كثيرًا ما تشعر الأمهات بأنهن "أمنا الغولة" في نظر الأبناء، فحين تقول "لا" على أمر من الأمور، يُسارع الأب أو الجد أو الجدة أو أحد الأقارب بقول "نعم"، فهل تلعبين دور الشريرة أم هذا ما تستلزمه التربية؟!
يحاول الأب أحيانًا إن كان يغيب عن البيت كثيرًا لدواعي العمل أو السفر التقرب للصغار ببعض الدلال ويسعى لتلبية كافة طلباتهم وتنفيذ رغباتهم دون الرجوع للزوجة أو التشاور معها، فنجد الأبناء يذهبون مباشرة إلى والدهم لطلب أمر ما هم على يقين من رفض والدتهم إياه. وقد تشعر الزوجة بالغيرة من ذلك حيث يبدأ الشعور بأن أبناءها يفضّلون والدهم عليها يتسلل إليها شيئًا فشيئًا، فهي من تقف لهم بالمرصاد فتعنف هذا وتعاقب ذاك.
على الجهة الأخرى قد يكون الأب هو الأكثر حزمًا وشدة، بينما تكونين أنت شديدة الحنان ولا تستطيعين رفض أي طلب لهم، وفي بعض الأسر تجد للأب ابنًا مفضلًا يدللـه ولا يرفض له طلبًا وربما تكون الابنة أو الابن الأصغر، وللأم كذلك ابنًا آخر هو المفضل. ليتبادل الأبوان بينما دوري الطيب والشرير.
فرِّق تسُدْ
وقد يحدث الأمر بالتبادل عند الطلاق، إذ يسعى كل طرف إلى اجتذاب الأبناء نحوه وكيف السبيل إلى ذلك سوى بتكرار كلمة "نعم"، وقد يستغل الطفل ذلك الأمر للضغط على أحد الأبوين لتلبية رغباته، وإلا سيطلبها من الطرف الآخر. فيبدأ الأبناء في النظر إلى آبائهم من منطلق أنهم "مصباح علاء الدين" المنوط بتنفيذ رغباتهم وأحلامهم، وإلا يتحول في لحظة إلى "أمنا الغولة"!
أخطاء متوالية
والحقيقة أن تلك التصرفات هي عبارة عن سلسلة أخطاء تربوية متتالية، بل يجب أن يتوحد الأبوان في طريقة تربوية واحدة ووضع قواعد أساسية يرفض طلب الابن أو يقبل على أساسها دون تفرقة بين سلوك الأب والأم ودون تفرقة بين أحد الأبناء دون الآخر.
لا يجب أن يرى الأبناء أحد الأبوين على أنه الطيب وعلى أن الآخر هو الشرير الذي يصرخ فيه على الدوام، والحقيقة أن الأبوين قد يتسببان دون قصد في إفساد أطفالهم وغرس مفهوم التلاعب فيهم منذ الصغر فيتعلمون أساليب الضغط والمراوغة والتحايل لتحقيق مآربهم، فينشأ الأطفال على أن طلباتهم مجابة بشكل أو بآخر. وقد يضغط الأبناء عاطفيًا على آبائهم بقولهم مثلا: "أبي يحبني أكثر منك فهو لا يرفض لي طلباً" أو "أمي تستجيب لطلباتي دون إلحاح". فلا ترضخوا لهذا الابتزاز فهم يطبقون مبدأ فرق تسد ولكن بحسن نية.
الاحترام هو الحل!
يقول بينجامين سبوك في كتابه "عالم أفضل لأطفالنا": "أفضل الأطفال خلقًا هم من يحدد أولياء أمورهم المطلوب منهم بوضوح ويسعون لتحقيق ذلك بصورة ودية".
والاحترام هنا يعني احترام كل منكما للآخر ولدوره ولقراره وصورته أمام الأبناء، واحترام كليكما للأبناء ولمشاعرهم دون قسوة أو عصبية زائدة. على الأم والأب تكوين جبهة موحدة للتعامل مع الأبناء فتكون هناك قواعد محددة يتفق عليها فيما بينهم ولا يجوز الخروج عنها، وبذلك يستطيع الأبناء تكوين فكرة عن المقبول واللائق والمرفوض وغير اللائق خاصة في السن الصغير، أما حين يكبر الأبناء قليلاً عندئذ يمكنهم استيعاب أنه يجوز وجود اختلافات بين وجهات النظر ترجع إلى الاختلافات الشخصية في ظل أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب وليس في صورة أن الرأي المقدم منزه عن الخطأ. وحين يحاول الأبناء التحايل على هذه القواعد واللجوء للأب أو الأم للضغط على الطرف الآخر للموافقة على طلباتهم عندئذ على الأب أو الأم التعامل مع هذا الأمر بحنكة وإظهار الاحترام للطرف الآخر، فلا يجوز الحديث عنه بصورة غير لائقة أو التقليل من شأنه خاصة أمام الأبناء وعليه إبداء التفهم لدوافع الطرف الآخر ومحاولة نقلها للأبناء. ويمكن للأب والأم الجلوس مع الأبناء للتشاور وتقريب وجهات النظر وتقديم التفسيرات وراء الرفض.
فكما يقول أبراهام لينكون: "البيت المنقسم على ذاته يخرب".