك دورانك ، لمفترقات الطرق ان تقلق ، كي تعامل الحقيقة مثل ذات ، تطل من نوافذ الطبيعة الواسعة ، حيث لا ضباب يحيط جنائنك ، ولا اوهام ترتفع لتصدم صخرة المعنى ، المعنى المشع بالحقيقة ، الحقيقة القادمة من اللا متناهي ، أهي حقا من اللامتناهي .
5 --
جغرافية الجسد ، ترتطم بخفة العري ، هل يتوقف الزمن عند نقطة لا اسم لها ؟؟ لا جهة له ؟؟ لا موعد لها ؟؟
دمك يعكر الموسيقى ، جسدك ليس جسدك ، ظلاله المرئية هي التي تتكلم ، ظلالك جغرافية الجسد ، وانت لا تشبه ظلال حياتك ، وايقاعك يصنع وجودك . . .
( أي غثيان هذا !!!!!!!!!! )
بقع سوداء تتطاير من رأسي ،
اسطرلابات لقياس القلق تمتد من السماء الى الارض ، أنظر الى الشاطىء المحاذي لكينونتي ، ينبثق منه العدم بجناحين يظللان العالم ، شحنات منبثقة من الذات المتسامية ، تحاول ان تتحد مع الابدية .
6 --
من خشب افكاره بنى مدنا ومتاريس ، بنى صيفا محفوفا بالامل ، تقلقه قوة اللاشيء ، خذ دورقك وارحل ايها الخيميائي ، الى مدنك ومتاريسك ، الى ايام لا تفصح عن بلاغتها ، ما عادت الارض تنام في كفي عفريت ، لقد طالت اظافر الانتظار ، وما في ذاتك يموء باللاجدوى لذكرى سماء مهجورة ، خذ رغباتك ، فالرغبة حصان جامح عليك ان تروضه ، هذه هي حكمة الحياة ، حين يكون القلق منتجا ، والنوافذ تقرأ عدمك .
عبد المنعم القريشي
النجف
حزيران 2017