بعد ان قررنا العودة الى محافظة البصرة .. قدمنا انا واخوتي لتهيئة المكان
جلبنا معنا بعض الاغراض البسيطة وقضينا اكثر من اسبوعين في ترتيب المكان لأن البيت كان بحاجة الى الترميم قبل السكن فيه .. كان الجو شتاءً وباردا جدا، كان معنا مدفئة نفطية ولم نكن نعلم بان المدفئة فارغة من النفط إلا بعد ان انطفئت تلقائيا، بعد فترة قليلة من اشتغالها .. لم يكن الوقت مناسبا لسؤال الاقارب عن النفط او شراءه لان الساعة اصبحت قرابة العاشرة ليلا.. نظرنا الى بعضنا انا واخوتي بأبتسامة تذمر وقررنا ان نقي انفسنا قساوة البرد بالتحاف الاغطية حتى يصبح الصباح
وفي تلك اللحظة انقطع التيار الكهربائي ايضا .. فأصبحت الاجواء مزرية، ظلام دامس وبرد قارس .. وما ان انتهينا عن الكلام وعم المكان الهدوء حاولنا ان نغمض اجفاننا معانقين اغطيتنا بلهفة
واذا بجوالي يرن .. ليبدد الصمت الذي كان يقطع انفاس المكان وينتفض ليبعث النور والامل في ظلام الغرفة ..
من المتصل..؟
لعله احد الذين يعملون في ترميم بيتنا، يريد الاعتذار عن العمل غدا ..
او ربما صديق افتقدني ... كلا ... أنها والدتي ..
قلتُ انها والدتي فأنتصبنا انا واخوتي جالسين، لعل امرا ما قد حدث هناك، السبب الذي جعلها تتصل في هذا الوقت..
نعم امي تفضلي .. ما الامر
قالت .. لا شيء اردت فقط ان أسأل عن احوالكم
نحن بخير والحمد لله .. سكتت قليلا ثم قالت الجو بارد في البصرة ايضاً؟
قلت نعم بارد جدا .. لم تنتظر لأنهي كلامي فسألت (عندكم نفط)؟
تعجبت من سؤالها عن النفط تحديدا .. لانه كان حديث اللحظة بيني وبين اخوتي..!!
ولأني اعلم اي قلق سينتابها اذا اخبرتها الحقيقة .. اجبتها بنعم
بعد القليل من الصمت قالت (قلبي يقول لي أنكم بردانين)
لا ادري اي شعور أنتابني في تلك اللحظة .. كيف علمِت بالامر.. من اخبرها ان اليوم وفي هذه اليلة تحديدا، بل وقبل دقائق نفد النفط من المدفئة.. واصبحنا نشعر بالبرد
شعرت انني اتكلم بصوت غير مسموع .. اقول اه يا قلبك امي .. لكن لساني لا ينطق بها
كل ما اتذكره انني اقنعتها بأن الامور كلها على ما يرام والمدفئة تعمل .. والغرفة دافئة ..
فعلا اصبحت الغرفة دافئة بعد ان حضرتنا انفاس والدتي
عدنا الى اغطيتنا وكأننا نشم حنانها ونلتحف قلبها العظيم
الشعور بوجودها ملأ المكان بالدفء .. ومنحنا شحنة كبيرة من القوة والثقة والاطمئنان ...
تحية اجلال واكبار وتقديس لكل النساء اللواتي يحملن قلباً كقلب أمي
العالم يسمو بأمرأة كأمي
تُكلل الحياة بالسلام والامان .. بعطف وحنان أمي
أمي .. أمرأة فوق التصنيف ...
بقلمي ..