منذ فترة طويلة، في أبريل من عام 1862م وخلال الحرب الأهلية الأمريكية، تعرض قوة من الجنود تُسمى “جيش تينيسي” بقيادة اللواء “يوليسيس جرانت” إلى هجوم مباغت من جيش الميسيسيبي الكونفدرالي بقيادة الجنرال “ألبرت سيدني جونستون” على الجانب الغربي من نهر تينيسي بينما كان يستريح الجنود في مخيم “بيتسبرغ لاندنج”.
استمرت المعركة الدامية مدة يومين تراجع بعدها الجيش الكونفدالي في نهاية الأمر. أدى القتال إلى مقتل أكثر من 3000 جندي وجرح ما يزيد عن 16 ألف آخرين! وبسبب المباغتة في المعركة، لم يكن هناك فريق طبي متخصص للإشراف على الجرحى في الجيش.
وعلى الرغم من وفاة العديد من الجرحى بسبب نقص المعدات الطبية، إلا أن أمرًا آخرًا مثيرًا للعجب حصل بعد ذلك! فبعد يومين من المعركة التي سُمِّيت “شيلوه” ، لاحظ الأطباء أن جروح العديد من الجنود كانت تتوهج بضوء خافت أخضر اللون ليلًا وتُشفى أسرع من غيرها!
كما أن الجنود ممن توهجت جروحهم كانوا يُشفوْن أسرع من الآخرين الذين لم تتوهج جروحهم. ما دفع الأطباء لإعطاء هذه الجروح المتوهجة لقب: “وهج الملاك”.
الجروح التي توهجت عانت من الالتهابات بشكلٍ أقل من الجروح التي لم تتوهج، كما أن سرعة شفائها كانت أكبر. وعلى الرغم من كثرة الخرافات حول هذه الظاهرة الغريبة، إلا أن مراهقيْن تمكنّا أخيرًا من حل هذا اللغز الغريب وإزالة الغموض عنه خلال العقد الماضي.
ما سر الجروح المتوهجة خلال الحرب الأهلية الأمريكية؟
بعد 140 عامًا تقريبًا على انتهاء المعركة، تم فك لغز هذه الظاهرة من قبل اثنين من الطلاب وهما: بيل مارتن، وجون كورتيس، وذلك خلال معرض العلوم عام 2001. مارتن حصل على الفكرة من والدته التي تعمل عالمة أحياء دقيقة في مجال البكتيريا المتوهجة في التربة.
بعدما قام مارتن بزيارة إلى موقع معركة شيلوه، سمع عن الجروح المتوهجة التي أثارت الريبة والغموض لعقود طويلة. وعند سؤال أمه التي تعمل في دائرة البحوث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية في بلتسفيل بولاية ماريلاند، أجابته بأن السبب قد يكون بكتيريا مُتوهجة تعيش في تربة المنطقة.
وخلال التجربة مع زميله كورتيس على مشرعهما البحثي، اكتشفا أن بكتيريا “P. luminescens” لا يُمكنها العيش في درجات حرارة جسم الإنسان الطبيعية. لكن وجدوا أن الجنود الذين أصيبوا خلال معركة شيلوه، عانوا من انخفاض في درجات حرارة الجسم بسبب ظروف الرطوبة وانتظار العلاج. ما يعني أن بكتيريا “P. luminescens” يُمكن أن تعيش في هذه الظروف.
بكتيريا “Photorhabdus luminescens” يُمكن أن تعيش داخل ديدان خيطية في الأوعية الدموية لها. فكل من الكائنيْن يعيشان بناءً على علاقة تكافلية بينهما. حيث تعيش البكتيريا داخل أمعاء الديدان الخيطية وتتغذى على المواد الغذائية فيها، بينما تتكفل البكتيريا بقتل كافة الكائنات الدقيقة الأخرى في أمعاء الدودة مقابل الغذاء.
وتعمل هذه البكتيريا المتوهجة كمضاد حيوي قوي ولها قدرة كبيرة على علاج الالتهابات. لهذا السبب، تمكن الجنود ممن كانت جروحهم تتوهج، من النجاة بسبب شفاء الجروح سريعًا على عكس الباقين ممن لم تتوهج جروحهم.
ويُمكن ببساطة أن تصل البكتيريا إلى الجروح بسبب الطين والأوساخ والشظايا الملوثة في مكان المعركة. إلى جانب درجات الحرارة المنخفضة في الليالي الباردة من أوائل شهر أبريل ما ساعد البكتيريا على التكاثر والبقاء.
وقد حصل كل من بيل مارتن وجون كورتيس على الجائزة الأولى في معرض إنتل الدولي للعلوم والهندسة لعام 2001، لتمكنهما من حل لغز كان لمدة طويلة سر غامض يعود للحرب الأهلية!