العثور على مخبأ سري لحيتان مهددة بالانقراض
كشف علماء عن لجوء حيتان من نوع "الحوت مقوس الرأس" إلى مخبأ سري بالقرب من جزيرة غرينلاند.
ومن شأن اكتشاف مثل هذا المكان إدخال السرور على قلبك إذا كنت تشعر بالتقدير تجاه تلك الكائنات المهددة بالانقراض، وهي من بين أضخم المخلوقات على سطح الأرض.
وقد عثر العلماء، بطريق الصدفة، على ذلك المخبأ الذي تستخدمه الحيتان مقوسة الرأس أو الحيتان القطبية كما يسميها البعض.
وصار هذا الملاذ، الواقع في جزءا يتعذر الوصول إليه في بحر غرينلاند، ومأوى لهذا النوع من الحيتان؛ التي تعد من بين أنواع الكائنات المهددة بشدة بالانقراض على ظهر كوكبنا.
ومن المعتقد أن أكثر من 100 من تلك الحيتان تحتمي بهذا المكان الذي صار ملاذا يمكن أن يساعد على ازدياد أعدادها من جديد، بعد قرون طويلة تعرضت فيها للصيد.
ويصل طول الحوت الواحد من هذا النوع إلى 20 مترا، ويمكن أن يبلغ وزنه قرابة 75 طنا، ويعتقد الكثيرون أن فمه هو الأضخم مقارنة بأي حيوان آخر على وجه الأرض. وقد اعتادت هذه الكائنات العيش في أربع مجموعات رئيسية تتوزع في أنحاء مختلفة من العالم.
المصير الذي كانت تلقاه عادة الحيتان مقوسة الرأس بعد صيدها
وشكّلَ بحرا غرينلاند وبارنتس؛ تحديدا حول أرخبيل سفالبارد وهو جزء من النرويج، مأوى كبرى هذه المجموعات من الحيتان، بتعداد قُدِّرَ بنحو 52 ألف حوت.
ولم تبدأ عمليات صيد الحيتان لأغراض تجارية على سواحل جزيرة سبيتسبرغن؛ كبرى جزر هذا الأرخبيل، سوى قبيل حلول عام 1611.
وبحلول عام 1911، توقفت هذه العمليات. فخلال قرون الصيد الثلاثة، قُتِلَ عدد كبير للغاية من الحيتان، مما جعل العدد المتبقي منها محدوداً بشدة، وهو ما يجعل الاستمرار في عمليات الصيد أمرا بلا جدوى اقتصادية على الإطلاق.
ورغم تلك الحماية التي تحظى بها الحيتان مقوسة الرأس منذ أكثر من 100 عام، فإنه لم يبد أي مؤشر واضح على أن أعدادها في سبيلها للعودة إلى المستويات التي كانت عليها من قبل.
ومن المعتقد أن عدد الحيتان التي نجت من عمليات الصيد ولا تزال تعيش في هذه المنطقة، لا يتجاوز بضع عشرات. وقد أدرج الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة والموارد الطبيعية الحيتان التي تقطن تلك المنطقة على قائمته الحمراء باعتبارها كائنات مهددة بالانقراض بشدة.
تبحث الحيتان مقوسة الرأس عن فرائس لها من نوع "مجدافيات الأرجل" تحت الماء
رغم ذلك، وكما أفاد علماء في دورية "بولار بيولوجي"؛ فقد رُصِدَ وجود الحيتان مقوسة الرأس بوتيرة متزايدة على مدى الأعوام العشرين الماضية في بحر غرينلاند، وكذلك في المياه القريبة من ساحل محمية "نورث إيست غرينلاند" الطبيعية الواقعة هناك كذلك.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان السبب في ذلك يعود إلى تزايد عدد الحيتان بالفعل، أو إلى زيادة عدد من باتوا ينخرطون بنشاط في مراقبة حركتها في عرض البحر. ومن بين التعقيدات الإضافية في هذا الشأن، الصعوبة التي تكتنف إحصاء عدد الحيتان مقوسة الرأس.
ففي فصل الصيف، الذي يشهد عادة إجراء غالبية الأبحاث والدراسات، تتشتت تجمعات الحيتان من هذا النوع. وقد كشفت عملية رصد وتعقب جرت مؤخرا لحوت من ذلك النوع باستخدام الأقمار الصناعية عن أنه يتحرك ما بين مأوى يلوذ به في الشتاء إلى الغرب من جزيرة سبيتسبرغن إلى آخر يحتمي به في الصيف على ساحل منطقة "إيست غرينلاند"، ويقع على بعد نحو 700 كيلومتر إلى الجنوب من منطقة إقامته الشتوية.
وتنقل دورية "بولار بيولوجي" عن دافيد بوريتمان الباحث بمركز أبحاث القطب الشمالي التابع لجامعة آرهوس الدنماركية قوله إن صيادي الحيتان خلال القرون الماضية كانوا على علم بمثل هذه التحركات، وأطلقوا على هاتين البقعتين اسميّ "منطقة صيد الحيتان الشمالية" و"منطقة صيد الحيتان الجنوبية" على الترتيب.
كان مؤلفو الكتب يطلقون على الحيتان مقوسة الرأس اسم الحيتان القطبية الضخمة
لكن كان مثيرا العلم بأن بعض الحيتان اعتادت الفرار من صياديها، والتفرق خلال فصل الربيع مُستترةً بالكتل الجليدية الضخمة الطافية قرب ساحل محمية "نورث إيست غرينلاند". ولم يكن بمقدور الصيادين تعقب الحيتان والوصول إلى تلك المنطقة، التي لم يكن واضحا مدى أهميتها بالنسبة للحيتان.
رغم ذلك، فقد أظهرت بقايا أثرية أن شعب الاسكيمو اصطاد الحيتان مقوسة الرأس على طول ذلك الساحل في القرن الخامس عشر.
أما الآن، فقد أظهرت دراسة أجراها دافيد بوريتمان وزملاؤه - من الباحثين العاملين في معهد غرينلاند للموارد الطبيعية بمدينة نوك عاصمة غرينلاند وفي العاصمة الدنماركية كوبنهاغن- أن تلك المنطقة تشكل ملاذا لم يكن معروفا من قبل للحيتان مقوسة الرأس.
وقد توصل الباحثون إلى هذا الاكتشاف بمحض الصدفة خلال إجراء عمليات مسح جوي لتجمعات حيوانات بحرية تعرف باسم "فقمة البحر".
فمن أجل تحديد مواقع هذه الحيوانات، استقل القائمون على عمليات المسح تلك طائرة جابت الأجواء فوق مساحة واسعة من مياه المحيط المفتوحة التي تحيطها الكتل الجليدية من كل جانب، تندرج في إطار ما يعرفه الباحثون باسم "المناطق البحرية الخالية من الجليد".
وكان أمرا مثيرا للدهشة بالنسبة لهم أن رأوا عددا من الحيتان مقوسة الرأس وهي تسبح في هذه المنطقة.
ثمة عقبات على طريق عودة أعداد الحيتان مقوسة الرأس إلى مستوياتها السابقة
واعتمادا على مشاهدات هؤلاء الباحثين كان بوسعهم استنتاج أن عدد الحيتان التي تحتمي بتلك المنطقة قد يفوق 100 حوت.
وقال الباحثون في هذا الشأن: "يشكل ذلك (التجمع) أوفر عدد من الحيتان مقوسة الرأس يُرصد في بحر غرينلاند منذ الحقبة التي كانت تجري فيها عمليات الصيد خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر".
ويقع هذا الملاذ في واحدة من أكثر مناطق بحر غرينلاند من حيث ضحالة عمق المياه، إذ لا يتجاوز العمق هناك 300 متر، وهو ما يعني أن بمقدور الحيتان الغوص بسهولة لاصطياد فرائسها من القشريات صغيرة الحجم.
وكتب الباحثون في دورية "بولار بيولوجي" قائلين إن هذه المنطقة البحرية الخالية من الكتل الجليدية ربما كانت تشكل "مأوى صيفياً للحيتان مقوسة الرأس خلال حقبة الصيد، بالنظر إلى أنه كان يتعذر على سفن الصيد – عموما - الوصول إلى ساحل (منطقة) إيست غرينلاند نظرا لوجود الكتل الجليدية" الطافية بجواره.
وأضافوا أن هذه المنطقة تشكل اليوم "بكل تأكيد؛ محل اهتمام خاص" من قبل المعنيين بالحفاظ على هذه الكائنات. وربما تشكل الدراسة التي أجراها هؤلاء الباحثون دليلا على أن أعداد الحيتان مقوسة الرأس في ازدياد.
ربما توفر بقايا الحيتان النافقة أدلة ومؤشرات على ما مر بها في الماضي
وبحسب الباحثين المشاركين في تلك الدراسة؛ فإن الاكتشاف الجديد ربما يجدد الأمل بالنسبة لإمكانية تزايد أعداد مجموعة الحيتان مقوسة الرأس التي تعيش على سواحل جزيرة سبيتسبرغن، وهي المجموعة "التي لم تبد حتى الآن مؤشرات حاسمة تفيد بأن عددها يعود إلى مستواه الطبيعي، رغم أنها محمية من عمليات الصيد منذ أكثر من مئة عام".
رغم ذلك يحذر الباحثون من وجود خطط يتعلق بعضها بالتنقيب عن النفط في بحر غرينلاند قبالة سواحل هذه المنطقة، ويتصل البعض الأخر بعملياتٍ لشحن خام الزنك، الذي عُثر عليه في منطقة "نورث غرينلاند".
لذا فإن ثمة حاجة لإجراء مزيد من الدراسات حول الحيتان مقوسة الرأس التي تعيش في تلك المنطقة، للتعرف على الأثر الذي يحتمل أن تخلفه مثل هذه الخطط عليها.