تطور الروبوتات الصناعية في الصين
في مصنع ضخم بمنطقة دلتا نهر اللؤلؤ في الصين والتي تلقب ب"مصنع العالم"، تتحول المواد البلاستيكية الخام إلى قطع الغيار الجاهزة لجهاز مكيف الهواء من خلال تشغيل الآلات بصورة أوتوماتيكية، حيث تضع الذراع الميكانيكية قطع الغيار واحدة تلو أخرى على الحزام الناقل لنقلها إلى منطقة التعبئة والتغليف، وتتحرك الروبوتات في المصنع لنقل البضائع المختلفة، ولا يوجد سوى اثنين أو ثلاثة من العمال يقومون بفحص المنتجات في نهاية خطوط الإنتاج، وتسعى أكبر الشركات المتخصصة لإنتاج مكيف الهواء في العالم—شركة غري(GREE)، إلى إنشاء خطوط الإنتاج الأوتوماتيكية باستخدام الروبوتات.
وأشارت دونغ مينغ تشو رئيسة مجلس الإدارة لشركة غري لإنتاج مكيف الهواء، إلى أن الشركة سوف تستثمر خمسة مليارات يوان صيني على الأقل من أجل تحقيق الإنتاج الأوتوماتيكي بنسبة 70 في المئة خلال عامين من خلال بناء مصنع روبوت بدون عمالة بشرية، حيث قالت:
"خلال عام واحد أو عامين على الأكثر، ستطرأ التغيرات الجوهرية على نظام الإنتاج في المصنع، الآن، لا يوجد سوى ثلاثة أو خمسة من العمال في ورشة العمل."
وبالإضافة إلى الشركات الكبرى على رأسها شركة غري، تعمل أيضا الكثير من الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم على استخدام الروبوتات لتحل محل العمالة الكثيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة رابو التكنولوجية (rapoo) هي شركة تنتج ملحقات أجهزة الكمبيوتر في مدينة شنتشن، وفي عام 2012، وبقيادة دنغ تشيو وي نائب المدير العام للشركة، نجح فريق التقنيات في تطوير خط الإنتاج للوحات المفاتيح والماوس باستخدام الروبوتات.
"أعتقد أن الروبوتات تعمل بسرعة كبيرة، وفي المستقبل، من المؤكد أن المزيد من الروبوتات ستفعل شيئا بدلا من الإنسان."
خلال العامين الماضيين، عملت الروبوتات في شركة رابو التكنولوجية لتحل محل 75 في المئة من العاملين، لتوفير تكاليف اليد العاملة وقيمتها 100 مليون يوان صيني سنويا، إلى جانب احتلال حصص كبيرة من الأسواق الخارجية بفضل التفوق في الأسعار والجودة، ولذلك، تطلب الكثير من الشركات من شركة رابو التكنولوجية تصميم خطوط إنتاج خاصة لها، وفي ظل ذلك، وبالإضافة إلى إنتاج لوحات المفاتيح والماوس، تعمل شركة رابو التكنولوجية على إنتاج روبوتات كمشروع جديد. وخلال هذا العام، حصل فريق التقنيات برئاسة السيد دنغ تشيو وي على الطلبات المتزايدة بسرعة لإنتاج الروبوتات، إذ قال:
"خلال نصف عام تقريبا، كنا نقدم خدمات للعملاء في أكثر من عشرة قطاعات، منها شركات لإنتاج الموبايل وأجهزة تحديد المواقع والملاحة، والمقاييس، وجداول الجسم، بالإضافة إلى شركات لتصنيع المنتجات الالكترونية مثل شركة إمدادات الطاقة، وشركة إنتاج جهاز التحكم عن بعد."
ورشة الروبوتات
ومن جانبه، أعرب هوانغ فو شين مدير مكتب الابتكار بشركة قوانغ هونغ بمقاطعة قوانغ دونغ، عن رضائه إزاء ثلاثة روبوتات تعمل على شد المسامير، مشيرا إلى أنها متفوقة بشكل واضح على العمالة البشرية، إذ قال:
"في الماضي، كان تركيب المسمار باليد يستغرق دقيقة واحدة، بينما يستغرق 40 ثانية فقط باستخدام الروبوت، وإلى جانب ذلك، لا ترتكب الروبوتات الأخطاء التي ترتكبها العمالة البشرية، وتعمل الروبوتات بمهارة بدون الحاجة إلى تلقي التدريبات."
وتجدر الإشارة إلى أن تشغيل الروبوتات لا يساهم في ضمان الجودة فقط، بل يساهم أيضا في تحسين الفعاليات وخفض التكاليف، وقد بدأ عدد كبير من شركات التصنيع تشغيل الروبوتات، حيث دخلت شركات الروبوتات الأجنبية مثل شركة ABB إلى الصين، وفي الوقت نفسه، تأسست أكثر من 30 حديقة روبوت صناعية في الصين مثل براعم البامبو بعد مطر الربيع، واستثمرت شركة سانيي لمعدات البناء العملاقة بمبلغ كبير في سوق الروبوتات، كما بدأت شركة عملاق الحاويات الدولية—مجموعة الحاويات الدولية الصينية (CIMC)، مد نشاطها في بحث وتطوير الروبوتات لتحل محل 20 في المئة من العاملين.
وأظهرت جميع الدلائل أن الروبوتات انتشرت بسرعة كبيرة في الشركات الصينية، حيث شهد قطاع التصنيع تحولا عميقا في الدخول إلى العصر الروبوتي بأقصى سرعة.
على مدى العقود الماضية، شهدت الصين تطورا سريعا في قطاع التصنيع، وأصبحت "مصنع العالم" المتميزة بالصناعات كثيفة العمالة، ولكن، خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت تكاليف العمالة في الصين، بينما انخفضت هذه التكاليف في بلدان جنوب شرقي آسيا والدول المجاورة مثل الهند، الأمر الذي يجعل قطاع التصنيع الصيني يواجه ضغوطا داخليا وخارجيا، وفي هذا الصدد، أكد تشيو داو كوي رئيس مجلس الإدارة لشركة سياسون(SIASUN) للروبوتات الأوتوماتيكية بمدينة شنيانغ، أكد على ضرورة تشغيل النمط الجديد الأكثر تنافسا من خلال استخدام الروبوتات، حيث قال:
"أولا، انتقل التصنيع الكثيف العمالة بسرعة إلى جنوب شرقي آسيا والمكسيك والهند، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نعاني من نقص العمالة والارتفاع الحاد في التكاليف، ما يساهم في إضعاف تفوقنا في التصنيع منخفض التكاليف، والعوامل الداخلية والخارجية تجعل الصين مضطرة إلى التحديث الصناعي وتغيير النمط الصناعي من خلال استخدام الروبوتات تحويل التصنيع منخفض المستوى إلى المستوى المتوسط والرفيع."
وفي هذا السياق، بدأت الكثير من شركات التصنيع الصينية تستخدم الروبوتات بدلا من الأيدي العاملة، لتحويل النمط الصناعي التقليدي إلى التكنولوجي.
وفي نهاية عام 2013، أصدرت وزارة الصناعة والمعلومات الصينية "إرشادات بشأن تطوير صناعة الروبوتات"، وأشارت فيها بوضوح إلى أنه بحلول عام 2020، من الضروري تشكيل نظام الروتوبات الصناعي الأكثر كمالا، وتطوير من 3-5 شركات متميزة بالمنافسة الدولية، وبناء 8-10 مجموعات من الصناعات المرافقة لها، وتعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي في صناعة الروتوبات من أجل دفع القدرة التنافسية الدولية بقوة، واحتلال أكثر من 45 في المئة من حصص سوق المنتجات رفيعة المستوى، ووصول كثافة الروبوت (وهي عدد الروبوتات المستخدمة لدى كل عشرة آلاف عامل) إلى أكثر من 100 وحدة.
وأشارت البيانات التي أصدرها اتحاد الروبوتات الدولي في يونيو الماضي، إلى أنه في عام 2013، تم بيع 37 ألف روبوت صناعي في السوق الصينية، وهو تقريبا ما يعادل ثلاثة أضعاف المبيعات عام 2012.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات الصادرة عن جمعية التحالف الصينية للروبوتات، أظهرت مرة أخرى ازدهار قطاع الروبوتات في سوق التصنيع الصينية. وأكد ياو تشي جيو نائب الأمين العام بجمعية التحالف الصينية للروبوتات أن هناك وحدة واحدة من كل خمسة روبوتات في العالم، تُباع في الصين، إذ قال:
"في العام الماضي، تفوقت الصين على اليابان لتصبح أكبر سوق الروبوت الصناعي، إذ سجلت الصين رقما قياسيا في نمو قطاع الروبوت الصناعي."
الصين لديها سوق الروبوت الأكثر إمكانية في العالم، ولكن، بالمقارنة مع الدول المتقدمة، بدأت الصين متأخرة نسبيا في تطوير الروبوتات وتشغيلها، وفي الوقت الحالي، احتلت شركات الروبوتات الأجنبية حوالي 90 في المئة من حصص السوق الصينية. وباعتباره المنطقة المتطورة لصناعة المعدات في المستقبل، أثار تطوير الروبوتات وتشغيلها المزيد من الاهتمام في العالم، وبصفتها زهرة الجيل الجديد، إن الصين لم تخفف وتيرة اللحاق بهذا التيار التكنولوجي الحديث، وتعد شركة سياسون(SIASUN) للروبوتات الأوتوماتيكية بمدينة شنيانغ، نموذجا لذلك، وهي أقدم شركة من نوعها، وهي أيضا الأكبر حجما.
روبوت منتج بسياسون
بعد دخول ورشة العمل في شركة سياسون(SIASUN) للروبوتات الأوتوماتيكية، يبدو كأننا ندخل إلى عالم مستقبلي، وقد أشار تشيو داو كوي رئيس مجلس الإدارة للشركة التي يرجع تاريخها في تطوير الروبوتات إلى ما قبل 28 عاما، إلى أن هذه هي ورشة العمل الحديثة لإنتاج الروبوتات، حيث قال:
"هذه هي أحدث ورشة عمل من نوعها في العالم، إنها ورشة العمل لصناعة الروبوتات من خلال تشغيل الروبوتات."
ويوجد هناك أيضا روبوتات متنقلة بدون البطارية والأسلاك الكهربائية، وهي تتوافق مع المتطلبات القاسية الأوروبية لحماية البيئة، وقد تلقت الشركة عددا كبيرا من الطلبات من أوروبا، إذ قال السيد تشيو داو كوي:
"إن مثل هذا الروبوت يعد الأحدث من نوعه حتى في العالم، وفيه اثنان من الكابلات لتحريكه، وتسمي هذه العملية بحملة الحثّ، وتتمثل أصعب الحلقات في كفاءة الحث، أي، كيفية تحريض هذه المعدات كبيرة الحجم، ويعتمد ذلك على التكنولوجيا الأساسية لدينا."
ومن خلال الابتكار وكسر الاحتكار باستمرار، حطمت شركة سياسون(SIASUN) للروبوتات الأوتوماتيكية الكثير من الأرقام القياسية في العالم، وهي لم تساهم في مساعدة الشركات الصينية على رفع القدرة التنافسية فقط، بل حصلت أيضا على عدد كبير من طلبات التصدير، لتدخل إلى صف المنافسين الأقوياء في العالم.
وأشار تشنغ لي ياو نائب رئيس جمعية البحوث بقطاع الهندسة إلى أن عام 2014 هو العام الأول للروبوتات الصناعية في الصين، وخلال السنوات المقبلة، ستصل قيمة الإنتاج للروبوتات الصناعية إلى 310-688 مليار يوان صيني في ستة قطاعات صناعية وهي السيارات والكهرباء والإلكترونيات والأغذية والمشروبات والكيماويات والبلاستيك والمطاط والمنتجات المعدنية. مضيفا أن صناعة الروبوت بدأت تجلب قوة جديدة لدفع تنمية الصناعة في الصين. وفي الحقيقة فإن الروبوت لا يساهم في تغيير نمط الإنتاج الصناعي فقط، بل يساهم أيضا في إحداث سلسلة من الابتكارات التكنولوجية والتقدم الاجتماعي في المستقبل.