خلال رحلة تربيتنا لأبنائنا، قد نقع في بعض الأخطاء، اعتقادًا منا أنها في مصلحة أبنائنا، وأننا ندافع عنهم ونحميهم، فنحن نريد أن نوفر لهم جميع سبل الراحة والأمان، فنتحمل مسؤولية كل شيء من حولهم، وقد نعفيهم من كثير من الالتزامات الواجبة عليهم، ظنًا منا أننا نخفف عنهم ونريحهم، ولكننا في الحقيقة نؤذيهم دون أن ندري.
عندما نهرع لننتزع من أطفالنا الأشياء خوفًا عليهم، أو ظنًا منا أنهم لن يستطيعوا حملها، أو لرغبتنا في إنجازها بأنفسنا بشكل أسرع، فإننا نوجه إليهم رسالة غير مباشرة بأنهم غير قادرين على المساعدة، وبأننا لا نثق في قدراتهم المحدودة، ولكن يجب أن نعطي أبناءنا الفرصة في تقديم المساعدة، ومدحهم والثناء عليهم عند محاولتهم لتقديم المساعدة أيًا كانت النتائج.
تؤكد الدراسات الحديثة أن الطفل يولد وداخله فطرة حب التعاون والمشاركة ومساعدة الغير، ولكن يجب تغذية هذه الفطرة وتنميتها كي ينشأ شخصًا إيجابيًا ومتعاونًا، وليس هناك أفضل من تكليفه بأداء مهام منزلية تناسب سنه وقدراته، لتعزيز ثقته في نفسه وإحساسه بالمسؤولية.
مع حلول العام الثاني من عمر طفلكِ، يكون قادرًا على التقاط الأشياء الخفيفة ونقلها إلى مكان قريب، يمكنكِ أن تطلبي منه أن يناولكِ الهاتف المحمول الخاص بكِ، أو أن يرمي بعض الأوراق في سلة المهملات، وبذلك تكتشفين مدى استجابته للأمور وتختبرين قدرته العقلية على الفهم في وقت مبكر.
ابدئي في تدريج المهام بما يتناسب مع سنه وقدراته البدنية، فمع بلوغ طفلكِ العام الرابع، يجب أن تكون له مهام واضحة ومحددة في المنزل، مثل ترتيب لسريره فور الاستيقاظ من النوم، ووضع الخضروات في الثلاجة، ووضع الغسيل في الغسالة، وهكذا.
كلما كبر طفلكِ يجب أن تزيد مسؤوليته ومشاركته في المنزل، سواءً كان صبيًا أو فتاة، والحقيقة أن كل تلك الأعمال المنزلية ما هي إلا فرصة لتطوير مهاراته المختلفة، إذ إنها تساعد على نمو عضلاته وتدعيمها، وتغذية إحساسه بالمسؤولية وثقته في نفسه، وقدرته على مساعدة الآخرين وإنجاز الأعمال.
من الضروري أن يكون لكل فرد في الأسرة دور في المشاركة في أعمال المنزل، كي يدرك طفلكِ منذ نعومة أظافره أن الحفاظ على نظام المنزل ونظافته لا يقتصر على الأم فقط، فهو مسؤولية جميع أفراد الأسرة.
يجب أن يشعر طفلكِ بالتقدير بعد أدائه لكل مهمة، اجعلي مكافأتكِ لطفلكِ معنوية وليست مكافأة مادية، مثل تقبيله أو مدحه وشكره، امدحي مجهوده أيًا كانت النتائج، إذ يجب ألا ينتظر مقابل لمشاركته، فهو فرد من أفراد الأسرة، التي تشارك جميعها في أعمال المنزل، ولكل فرد مسؤولياته ومهامه.
في النهاية، تذكري أنه كلما بدأتِ في تعويد طفلكِ على المشاركة في أعمال المنزل مبكرًا، ينعكس ذلك بشكل إيجابي على شخصيته في المستقبل ليكون شخصًا منظمًا ومسؤولًا، فكما قالوا قديمًا: "التعلم في الصغر، كالنقش على الحجر".