تحذير عمال الصدقات من الفاضحات المهلكات!
من القواعد الأصيلة في الإسلام قاعدة: "العلم قبل القول والعمل" والتي هلك الكثيرون بسبب تجاوزِهم لهذه القاعدة الأصيلة!
وأبرز سمات هؤلاء المتجاوزين أنهم يفسدون ويقولون: إنهم مصلحون، يضلون ويحسبون أنهم مهتدون، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11].
ومن هؤلاء المساكين: الكثيرون مِن العاملين على توزيع الصدقات، وأنا لم أقصد بمقالي هذا أن أقوم بالتأصيل الشرعي لموضوع توزيع الصدقات؛ وإن كان هذا هدفًا أسعى إليه - أسال الله سبحانه وتعالى العونَ عليه بواسعِ رحمته - وإنما فقط أردتُ التنبيهَ بهذا المقال على بعض الطامَّات التي لاحظتُ وقوع بعضِ إخواني الأحباب في براثنها، أسأل الله عز وجل لي ولهم الهدايةَ والسداد.
وأول ما أبدأ به التذكير برجل صالح أهلَكَ نفسَه، وهو يظن أنه ينجيها، وذلك كما جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلًا من المسلمين قد خَفَت، فصار مثل الفرخ؛ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((هل كنتَ تدعو بشيء، أو تسأله إيَّاه؟)).
قال: نعم، كنتُ أقول: اللهم ما كنتَ معاقبي به في الآخرة، فعجِّله لي في الدنيا؛ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله، لا تطيقه! أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنَا عذاب النار))، قال: فدعا الله له، فشفاه[1].
فهذا أنصاريٌّ فاضل تقرَّب إلى الله سبحانه وتعالى بطاعةٍ عظيمة، وهي التوبةُ والدعاء، فأهلَكَ نفسَه، وحمَّلها فوق طاقتها!
فإن سألتَ عن سبب ذلك الهلاك كانت الإجابة: لقد قدَّم هذه الطاعة بغير علم من الله سبحانه وتعالى، أو نبيِّه صلى الله عليه وسلم!
ولولا أن تداركتْه الرحمةُ الإلهية؛ إذ أرسل إليه الحق سبحانه وتعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم، وعلَّمه فِقهَ الدعاء الصحيح لهَلَك!
وإني لأرجو أن يكون هذا المقال الموجز، والنصيحةُ المقتضبة، رسالةً إلهية يرسلها الحقُّ عز وجل؛ لينقذ بها الكثيرَ من إخواننا الفضلاء القائمين على أمرِ توزيعِ الصدقات.
أحبتي في الله! القائمين على توزيع الصدقات!
اعلموا رحمني الله وإيَّاكم أن المسلم عمومًا إذا سعى في الخير بغير عِلْمٍ أفسد وظنَّ أنه مُصلح، وأساء وظنَّ أنه محسن، وضلَّ وظن أنه على رشد.
والمحتسب في كل الأمور عامَّة وفي أمر الصدقات خاصَّة، مُندرِج تحت هذه القاعدةِ الجليلة.
ولذلك فقد قال ابن الأُخُوَّة: "والمحتسب الجاهل إن خاض فيما لا يعلمه كان ما يُفسده أكثر مما يصلحه، ولهذا قالوا: العامِّي لا يحتسب إلا في الجليَّات"[2].
وإني أحذر من بعض الطامَّات التي رأيتُ بعضَ الهالكين بها عياذًا بالله:
الطامة الأولى: طامة تحويل الصدقة:
ما يجب أن يُعلم بأن موصِّلَ الصدقة مؤتَمَن على مال الغير، والمؤتمن لا يجوز له ولا يحل له أن يتصرَّف في مال الغير بغير إذنه ألبتة.
والموسر الذي وجبتْ عليه زكاةُ المال يجب أن يقوم بتسليم المال إلى الفقير نقدًا، ولا يحل له أن يشتريَ بها طعامًا ولا ثيابًا ولا غيره؛ بل يجب أن يقوم بتسليمها ذهبًا أو وَرِقًا أو نقدًا، كما هو معلوم مِن الدين بالضرورة.
فإذا كان هذا هو حال صاحب المال الأصلي، فكيف بمن أخذ هذا المال أو الذهب، وأصبح مؤتمَنًا عليه؟! فإنه يجب عليه شرعًا أن يقوم بتسليم المال إلى الفقير نقدًا، ولا يحل له أن يشتري بها طعامًا ولا ثيابًا ولا غيره، وإن فعل كان خائنًا للأمانة، مسؤولًا عنها يوم القيامة.
فإذا قام أحد الناس بتسليم المال لمؤتمَن، وطلب منه توصيلَ المال لأحد؛ وجَب عليه شرعًا تسليمُه المالَ بالصورة التي أخذها، ولا يحِلُّ له أن يقدِّم له بضاعةً عينية؛ كأن يشتري بها طعامًا، أو كساءً، أو دواءً، أو علاجًا، أو أثاثًا، أو أن يقدِّم له أعمالًا خدمية؛ كأن يدهن له شقَّته، أو يصلح له السباكة، أو غير ذلك، فكل هذا باطل شرعًا، وهو خائن للأمانة، مسؤول عنها بين يدي الله عز وجل.
فإن قال: هو محتاج لهذه البضاعة التي أعطيتُها له، وتلك الخدمات التي قدمتُها، ولو اشترى هذه البضاعةَ من غيري أو كلف غيري بهذه الخدمات؛ لدَفَع أضعافَ ذلك.
فإن قوله هذا لا يُغني عنه مِن الله سبحانه وتعالى شيئًا، وهي حُجَّةٌ لن تدفع به إلا في نار جهنم عياذًا بالله، وإنما الواجب عليه شرعًا أن يُسلم إليه المال نقدًا بالصورة التي استلمها من المتصدِّق، ثم بعد ذلك يعرِض عليه هذه الخدماتِ، أو البضاعةَ بالأسعار التي يريدها، ثم يترك الخيارَ بعد ذلك لصاحب المال الحقيقي، فهو حُرٌّ أن يشتري منه أو من غيره، وحرٌّ أن يستخدمَه هو في هذه الخدمات، أو يكلِّف بها شخصًا آخر؛ لأن صاحب المال الحقيقي هو الإنسان الذي كُلِّف بتسليمه المال، والتصرُّف في مال الغير بغير إذنٍ ظلمٌ عظيم، وبغيٌ مستطير، وهو مخاصم محجوج بين يدي الله سبحانه وتعالى غدًا يوم القيامة.
والخلاصة:
إذا كُلِّف المؤتمَن بتوصيل صدقةٍ لإنسان وجب عليه توصيلُها بالصورة التي كُلِّف بتوصيلها بها، ولا يجوز تحويلها لصورة أخرى ألبتة.
الطامة الثانية: تغيير المستفيد من الصدقة:
بعض الناس يؤتمَن على توصيل الصدقةِ لإنسانٍ ما، ثم يرى المؤتمَن أن المقصود بهذه الصدقة ليس أهلًا لها، أو أن غيره أفقر منه، أو أنه قد يستخدمها في شراء بعضِ المنكَرَات، أو يستعين بها على معصية، أو يكون في نفسه حَرَجٌ من هذا الشخص المقصود، فتُسوِّل له نفسُه أيَّ تأويلٍ بارد يقنع به نفسه الأمَّارةَ بالسوء؛ ليحوِّل هذه الصدقة إلى شخص آخر يرى أنه أحقُّ بالصدقة، وهنا فإن الله سبحانه وتعالى لا يَقبل منه هذه الصدقة؛ لأنها ليست مالَه أصلًا، وفي الوقت نفسه تبقى في ذمته يوم القيامة الأمانة التي خانها، ويأتي المقصود بالصدقة فيأخذها منه يوم القيامة، ولو كان فاسقًا؛ بل لو كان كافرًا؛ لأنه صاحبُ المال الحقيقي.
فلا يجوز للمؤتمَن أن يعطي الصدقةَ لغير الشخص الذي سمَّاه له المتصدِّق، ومَن فَعَل ذلك كان خائنًا للأمانة عياذًا بالله.
والخلاصة:
إذا كُلِّف المؤتمَن بتوصيلِ صدقةٍ لإنسان ما، وجب عليه توصيلُها إلى ذلك الإنسان، ولو أوصلها لغيره كان خائنًا للأمانة، عياذًا بالله.
الطامة الثالثة: التشبع بما لم يعطَ:
بعض الناس يؤتمَن على توصيل أمانةٍ لإنسان، وقد تكون هذه الأمانةُ صدقة، أو هديةً، فيذهب المؤتمَن ويقوم بتوصيل هذه الأمانة، ويظن بذلك أنه قد وفَّى ما عليه، وهذا تغريرٌ من الإنسان بنفسه، وقد أهلك المسكين نفسَه وهو لا يدري؛ إذ الطبيعي عند الخلق أجمعين - على اختلاف مِلَلِهم، وكثرة نِحَلِهم، وأنواع قوميَّاتِهم - أنه عندما يقدِّم إنسانٌ لإنسانٍ شيئًا، أنه يقدِّم له من ماله الخاص!
فتوصيل الأمانة بغير البوح باسم صاحبها خيانةٌ للأمانة، وتشبُّع بها، وهذا ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثَوبَي زور))[3].
والزور في النار كما علَّمنا النبيُّ المختارُ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي كان متكئًا فيه ثم جلس؛ تعظيمًا لحرمة الزور، أعاذنا الله منه.
ويحضرني في ذلك الموضع شأنُ أخٍ صالح، وهو من الفقراء المتعفِّفين - أحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا أزكِّيه على الله سبحانه وتعالى - وهو ممن يحتسب في توصيل الصدقات لمستحقِّيها ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، هذا الأخ الصالح الذي أظنُّ فيه الصدق والإخلاص، عندما يرسل زوجته لتوصِّلَ المالَ إلى أرملة، فتقول لها الأرملة: جزاكم الله خيرًا، فتقول زوجة الأخ الصالح: على أي شيء يجزينا الخير؟! هذه ليست أموالَنا، وإنما عليك بالدعاء لأصحابها؛ حتى ثمن المواصلات نحن لا نملكه، ونحن فقط مؤتمَنون على هذا المال؛ لنوصِّلَه إلى أصحابه، لا نملك منه شيئًا ألبتة.
وبهذا الصدق الإلهي، وتلك الأمانة الربانيَّة قد أوصاها زوجُها.
ألا فجزى الله سبحانه وتعالى الأخ الصالح وزوجَه المصون الخيرَ كلَّه على سعيهما في مصالح المسلمين بالصدق والأمانة بغير مَنِّ أو أذًى!
وفي المقابل: أعرف امرأةً أخرى تجتهد في التطوُّع لتوصيل المال إلى مستحقِّيه؛ بغرض أن تكسر أنف المستحِقَّة، وتشعرها بأنها أغنى منها، وتمُنَّ عليها بما ليس من أموالها، ولا مال أهلها!
شخص آخر: إذا وقع بعض الناس في مشكلةٍ مالية؛ كأن يعجز عن سداد مصاريف العلاج مثلًا، يقول له: لا تقلق، أنا أخوك ولا فرق بيننا، وأنا أقضي عنك!
ثم يجمع له المال من الناس، ويدفعه له، كأنه هو الذي دفعه!
تأملوا: إن الله سبحانه وتعالى يُعذِّب بالمنِّ إذا خرج من صاحب المال نفسِه!
فكيف يكون العذاب الإلهي على مَن يمُنُّ بغير ماله أصلًا، وإنما هو مجرد مؤتمَن؛ بل ربما يكون موظفًا يأخذ راتبًا، ويستفيد من الصدقات وتوزيعها أكثر من استفادةِ المقصودين بالصدقة أصلًا!
اللهم سلِّم سلِّم قبل فوات الأوان!
وهذا مِن أخبث صورِ النَّصْب والاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل!
لماذا؟
لأن المعسِر قد يقبل هذا المالَ اضطرارًا، فإذا فرَّج اللهُ سبحانه وتعالى عنه بحث عن الشخص الذي أعطاه المال، وأجزل له الهدايا والعطايا، ونيته في ذلك مكافأته على المال الذي ليس له أصلًا!
والمكافأة على المعروف من هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن هدي الكرام والنبلاء وذوي المروءات.
فقبوله هذه المكافآت إنما هو سُحت، وأكلٌ للحرام، فإذا لم يقبض مكافأةً على ذلك بقي وزر التشبُّع بما لم يُعْطَ!
إذًا، الواجب إخبار المستفيد بمن دفع له الأمانة، وأن المؤتمَن مجردُ ناقلٍ للأمانة فحسب، وليس مَن أخرجها.
وقد يقول المؤتمَن: صاحب الأمانة قد يمنعني من تسميته للمستفيد، فما أفعل؟
أقول: حينئذ لا تُسمِّه، ولكن أخبر المستفيد بأن هذه أمانةٌ ليس لك فيها شيء ألبتة، وأنك مجردُ ناقلٍ مؤتمَن لها فحسب؛
فإن قبلها، وإلا فرُدَّها لمَن أعطاها لك، حتى تبرِّئَ ذمتَك أمام الله سبحانه وتعالى.
والخلاصة: إذا كُلِّف المؤتمَن بتوصيل أمانةٍ لإنسان ما، وجب عليه توصيلُها إلى ذلك الإنسانِ بعينه، ولو أوصلها لغيره كان خائنًا للأمانة عياذًا بالله، وجاء المقصودُ خصيمًا منصورًا عليه يوم القيامة بعدل الله سبحانه وتعالى.
الطامة الرابعة: التدليس في تسمية الأمانة:
ما ينبغي أن يعلم أن الصدقة لها أحكامُها، والهَدِيَّة لها أحكامُها، والقَرْض له أحكامُه، ولكلِّ أمرٍ من هذه الأمور بابٌ فقهيٌّ خاصٌّ به يتناول أحكامَه؛ لأن لكلِّ أمر أحكامًا خاصةً تختلف عن أحكام الأمور الأخرى.
ومِن ثَمَّ فعندما يستلم المؤتمَن أمانةً يجب أن يعلم هل هي هِبة، أو صدقة، أو قَرض؟
وعندما يقوم بتسليمها لأحدٍ، يجب أيضًا أن يخبره بحقيقةِ أمرها، هل هي هِبَة، أو صدقة، أو قَرْض؟
فبعض الناس لا تحلُّ لهم الصدقة، وقد يكون الرجلُ من آل البيت، ويُخفي ذلك حتى لا يُغالي الناسُ في إكرامه وبِرِّه والإحسان إليه، وخشية أن يُفتَن أهلُه وعياله بمبالغة الناس في احترامهم لآل البيت، فيقع لعياله الكِبر والميل عن الحقِّ، والركون على شرف النسب، فيفضِّل إخفاء نَسَبِه عن الناس حتى عن أهله وعياله، ولكنه يعلم بأن الصدقة محرَّمةٌ عليه.
فلو قام المؤتمَن بتسليم الأمانة لأحدِ الناس الذين يُخفون شريفَ نسبِهم، ولم يخبرْه بأنها صدقة؛ فإنه يحمل إثمًا عظيمًا يوم القيامة!
والخلاصة:
إذا كُلِّف المؤتمَن بتوصيل أمانةٍ لإنسانٍ ما، وجب عليه أن يعرف نوع هذه الأمانة هل هي هبة، أو صدقة، أو قرض، ثم يخبر بها الشخص المنتفع بها بنوعها، ثم يترك له الخيار في القَبول والرفض، ولا يدلس في شأنها، وإلا كان خائنًا للأمانة عياذًا بالله.
الطامة الخامسة: عدم الاستئذان:
بعض الناس يتطوَّع بجمع الصدقات لأشخاصٍ بدون إذنِهم، وهذا لا يجوز شرعًا، فبعض الفقراء يُخفون فقرَهم، ولا يُطلِعون عليه أحدًا، وبعضهم يأبى الصدقة؛ إما تعفُّفًا، أو يرفضها لحرمتها عليه لشرف النَّسَب.
وقد يحدث احتكاك ببعض الناس فيطَّلع على فقره، وهنا يكون الفقر سرًّا يحتفظ به الفقيرُ لنفسه، ومجرد البوح بهذا الفقر للناس خيانة للأمانة، وإفشاء للسر، وهو حرام شرعًا.
فإذا انضم إلى حرمة إفشاء السرِّ حرمةُ جمع الصدقات بدون إذن على اسمه، كان الإثم مضاعفًا.
والخلاصة:
لا يجوز شرعًا جَمْع الصدقات لأحدٍ مِن الناس بعينه إلا بعد إذنه بذلك، اللهم إلا إذا كان مِن إنسان تجمعه به علاقةٌ قوية به تطلعه على رضاه بذلك، وحبِّه لقَبول الصدقة؛ فحينئذ يكون محسنًا في فعله.
الطامة السادسة: المتاجرة بالمتعففين:
بعض الناس يصحبُ أحدَ المتعفِّفين، ثم يشكو حاله للناس، ثم يجمع منهم الصدقات على اسمه، فيعطيه بعضها، ويأخذ بعضها مستحِلًّا لها، وقد يبرر لنفسه أنه يأخذ أجرةَ جمعه للصدقة، وقد يحرز لنفسه بعضَ المال، ثم يقدِّم له بعض الخدمات العملية، أو بعض البضاعات العينية مكان ما ادَّخره لنفسه، أو غير ذلك من سُبل الاحتيال.
وهذا سُحت محضٌ، واحتيال سافل على أكل أموالِ الناس بالباطل، وفيه إهانةٌ للمتعففين، وظلم لهم، وتشويهٌ لجمال عفافهم، ونسبتهم لقُبح البطالة والتطفُّل عياذًا بالله، وهم أطهر الناس، وأبعدهم عن ذلك.
وأخيرًا: فهذه بعض الصور للاحتيال باسم جمع الصدقات، مع العلم بأن صور النصْب وسبلَ الاحتيال لا تنحصر ألبتة؛ وذلك أن الشيطان لا يفتُر في اختراع صورٍ جديدة كلَّ يوم للمحتالين؛ تعينهم على دخول جهنم بأيسر السُّبل عياذًا بالله.
واتقاء ذلك يكون بشيء واحد فحسب، وهو اتِّباع القاعدة النورانية، وهي: "العلم قبل القول والعمل"، فيجب طلبُ العلم قبل كل شيء، والرجوع لأهل العلم الثقات قبل العزم على أي شيء، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ [النحل: 43، 44].
وطبعًا نصيحتي تلك موجَّهة لمن يريد وجهَ الله سبحانه وتعالى بهذا السعي في جمع الصدقات، وتوصيلها لمستحِقِّيها، أما الذين يستخدمونها في الاحتيال على المسلمين، والتكسُّب مِن ورائها، أو مَن يوظفونها في نيل مرتبةٍ اجتماعيةٍ رفيعةٍ، وإشباع رغبات النفوس المريضة فالله حسيبهم، وهو يكفيناهم بما شاء سبحانه وتعالى، ولكن على الناس الانتباه لهذا اللون المراوغ من الناس حتى لا يساعدوهم على أكل السُّحت، وإيذاء المسلمين عامَّةً، والمتعففين بصورةٍ خاصةً.
نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يحفظنا وجميعَ المسلمين مِن السُّحت وآكليه، والاحتيال وأهله، فهو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.