عندما نتحدث عن الإبداع، قد نتطرق حينها إلى الكثير من السمات التي لابد وأن تتوفر في شيء أو شخص ما كي نطلق علىه “إبداعي” أو “مبدع”. وعلى الرغم من اختلافنا الحتمي حول تلك السمات إلا أننا سنتفق دومًا على أن كل شيء “إبداعي” وكل شخص “مبدع” هو فريد، مميز ومبتكر (بفتح الكاف وكسرها). بإمكان ما ومن يحمل هذه الصفات أن يغير منظورنا وإدراكنا تجاه عناصر وأمور اعتيادية تمامًا موجودة حولنا طيلة الوقت … فقط هو المبدع هو من يلتقطها من الهواء كالساحر، ويُحدث بها أمرًا ما و … ها أنت ذا بشيء مختلف لن تصدق أصله!
<
وهذا ما تفعله الألمانية “المبدعة” إلايزا سترويك Elisa Strozyk بأعمالها “الإبداعية” المدهشة التي تحمل اسم “المنسوجات الخشبية Wooden Textiles” والتي تدمج فيها الخشب التقليدي بالنسيج!
رؤية إلايزا العبقرية هنا تمنح الخشب خواصًا عضوية يبدو معه حيًا، وتحوله إلى نسيج مرن ذي حركات وانحناءات لا تتكرر ولا يمكنك التنبؤ بها! ومع تلك الحركات و”الإنكسارات” تتولد ألوان جديدة وزوايا رؤية لم تكن موجودة؛ وهو استغلال مدهش كما ترون لمواد تقليدية مملة في ملمسها ومظهرها في السابق … فقط مع لمسة إلايزا الإبداعية ينقلب الأمر إلى مستوى آخر تمامًا.
يتمثل الهدف من المنسوجات الخشبية في منح المتفاعل معها تجربة حسية جديدة، بعدما اعتدنا النظر إلى الخشب والتعامل معه باعتباره مادة صلبة غير لينة. نحن نعلم جيدًا شعور السير على أرضية خشبية صلبة، أو لمس منضدة أو تحسس اللحاء الخارجي لشجرة؛ لكننا لم نخبر من قبل ملمسًا خشبيًا يلين بين أصابعك.
ومع تأمل صور أعمال إلايزا العديدة هنا، يمكننا القول بأنها ابتكرت ما يشبه “حالة” جديدة لمادتي الخشب والقماش معًا، حالة تجمع بين الجمود والمرونة، بين القساوة واللين في مادة قد تبدو رائحتها مألوفة لنا، لكن ملمسها غريب وردود فعلها غير متوقعة. إلايزا تنقل الأمر لجانب فلسفي آخر يستحق التأمل هنا …
عالم اليوم غير مادي باضطراد، وقد اعتدنا كتابة الرسائل الإلكترونية بدلًا من الخطابات التقليدية الورقية بالإضافة إلى التسوق الإلكتروني، تحميل الأغاني والموسيقى والنقر على الأزرار الافتراضية على شاشات اللمس. صرنا نعيش في مجتمع افتراضي من الصور ضمن ثقافة مرئية مليئة بالألوان والإعلانات والتلفاز والانترنت. هكذا، لم يعد بإمكاننا التمتع بلمس الكثير من الأشياء الرائعة كما كانت في الماضي، ولهذا فبتقديم أسطح مادية يمكنك تلمسها والشعور بها سيمكننا التواصل مجددًا مع العالم الفيزيائي من حولنا مما يعزز من القيمة العاطفية لما نملكه وما يحيط بنا.
بالرغم من تعقيد العملية التي تلجأ لها إلايزا لصنع تلك المنسوجات الخشبية، إلا أنه يمكننا اختزالها إلى “تكسير” أو “تفتيت” الخشب المصقول أو غير المشذب حسب الحاجة إلى قطع مثلثة ثم خياطتها إلى أرضية من النسيج. وبناءً على حجم وشكل وملمس كل قطعة خشبية، سيتغير لون ومظهر ومرونة المنسوجة بالكامل مع كل ثنية أو طية لها، مما يجعل التعامل معها ممتعًا طيلة الوقت. وكما ترون في الصور، يمكن أن تتخذ المنسوجات الخشبية أشكالًا كثيرة مثل السجاد، البُسط القصيرة، أغطية الأثاث، الخزانات، مواد التنجيد، وحتى الملابس والألحفة وقطع الأثاث.
<