سبل الوقاية من الأمراض الغذائية
كثيرة هي الأغذية، التي تسبب أمراضاً عديدة. وحسب الاحصاءات الامريكية فإن نحو 76 مليون امريكي يصابون سنوياً، نتيجة تناولهم غذاء ملوثاً، يدخل 350 الفاً منهم المستشفيات، بينما يموت خمسة آلاف بسببها.
فكيف يمكن الوقاية من هذه الأمراض؟
وقبل الاجابة عن هذا السؤال علينا معرفة أن تشخيص الأمراض الناتجة من الغذاء يحتاج الى عملية استكشاف واسعة. وغالباً ما يلجأ الطبيب الى فحص عينة من غائط المصاب في المختبر. وتحتاج زراعة العينة الى عدة أيام قبل أن يتعرف العاملون في المختبر على الميكروب المسبب للاصابة. كما ينبغي رصد الغذاء الملوث، والبحث عن مصدره، انطلاقاً من المطبخ رجوعاً الى الحقل الذي زرعت فيه النباتات الغذائية أو الأشجار المثمرة.
المجموعات الميكروبية
قدر خبراء التغذية أن هناك أكثر من 200 ميكروب من الميكروبات المختلفة التي يحملها الغذاء. ويصبح أي واحد منها مهماً جداً اذا وقع الانسان ضحية له. وركزوا على الأنواع الاكثر شيوعاً وخطورة وهي:
البكتيريا القولونية
بكتيريا الإيشيرشيا القولونية "Escherichia coli" المعروفة اختصارا ببكتيريا إي كولاي "E. coli": هي من أكثر أنواع البكتيريا التي توجد في قولون الإنسان. وعلى الرغم من أن الإنسان يتعايش مع "إي كولاي" الخاصة به -ما دامت كانت موجودة في موضعها المخصص لها- فإن هناك أربع مجموعات من بكتيريا "إي كولاي"، التي تعتبر غريبة على الجسم، وتتسبب في حدوث الأمراض التي يحملها الغذاء.
مجموعة البكتيريا المسؤولة عن "إسهال المسافرين" "ETEC group": وتنتشر هذه البكتيريا عندما يتلوث الماء والغذاء بالبراز البشري. وأهم الأعراض الناجمة عن الإصابة بها هي الإسهال المائي المصحوب غالبا بالتقلصات المعوية، وفي بعض الأحيان بارتفاع طفيف في درجة الحرارة. وتنحسر الأعراض بعد يومين إلى أربعة أيام، لكن تناول المضادات الحيوية يقلل فترة الأعراض. ولا تظهر عدوى هذه المجموعة من بكتيريا "إي كولاي" بشكل شائع في الدول المتقدمة.
مجموعة الزحار: يتسبب أعضاء مجموعة "EIEC group" في ظهور مرض أشد يسمى الزحار العصَوي "bacillary dysentery". وتشمل أعراض الإصابة به الإسهال المصحوب بالدم والمخاط، القيء، التقلصات والحمى. وتزول الأعراض خلال أيام، وليس هناك حاجة إلى تناول المضادات الحيوية.
مجموعة إسهال الأطفال: وتعرف علمياً باسم "EPEC group".
مجموعة "إي كولاي" الخطرة: وهي مجموعة "EHEC group" الكبيرة الخطرة من بكتيريا "إي كولاي"، التي تتناقل الأنباء عن التسمم بها في الدول المتقدمة أيضا. وتتسبب هذه المجموعة في مشكلات كبرى، لأن البكتيريا الرئيسية في هذه المجموعة هي من سلالة "أو 157:إتش 7" (O157:H7 strain). ومثلها مثل سلالات مجموعات "إي كولاي"، فإن هذه البكتيريا تعيش في أحشاء الحيوانات، خصوصا الماشية. ويمكن لعدواها الانتقال من خلال لحم البقر الملوث، وخصوصا قطع الهمبرغر غير المطهوة، ومن خلال الحليب غير المبستر والخضروات والفواكه الملوثة بسماد براز البقر.
وترصد نحو 100 ألف حالة إصابة بها سنويا في الولايات المتحدة بسبب تلوث عدة أنواع من الغذاء بالبكتيريا، ابتداء بالهمبرغر ومرورا بعصير التفاح غير المبستر، وانتهاء بالسبانخ والقنبيط الصغير. ويكون الإسهال مائيا في البداية، لكنه يصير مصحوبا بالدم في الحالات الشديدة. وتكون التقلصات شديدة، ولا يظهر ارتفاع ملموس في درجة الحرارة. ويشفى أغلب المصابين خلال 5 إلى 10 أيام، إلا أن حالات من "متلازمة التحلل الدموي البولي" (hemolytic uremic syndrome) (HUS)، القاتلة أحيانا، تظهر لدى ما بين 5 و15 في المائة منهم. ويكون الأطفال وكبار السن مهددين أكثر من غيرهم من هذه المتلازمة التي تقود إلى الفشل الكلوي، وتدني عدد خلايا الدم الحمراء والصفائح الدموية. ويعتقد العلماء أن تناول المضادات الحيوية والأدوية المضادة للإسهال يزيد من خطر هذه المتلازمة، ولذا ينبغي عدم تناول هذه الأدوية من قبل الأشخاص الذين يشك في أنهم مصابون ببكتيريا "إي كولاي" المسببة للإسهال.
السالمونيلا
تتسبب إحدى سلالات بكتيريا السالمونيلا في حمى التيفوئيد "typhoid fever"، وهي عدوى خطيرة تنتشر عندما يتلوث الماء أو الغذاء ببراز شخص مصاب بها.
إلا أن مجموعة أخرى من "السالمونيلا" تحيا في أحشاء الكثير من الحيوانات، ومنها الطيور الدواجن، والخنازير، والماشية. وتظهر عدة ملايين من الإصابات بالسالمونيلا سنويا في الولايات المتحدة، يعود منشؤها إلى الفول السوداني الملوث، ونوع من الفلفل، والبيض، والدجاج، ولحم البقر، وأنواع أخرى من الأغذية. وأهم أعراض الإصابة هي الإسهال المصحوب أحيانا بالدم أو المخاط. ويشفى غالبية المصابين خلال 4 إلى 7 أيام. ولا تعطى المضادات الحيوية إلا في الحالات الشديدة لتجنيب المصابين أخطار المضاعفات.
بكتيريا الكمبليو
بكتيريا الكمبليو "Campylobacter" شائعة الانتشار، على الرغم من أن بكتيريا "إي كولاي" والسالمونيلا تأخذان نصيب الأسد من أنباء الإصابات. وهي تتسبب في ملايين الإصابات الغذائية في الولايات المتحدة سنويا. وتحيا هذه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة لغالبية الدجاج، كما توجد في الماشية وبعض الحيوانات الأخرى.
والدجاج غير المطهو جيدا هو المصدر الرئيسي للإصابة بها، وأهم أعراضها التقلصات المعوية، والحمى، والإسهال الغزير المصحوب بالدم أحيانا. ويشفى أغلب المصابين خلال 7 إلى 10 أيام، لكن يمكن عودة الإصابة مرة أخرى. وفي مقدور المضادات الحيوية تقليل فترة المرض.
الليستريا
على الرغم من أن العدوى ببكتيريا الليستريا "listeria" التي يحملها الغذاء، غير شائعة نسبيا، فإنها قد تكون عدوى خطيرة. وأنواع الطعام المسببة لها في الأغلب هي الحليب غير المبستر، والجبن الطري والأنواع الأخرى من الألبان، ويمكن أن تضاف إليها أيضا اللحوم والأغذية البحرية المعالجة صناعيا. وأهم أعراض الإصابة هي الإسهال المائي، القيء، والحمى التي تظهر خلال يومين إلى ثلاثة أيام من تناول الغذاء الملوث.
وعلى الرغم من شفاء غالبية المرضى بسرعة، فإن النساء الحوامل وكبار السن والمصابين بمرض السكري وذوي المناعة الضعيفة، يتعرضون لأخطار تهدد حياتهم، تشمل حدوث عدوى في الدم والتهاب السحايا وإسقاط الأجنة. ويصف الأطباء عادة مضادات حيوية للمصابين بليستريا الأحشاء.
النوروفيروس
النوروفيروس "norovirus" هو عدوى شائعة يحملها الغذاء، تتسبب في حالات وبائية أثناء الرحلات الجماعية، وفي المؤسسات الطبية والمدارس، وغيرها من التجمعات. وينتشر الفيروس عندما يتناول شخص ما الماء أو الطعام الملوثين بكميات قليلة من براز شخص مصاب بعدوى الفيروس. وأهم الأعراض: الغثيان، والقيء، والإسهال المائي. ويشفى أغلب المصابين خلال يوم إلى ثلاثة أيام، لكن جفاف الجسم قد يسبب المشكلات لهم. ولا تفيد المضادات الحيوية في مكافحة الفيروسات عادة.
وهناك قائمة طويلة من الميكروبات الأخرى التي تنتقل عبر الغذاء وتتسبب في العدوى. وتضم فيروسات: فيروس التهاب الكبد "إيه"hepatitis A الذي يلوث الغذاء البحري، وبكتيريا: "شيغيلا" (shigella)، أنواع فيبريو الحية "Vibrio species"، والأنواع الأخرى، وطفيليات: "جيارديا" (Giardia)، "سكلوسبورا" (Cyclospora)، والأنواع الأخرى، وحتى البريونات "prions"، المسببة لمرض جنون البقر من لحم البقر المصاب.
الوقاية الشخصية
إن العدوى التي ينقلها الغذاء الملوث ليست جديدة على الإنسان. ولذا، فإن الخطوات البسيطة اللازمة لوقاية الإنسان وأفراد عائلته معروفة. وفيما يلي تحديث لكل النصائح التي قدمها الوالدان في ماضي الزمان:
اختر أسواقاً ومطاعم جيدة السمعة، للتسوق منها أو تناول الطعام فيها.
اغسل يديك جيدا قبل تحضير الغذاء وبعده، وقبل تناول الطعام وبعده.
اغسل أغذيتك، ومنها الفواكه والخضروات والدجاج والسمك واللحوم. وجه دفقا قويا من الماء النقي لإزالة البكتيريا من سطح الغذاء واشطفه بالماء للتخلص من المواد الكيميائية عليه. والفواكه والخضروات الطازجة آمنة أكثر من مثيلاتها في حاويات مغلفة.
اغسل أواني المطبخ ولوحات تقطيع الغذاء بالماء والصابون.
استخدم أواني المطبخ لنوع واحد من الأغذية كل مرة، ثم اغسلها قبل أن تستعملها لنوع آخر من الأغذية، بهدف تقليل انتقال الميكروبات.
لا تتناول منتجات الألبان، أو العصائر، غير المبسترة أو اللحوم والدجاج غير المطهو. ويجب على الحوامل وذوي المناعة الضعيفة تجنب تناول السمك النيئ ومن ضمنه أكلة السوشي.
اطه طعامك بشكل جيد، واستعمل الميزان لقياس درجة حرارة باطنه. ويجب أن تصل درجة حرارة باطن اللحوم والدجاج إلى 165 درجة فهرنهايت (92 درجة مئوية تقريبا)، أو 180 درجة فهرنهايت (100 درجة مئوية) في الدجاجة الكاملة. واطه البيض حتى يصبح صفاره صلبا، ولا تتناول اللحم المطهو بشكل طفيف، أو البيض غير الصلب في المطاعم.
ضع الطعام في الثلاجة فورا خلال ساعتين، وغطّ الأغذية ولا تحتفظ ببقايا الطعام لأكثر من أيام قليلة. ولتذويب الغذاء المتجمد، ضعه في الثلاجة أو في فرن الميكروويف بدلا من وضعه في المطبخ.
سخن الطعام الحاضر مرة أخرى بشكل جيد جدا.
لا تتناول الطعام المشتبه في شكله أو رائحته أو طعمه.
أما المصابون بالأمراض التي يحملها الغذاء، فعليهم تناول الطعام في أطباق وأكواب وأدوات وحدهم، ويفضل أن تكون من تلك التي تستخدم لمرة واحدة. كما يجب تنظيف الحمام بعدهم بشكل جيد.
إسهال المسافرين
إسهال المسافرين واحد من المخاطر المعروفة للمسافرين الذين يزورون الدول النامية التي تعاني من تدني نظم النظافة الصحية. وفيما يلي بعض النصائح للوقاية من عدوى الجهاز الهضمي:
قبل تناول الطعام، اغسل يديك بالماء والصابون أو بمستحضرات الجل الكحولية.
تجنب تناول السلطة، الخضروات النيئة، والحليب والجبن غير المبسترة.
تناول الفواكه بعد غسلها جيدا في ماء نظيف، وبعد تقشيرها بيديك.
لا تتناول أي أطعمة غير مطهوة بشكل جيد. وتناول الطعام المطهو عندما يكون ساخنا جدا. واحذر من تناول الطعام من الباعة المتجولين.
تجنب الماء غير المغلي، وحاول غليه بنفسك. ويمكن الحصول على مرشحات (فلاتر) الماء والمواد المعقمة له في بعض الظروف، ولا تستعمل الثلج المصنوع من ماء غير مصفى. ولا تستعمل الماء غير المصفى لتفريش أسنانك. وعموما يمكن اعتبار السوائل المحفوظة في القناني والحاويات المقفولة بإحكام، وآمنة، وكذلك القهوة والشاي المصنوعين من ماء مغلي.
اسأل الطبيب ليصف لك أدوية من المضادات الحيوية لأخذها معك أثناء سفرك.
إشارة
أعدت هذه المادة بتصرف عن "رسالة هارفارد" التي تصدر عن جامعة "كامبرج" الامريكية.
دعواتكم الطيبه