باع ابنته من الجوع
يقول احدهم رأيت رجلا من جيراننا يوما بعد صلاة العصر يقف عند صندوق القمامة ثم مد يده وأخذ شيئا وأدخله بيته، قال : ففزعت لما رأيت بجاري وقلت لعله محتاج وأنا لا أعلم، فعزمت على زيارته والتعرف على حاله وسؤاله عما رأيت منه.
ولما زرته رحب بي ورأيت منه حالا حسنة وغنى ظاهرا فسألته عما شاهدته
فقال : لقد رأيت طعاما في القمامة صالحا للأكل فتأثرت لرميه وآثرت أن آخذه وأكرمه عن أن يوضع في هذا المكان المهين .
ثم قال: لقد مر بي من الجوع شيء عظيم لا طاقة لأحد به وعاهدت الله على أن لا أرى طعاما إلا أكرمته وأن لا أترفع على طعام مهما كان حالهواسمع قصتي :
مرت بي سنة وأنا بمكة أصابني فيها فقر عظيمولم يكن عندي حينها عمل وكانت لي زوجة وابنة وكنت أخرج من الصباح أبحث عمن يؤجرني أو يستعملني أو يعطيني شيئا فلا أجد فآوي إلى بيتي وليس بيدي شيء فأجد زوجتي وابنتي ينتظران قدومي لعلهما يجدان بيدي شيئا يرفع عنهما ألم الجوع، ومرت بنا ثلاثة أيام لم يدخل أجوافنا شيء ففكرت في أمري فانقدح في ذهني أمر لا يخطر ببال حر ألبته ، ثم لم ألبث أن فاتحت به زوجتي، قلت لها: حتى متى نبقى ونحن ننتظر الموت !
والجوع قد أقض مضاجعنا وأرهق أبداننا وهذه
ابنتنا أقل منا صبراً، فإن رأيت أن تزينيها وتمشطيها وأذهب بها إلى سوق فأبيعها فأجد بثمنها طعاما وتجد قوما يطعمونها فتبقى حية ونسلم جميعا من الموت الذي بدأ يحاصرنا. فأنكرت علي وخوفتني بالله، فما زلت بها أجادلها حتى رضخت ورضيت، وجهزتها لي فأخذتها وذهبت بها إلى السوق.فمر بنا رجل من البادية فنظر إليها فأعجبته
واسترخص ثمنها ، ثم ساومني عليها فتراضيناعلى اثني عشر ريالا من الفضة .
عندما أخذت الدراهم عدوت مسرعا إلى سوقالتمور أشتري زنبيلا من التمر نملأ به بطوننا فاشتريت زنبيلا بريالين، وطلبت من الحمال أنيتبعني به فليس بي طاقة على حمله من شدة
الجهد وألم الجوع، فسبقته، فلما وصلتبيتي التفت فلم أجد الحمال خلفي فرجعت أبحث
عنه فلم أجده، فقلت : أرجع إلى السوق فأشتري بدله آخر وأبحث عن الحمال في وقت سعة. فلما أردت أن أنقد ثمن التمر لم أجد في جيبي شيئا فأصابني من الهم والغم ما لو نزل بجبل لهدّه .
فعزمت على الذهاب للحرم ، فلما دخلت المطاف وجدت البدوي يطوف ومعه ابنتي فوقع في نفسي أن أتربص به حتى إذا خرج من مكة عدوت عليه في إحدى شعابها فقتلته وخلصت ابنتي، فبينما أنا أطوف إذ رمقني ووقعت عينه على عيني فلما انتهى صلى خلف المقام وصليت، ثم التفت إلي ودعانيفقال: من هذه البنت التي بعتنيها ؟
قلت: جارية عندي!
قال: بل هي ابنتك، سألتها فقالت : هذا أبي. فما حملك على ما صنعت ؟قلت: والله لقد مر بي وبها وبأمها ثلاثة أيام لم نذق فيها طعاما وقد خشينا الموت فقلت أبيعها لعل الله أن ينقذنا بها وينقذها بك. ثم أخبرته بخبر ثمنها وأني فقدته ولم أنتفع منه بشيء .
قال : خذ ابنتك ولا تعد لمثل هذا ، وأخرج صرة
فيها ثلاثون ريالا فقال:هذه بيني وبينك ، فقسمها نصفين ثم دفع إلي نصيبي .
ففرحت فرحا عظيما وشكرته ودعوت الله له وحمدت الله على فضله، وأخذت ابنتي وذهبت إلى سوق التمر لأشتري تمرا لي ولابنتي وزوجتي. ففوجئت بالحمال الذي حمل التمر لي ، فصرخت فيه: أين كنت ؟ فقال : يا عم لقدأسرعت في مسيرك حتى عمي علي طريقك وطفقت أبحث عنك فلم أجدك فرجعت
إلى السوق لعلي أعثر عليك ، والحمد لله أني وجدتك.قال: فقلت له : الحق بي، فلما دخلنا البيت وأراد أن يفرغ التمر في إناء عندنا إذا بالدراهم العشرة التي فقدتها في أسفل الزنبيل. فحمدت الله وشكرته على فضله وعلمت أن الفرج يأتي بعد الكرب وأن مع العسر يسرا.
وعاهدت ربي أن أشكر نعمته وأن أُجِلَّ رزقه وأن لا أحقر طعاما أو أرميه أو أدعه منبوذا مع القمامة والقاذورات والله المستعانفهذا خبري فهل أُلام على ما فعلت ؟!