"كلاسيكية تعليم المكفوفين في العراق"
بقلم: حسن سعيد الموسوي.
يعاني تعليم المكفوفين في العراق من تخلف مفرط، يشمل كافة نواحيه، فالطرق المستخدمة للتعليم قديمة جداً لم تعُد تتناسب مع روح العصر وتطوره.
فعلى سبيل المثال لا تزال طريقة برايل تُدَرَّس باستخدام اللوحة والقلم مما يتوجب على المكفوف حفظ شكل الحرف عند القراءة وشكله عند الكتابة لأنَّ استخدام اللوحة والقلم في كتابة الحروف بطريقة برايل يتم بكتابة الحرف من اليمين الى اليسار ثُمَّ تُقلَب الورقة لِتُقرأ من اليسار الى اليمين، في حين دول العالم -حتى المتخلفة منها- تستعمل الطابعات في تعليم طريقة برايل والدول المتطورة تستخدم أجهزة رقمية تشبه الطابعات الاعتيادية في طباعة كتب المكفوفين، حيث تكتب ما تريده في الحاسوب بواسطة برنامج word أو text ثُمَّ تعطي إيعاز الطباعة وتنتظر قليلاً تخرج لك ورقة مطبوعة بطريقة برايل تحتوي الكتابة التي كتبتها في الحاسوب، هذا فضلاً عن كَون أكثر الدول قد حدَّت مِن الاعتماد على الطريقة المذكورة واستبدلتها بكتب مُسجَّلة يقرؤها المكفوفون بالسمع.
مِن جانبٍ آخر، لا يزال تعليم المكفوفين في العراق يخلو مِن استخدام وسائل الإيضاح، فتدريس الرياضيات للمكفوف يقتصر على تعليمه حساب الأرقام والعمليات الأساسية الأربعة (جمع، طرح، ضرب، قسمة.) ، ولا يتعلم الكفيف الأشكال الهندسية مع أنَّها مفيدة لهُ في أداء بعض الأمور، حتى تعليم الحساب يتم بلا وسائل إيضاح فالمعلم يسرد العملية على التلاميذ ويطلب منهم حفظها دون أن يعطيهم أشياء توضح لهم، ولا بُدَّ مِن الإشارة الى أنَّ السِت إسراء مُطْلَك -معلِّمة الرياضيات التي درَّستني في الصف الأول- الابتدائي قد استعملت وسائل الإيضاح في تعليمنا العمليات الحسابية .. حيث استخدمت الأقلام الفارغة وأعواد الثقاب المستهلكة في تعليمنا، كذلك استخدم الأستاذ المرحوم وضّاح -مُعلِّم الرياضيات في الصف السادس الابتدائي- وسائل إيضاح في تعليمنا الأشكال الهندسية .. حيث عملها من قِطع الكرتون.
وفي مادة اللغة الإنجليزية، ما زال المعلم يردد الكلمات والجُمَل على الطُلّاب وهم يكررون قوله، لذلك تجد أغلب المكفوفين متدنّي المستوى في اللغة الإنجليزية، في حين لو أننا اتبعنا أسلوباً مقارباً لما يتبعه المعلمون في مدارس المبصرين سنحصل على نتائج جيدة، اليوم يعتمد تدريس اللغات على النظر -أي جعل الطالب يرى الشيء ويقرأ إسمه فيحفظه- يمكننا استبدال النظر باللمس عند المكفوفين، فكما أنَّ المبصر يرى الشيء بعينه ويحفظ اسمه يمكن للكفيف لمس الشيء وحفظ اسمه، حيث على سبيل المثال يمكن جعل المكفوف حفظ اسم الْقِطَّة بالانجليزية بجعله يقرأ اسمها في الكتاب -cat- ثُمَّ يلمس مجسم على شكلها، وهكذا في حال إذا أراد تعلُّم لغة أخرى.
أما مادة العلوم فالمفترض اعطاء المكفوف وسائل ايضاح على الشكل المراد تعليمه إيّاه، كَإعطائه مجسمات على أشكال الفواكه والخضروات وأعضاء الجسم والحيوانات وغيرها، للأسف هذا لا يحدث حالياً في العراق، مع ذلك كان الرائد في هذا المجال الأستاذ المبدع طاها محمد عطية عليه رحمةُ الله، كان معلِّم العلوم للصفوف الثالث والرابع والخامس الابتدائي .. كان يُحضِر معه أشياء عن الموضوع الذي يريد شرحه لنا ويجعلنا نمسكها كي نحفظها.
أبعد من ذلك، في تعليم الجغرافيا اليوم المكفوف يدرس الخرائط بأشكالها البارزة ويتعلم التضاريس بمجسمات تشبهها، رغم انعدام هكذا وسائل إيضاح في العراق لكنَّ الأستاذة سندس إسماعيل كانت تستعمل خرائط مصنوعة من الورق المقوى في تدريسنا مادة الجغرافيا أيام السادس الابتدائي في معهد النور في بغداد.
حتى الرسم صارَ بإمكان الكفيف ممارسته باستخدام أوراق خاصة مصنوعة من البلاستيك الخفيف مع قطعة من الإسفنج المضغوط، حيث تثبت الورقة على قطعة الإسفنج ويتم حفر الشكل المراد رسمه باستخدام أقلام كتابة برايل أو أقلام جاف فارغة، رغم عدم تدريس الرسم للمكفوفين في العراق .. إلّا إنَّ الست إسراء مُطْلَك درَّستْنا إيّاه في الصف السادس وهي التي علمتنا الطريقة التي شرحْتُها لكم آنفاً.
هذا فضلاً عن انعدام تدريس الرياضة وتقريباً انعدام تدريس الموسيقى في مَعاهِد تعليم المكفوفين، أما تعليم الحاسوب فلا تدرِّسهُ معظم المَعاهِد المذكورة .. وفي المنظمات التي تُدرِّسه تستعمل الطريقة الكلاسيكية حيث يجب على الكفيف استخدام القائمة في العمليات التي يجريها على الحاسوب، بينما المفروض تعليمه تلك العمليات بواسطة الاختصارات توفيراً للجُهد والوقت.