أكبر عشرة تحديات سيواجهها العالم بحلول عام 2050
تتلاحق التطورات في العالم في الوقت الحالي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، وبدأت بعض التحديات تلوح في الأفق، منها التعديل الجيني، وزيادة نسبة المسنين في المجتمعات، وارتفاع مستويات مياه البحار، وغير ذلك من التحديات. فما هي تبعات هذه التحديات على مجتمعاتنا في الثلاثين عاما المقبلة؟
منذ بضعة أشهر، يلقي موقع "بي بي سي فيوتشر" الضوء على بعض التحديات الكبرى التي يواجهها البشر في الوقت الراهن، مثل زيادة الضغط على الأراضي الصالحة للزراعة والبناء في ظل الانفجار السكاني، ومستقبل الطاقة النووية، والبون الشاسع بين الأثرياء والفقراء، والكثير من التحديات الأخرى.
لكن ماذا عن تلك التحديات التي يحملها لنا المستقبل في طياته؟ وما هي المشكلات التي ستتصدر اهتمامات العالم في السنوات الثلاثين المقبلة؟ ربما يكون التنبؤ بهذه التحديات مستحيلا، ولكننا نستطيع أن نستشفها من الطريقة التي ستتطور بها المشكلات التي بدأت تظهر على الساحة العلمية والتكنولوجية في الوقت الراهن. وسنعرض فيما يأتي بعضا من التحديات الكبرى التي قد يواجهها العالم مستقبلا.
1- التعديل الجيني للبشر
احتدم الجدل بين العلماء العام الماضي حول تقنية جديدة تتيح للعلماء تغيير الحمض النووي للبشر، وتسمى هذه التقنية (كريسبر) CRISPR، والتي ستسهم في القضاء على العوامل المسببة لبعض الأمراض مثل السرطان.
ربما يبدو هذا رائعا، ولكن ماذا سيحدث لو اتخذ الجدل منحى أخلاقيا، واستغلت التقنية في مشروع متغطرس لتحسين النسل يهدف إلى إنتاج أعداد لا حصر لها من الأطفال المصممة حسب الطلب، من خلال انتقاء الأجنة التي تنتج أطفالا يتحلون بقدر معين من الذكاء، أو بمواصفات بدنية معينة؟
ورغم أن هذه التقنية لم تستخدم على نطاق واسع بعد لكي نعتبرها من التحديات الكبرى في الوقت الراهن، إلا أنها تقنية واعدة وربما يجدر بنا الاستعداد لتبعاتها التي ستطال الكثير من المجالات، ولهذا السبب من المهم أن نضمن وجود العلماء والاخصائيين في مجال أخلاقيات البيولوجيا على طاولة التفاوض في كل معمل أو جامعة أو شركة تحاول بشتى الطرق أن تعدل الحمض النووي البشري.
يقول نيكولاس أغار، أستاذ الأخلاقيات بجامعة فيكتوريا بمدينة ويلينغتون في نيوزيلندا، لـ "بي بي سي فيوتشر ناو"، في وقت سابق من هذا العام: "قد ينفق الناس وقتا طويلا في التفكير في المحاولات التي يبذلونها للبقاء على قيد الحياة، وستثار تساؤلات عديدة عن الجوانب الأخلاقية التي تميزنا كبشر."
ويتابع: "ومن الصعب أن نخصص هذا الوقت للتفكير في الجوانب الأخلاقية في حين تشهد الساحة العلمية تطورات تكنولوجية سريعة ومتلاحقة".
2- ارتفاع نسبة المسنين بمعدلات غير مسبوقة
لن يواجه العالم مشكلة الانفجار السكاني فحسب، بل ارتفاع متوسط العمر المتوقع أكثر من أي وقت مضى. وبالتأكيد هذا الأمر إيجابي، ولكن جميع هؤلاء المسنين سيحتاجون إلى رعاية صحية.
وبحلول عام 2100، ستزيد أعداد المعمرين الذين تتجاوز أعمارهم 100 عام بمعدل يفوق 50 ضعفا، من 500 ألف معمر في الوقت الراهن إلى ما يزيد على 26 مليون معمر.
وستكثر المجتمعات التي يغلب عليها المسنون الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما، من المملكة المتحدة إلى اليابان والصين. وعلى مدار العقدين المقبلين، عندما يبدأ متوسط العمر المتوقع في الارتفاع، سنحتاج إلى تحسين الرعاية الصحية للمسنين، وتدرس اليابان جديا الاستعانة بأجهزة الروبوت للعناية بالمسنين.
ولعل من المفيد أيضا وضع سياسات للسماح بدخول أعداد أكبر من المهاجرين، لتعويض النقص في العاملين الشباب وزيادة نسبة العاملين المسنين، وفي بعض الحالات، تدني معدلات الولادة.
3- زوال بعض المدن
إن التغير الملموس في بعض الأماكن مثل مدينة ميامي يكشف عن مدى التغير الذي يطرأ على معالم المدن في القرن الحادي والعشرين. وبسبب ارتفاع مستويات البحار، تغمر المياه أجزاء من المدن تدريجيا، وباتت بعض المدن مهددة بالزوال.
وفي أعقاب التغير المناخي، لم يزد معدل تواتر وقوع الفيضانات فحسب، بل أثرت الأنماط المتغيرة للمناخ أيضا على تصميم المباني. وبالإضافة إلى إقامة المزيد من الجدران المائية ومصدات الأمواج، يشترط الآن في مدينة ميامي أن تكون الأدوار الأولى من المباني الجديدة أكثر ارتفاعا عن سطح الأرض. إلا أن جميع هذه التدابير مؤقتة، ولا توفر حلا جذريا للمشكلة.
فإذا استمرت مستويات البحار في الارتفاع، سنفقد لا محالة مساحات شاسعة من المدن والجزر والمناطق التي تقع في مستوى سطح الأرض، أو بالقرب منه، مثل بنغلاديش. وستضرر بعض المناطق من التداعيات الاقتصادية للتغير المناخي أكثر من غيرها، وستزداد أعداد لاجئي المناخ، الذين يفرون من المناطق التي ستتأثر بالكوارث الطبيعية.
وإذا أدى التغير المناخي إلى عمليات نزوح جماعي، سيزداد الضغط على المدن المكتظة بالفعل بالسكان، حتى تعجز بنيتها التحتية وخدماتها واقتصادها عن تلبية احتياجات السكان.
4- تطور مواقع التواصل الاجتماعي
منذ ما يزيد على نصف عقد من الزمان، أصبحت الطرق التي نتواصل بها مع الأخرين أكثر تعقيدا، بفضل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. ومن المتوقع أن يستمر الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي لوقت طويل، بعد أن بات أكثر الناس يعتمدون عليها كمصدر للأخبار. هذا قبل أن تظهر مشاكل التحرش عبر الإنترنت.
فكيف ستبدو مواقع التواصل الاجتماعي بعد 30 عاما، وما هي التهديدات التي قد تشكلها حينذاك؟
أحد التهديدات على سبيل المثال، أن العالم سيغدو بلا خصوصية. وقد ظهرت هذه المشكلة بالفعل في الوقت الحالي. إذ تقضي مواقع التواصل الاجتماعي على شعورنا بالخصوصية والحرية عندما يجهل الآخرون هويتنا الحقيقية، وتضعف رغبتنا في الحصول عليهما.
وفوق ذلك، يستغل البعض هذه المواقع لابتزاز الآخرين واستضعافهم. وتتضافر جهود الكثير المؤسسات الخيرية والمنظمات التي لا تهدف للربح حول العالم للتصدي للمتصيدين الذين يحاولون استدراج الأخرين واستفزازهم عبر الإنترنت.
لكن السؤال الذي لا يزال مطروحا الآن هو هل ستتمكن وكالات إنفاذ القانون والشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي من التصدي لهذه الظاهرة؟ أم هل ستستفحل وتزداد سوءا؟
ليس هذا فحسب، بل هناك أيضا مشكلة نوعية المعلومات التي نستقيها من وسائل الإعلام والإنترنت، فإذا ظلت الأخبار الكاذبة تنتشر بنفس المعدلات التي تُنشر بها الأن في كل مكان من حولنا، إلى أي مدى ستتأثر نظرة الناس للعالم؟
وإذا اعتمد الناس على مصادر غير موثوق بها للحصول على الأخبارعلى مدار شهور أو سنوات أو ربما عقود، ستكون العواقب وخيمة على المجتمع والحوار المتحضر.
ورغم ذلك، فإن سرعة ظهور وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي في العالم ربما تنبيء بسرعة التوصل إلى حل لهذه المشكلات. ولعلنا نتعامل بعد 30 عاما مع قضايا جديدة تطرحها مواقع التواصل الاجتماعي لم نلتفت إليها بعد. إذ أن موقع فيسبوك، رغم ما سببه من جدل، لم يتجاوز عمره 13 عاما.
5- توترات جيوسياسية جديدة
اختل العام الماضي التوازن الجيوساسي الهش للعالم تماما، وقد يضع ذلك التغير الاستقرار العالمي على مدار العقدين المقبلين على المحك.
وتصدرت قضايا ومشاكل سياسية لا نهاية لها عناوين الأخبار في عام 2016 وامتدت إلى 2017، بدءا من التجارب التي أجرتها كوريا الشمالية لإطلاق صواريخ بالستية، ومرورا بفرار آلاف اللاجئين عبر الحدود من الفوضى والاضطرابات في بلادهم، وتدخُل قراصنة انترنت في الانتخابات التي تقام في بلدان أخرى، وصولا إلى تنامي المشاعر القومية حول العالم.
وأدت هذه المشاكل والاضطرابات إلى تأجيج الصراعات الجيوسياسية في بعض المناطق، وكان من أبرز تجلياتها التحول الجيوسياسي غير المسبوق سواء كان بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو أزمة اللاجئين السوريين، أو حتى التعامل مع طموحات كوريا الشمالية التي لا يمكن التنبؤ بها.
ولو أضفنا إلى ذلك انتشار القرصنة الإلكترونية، والصواريخ النووية، وغير ذلك من الأجهزة التكنولوجية الخطيرة، سندرك أن المخرج الوحيد هو الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية بين البلدان وبعضها.
6- التنقل بالسيارة بأمان
على الرغم من تسليط الضوء في الأونة الأخيرة على الزحف العمراني المتسارع، وظهور القطارات فائقة السرعة، ونظام "الهايبرلوب" للنقل، والذي يعتمد على كبسولات تنطلق عبر أنبوب معدني بسرعة فائقة، إلا أنه ليس من المتوقع أن يتخلى الناس عن السيارات، بل سترتفع على مدار العقدين المقبلين أعداد السيارات في الطرق.
وظهرت في الأونة الأخيرة تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة، وتبذل كبرى الشركات التكنولوجية وصناع السيارات جهودا حثيثة لطرح السيارات ذاتية القيادة التي لا تحتاج إلى بشر في السنوات المقبلة.
وتكشف الدراسات أن أعداد السيارات، سواء ذاتية القيادة أو السيارات المعتادة، ستزيد بوتيرة متسارعة في السنوات المقبلة. ففي بعض البلدان مثل الصين، التي تشهد اتساعا في حجم الطبقة الوسطى وبالتالي زيادة في الإقبال على شراء السيارات، ستمثل المتطلبات البيئية وأعمال البنية التحتية في الطرق التي يزداد عدد سالكيها يوما بعد يوم، أحد التحديات الكبرى.
فكيف سنضمن مستوى الأمان في الطرق، ونتصدى للتلوث، ونتأكد في الوقت نفسه أن السيارات ذاتية القيادة لا تمثل خطرا في الطرق؟
7- تضاؤل الموارد
يتطلب تصنيع الأجهزة الكهربائية والتقنية الجديدة التي أصبحت إحدى سمات القرن الحادي والعشرين معادن وعناصر أرضية نادرة، إذ يحوى الهاتف الذكي على سبيل المثال ما يزيد على 60 عنصرا من العناصر الأرضية النادرة والمعادن. ولهذا يستنفد التطور التكنولوجي الموارد الطبيعية لكوكب الأرض.
ومن المتوقع نضوب المعادن الخام من المناجم في الصين، حيث يوجد 90 في المئة من المعادن النادرة في العالم، في العقدين المقبلين. ومن العسير الحصول على بدائل جيدة لهذه المواد.
8- استيطان كواكب أخرى
كيف ستضمن شركات السياحة الفضائية أن الأنشطة التي تنظمها آمنة؟ وكيف سنتوصل إلى الطرق التي ننقل بها البشر للعيش على كوكب المريخ أو غيره من الكواكب؟ وقد أثار ستيفن هوكينغ، عالم الفيزياء البريطاني الشهير، هذه التساؤلات مؤخرا.
وربما تقتصر الرحلات الفضائية الآن على وكالات الفضاء وأصحاب المليارات، ولكن إذا أصبحت في متناول الجميع، ستظهر طائفة عريضة من التحديات الجديدة.
ولم يعد الفضاء الخارجي مكانا مجهولا كما كان يراه الناس في الماضي، بعد أن بات الوصول إليه أسهل من أي وقت مضى. ومع زيادة الأموال التي تنفق بسخاء لإرسال البشر إلى أعماق الفضاء المظلم، يتعين علينا دراسة المتطلبات الفنية، ومعايير الأمان، وحتى القوانين، التي ستحكم استيطان البشر للكواكب الأخرى بجدية.
9- تحفيز القدرات العقلية
اعتاد الناس في الوقت الحالي على استخدام العقاقير والمشروبات لتحفيز القدرات العقلية، سواء كانت القهوة أو مواد كيميائية أقوى من القهوة، مثل عقار مودافينيل. ويعتمد أغلب الناس في البلدان المتقدمة على الهواتف الذكية لحفظ المعلومات كذاكرة بديلة لذاكرتهم، ولكن قياسا على ذلك، ماذا سيحدث على مدار العقود القليلة المقبلة؟
تخيل أن تذهب إلى الصيدلية لتشتري عقاقير تجعل قدرتك على التفكير والتركيز أسرع من القدرات البشرية الممكنة، أو رقائق إلكترونية تُزرع داخل الدماغ لتحفز قدراتنا على التركيز بما يفوق القدرات البشرية المعتادة لساعات أو لأيام، على سبيل المثال. وقد بدأت المعامل حول العالم تجري أبحاثا بالفعل لتطوير هذه العقاقير والرقائق.
إلا أن هذه التطورات تدعونا للتساؤل، ماذا سيحدث لمن لا يملكون المال الكافي لتوفير هذه التحسينات على الدماغ؟ وهل ستزيد هذه التحسينات من التفاوت الطبقي، وتمهد السبيل للأثرياء ليزدادوا ثراء؟
وستطرح أيضا قضايا قانونية وأخلاقية، فلا مانع من شرب القهوة قبل خوض اختبار، ولكن هل يجوز أيضا زرع شريحة أو الحصول على دواء لتعزيز الذكاء؟ إن التحديات التي يفرضها تعزيز القدرات العقلية لا تزال في بدايتها في الوقت الراهن.
10- هيمنة الذكاء الاصطناعي على حياتنا
قدم رايموند كورزويل، الكاتب وعالم الكمبيوتر والمهتم بدراسة التطورات التكنولوجية في المستقبل، مجموعة من التنبؤات، كان بعضها ملهما، لكن البعض الآخر يدق ناقوس الخطر.
ويشير في أحد هذه التنبؤات، الذي بدا وكأنه مستوحى من أفلام الخيال العلمي، إلى أن الذكاء الاصطناعي سيفوق الذكاء البشري يوما ما، وسيتمكن من تحسين قدراته بنفسه بوتيرة سريعة، فيما يعرف باسم "تفرد الذكاء الاصطناعي".
ورغم أن هذا الرأي لا يؤيده أغلب العلماء، يُنكر قليل من الناس أن الذكاء الاصطناعي سيزداد قوة في الأيام المقبلة.
وكما هو الحال في قضية التعديل الجيني، ينبغي على المنخرطين في مجال الأجهزة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي أن يأخذوا في الاعتبار التبعات الأخلاقية والاجتماعية لأعمالهم، بعد أن امتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى مجالات جديدة في حياتنا، من الرعاية الصحية إلى الأسواق المالية.
ورغم أن التصورات التي تفترض فناء البشرية ونهاية العالم غير واردة، فلا ننكر أن الذكاء الاصطناعي لديه الإمكانيات التي تمكنه من إحداث تغييرات واسعة النطاق على أنماط العيش التي نتبعها.
وليس من المستبعد حدوث خلل في بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي، أو تمرد تلك الأنظمة على البشر بشكل يتسبب في وقوع كوارث تحصد الكثير من الأرواح، أو تؤدي إلى تبديد ملايين الدولارات.