احضر طالباً من المرحلة الإعدادية أوالثانوية واعرض أمامه كتاباً للصف الأول الابتدائي، واطلب منه أن يقيّم لك صعوبة الدروس التي فيه… ستجده يستهزئ بالكتاب ويقول لك ما هذه المعلومات البسيطة التي تعطيني إياها… أستطيع حلّها وأنا نائم… وربما يسخر من تلميذ في الابتدائية لم يعرف حل عملية حسابية بسيطة مثل الجمع أو الطرح وينسى نفسه حين كان في بداية تعلّمه وكيف كان يستصعب التمارين الأساسية ويعجز عن قراءة جملة كاملة بشكل سلس وصحيح.
فمن الطبيعي أن يتدرج الطالب في المعلومات التي يتعلمها من السهولة إلى الصعوبة كلما ارتقى في المراحل الدراسية و كبر عمره و صار بإمكانه القيام بالمزيد من العمليات العقلية والمهارات الذهنية.
ويُراعى أثناء وضع المناهج الدراسية والأهداف التعليمية من خلال المدرّسين والمختصين عملية التدرج في المعلومات والمفاهيم حسب القدرات التي تنمو بنمو الطفل، وكان أول من وضع هذه التصنيفات وقسمها إلى درجات ومراحل هو عالم علم النفس التربوي في جامعة شيكاغو بنجامين بلوم عام 1956، والذي وضع علم تصنيف الأهداف التعليمية Taxonomy of Educational: Objectives والذي يعرف باسم “
تصنيف بلوم (Bloom’s Taxonomy)” هو تصنيف لمستويات الأهداف الدراسية التي يضعها المدرسون لطلابهم. ومن خلال هذا التصنيف قسم الأهداف إلى ثلاثة نطاقات: (الإدراكي – السلوكيات – النفسي الحركي).
ويعتمد هذا التصنيف على الأسلوب الهيكلي بحيث أن تعلم مهارة عُليا يستلزم بالضرورة معرفة المهارة الأدنى منها في الهرم.
يتعلق النطاق الإدراكي بالمعرفة والتفكير والتحليل والتطبيق على موضوع ما، وهو ما يعتمد عليه النظام التعليمي بشكل عام والمناهج الدراسية من خلال الدروس والتطبيقات التي تُذكر عليها، وقد قسم هذا النطاق إلى ستة مستويات وهي من المستوى الأدنى إلى الأعلى:
1 – المعرفة (Knowledge)
إظهار القدرة على تذكر المعلومات و ما سرد ما دُرِس من قبل، وهذا يتضمن استرجاع حقائق ومعلومات بسيطة، ويظهر ذلك من خلال ذكر الأسماء والقواعد التي دُرِست وأمثلة عنها.
في هذه المرحلة يستخدم الأستاذ العصف الذهني والأسئلة لمعرفة ما يعرفه الطلاب عن الموضوع المطروح وما يتذكرونه من معلومات تم تناولها سابقاً في مراحل أو دروس سابقة.
مثال من درس العلوم: أن يذكر أنواع الكائنات الحية (إنسان – حيوان – نبات).
أو من درس اللغة العربية: أن يذكر أنواع الكلمة (اسم – فعل).
وهذا يحدده الأستاذ حسب المرحلة التي يقوم بتدريسها والمعلومات التي تم إعطاءها لهم من قبل.
2 – الفهم (Comprehension)
يكون عن طريق جعل الطالب يعيد صياغة العبارات كما فهمها، يوضح المعاني ويفسر الرموز التي يتضمنها الدرس، يعطي أمثلة تختلف عن المذكورة، ويستنتج بنفسه بعض المفاهيم المتعلقة بالموضوع المدروس.
تأتي هذه المرحلة بعد شرح الدرس من قبل الأستاذ وذكر كافة المعلومات التي يريد أن يعطيها لهم ثم يطلب منهم عرضها بطريقتهم الخاصة من خلال أسئلة بسيطة يقوم بطرحها عليهم.
مثال من درس العلوم: قارن بين الخلية النباتية والحيوانية، أو اذكر مكونات كل منها.
3 – التطبيق (Application)
استخدام الاستنتاجات التي توصل لها في تطبيقات عملية وحياتية، ويبرهن مفاهيم مشابهة لما درسه.
هذه المرحلة يمكن أن تتلخص في الأسئلة التي تكون في نهاية الدرس في الكتاب وهي عبارة عن مسائل تطبيقية حول المعلومات النظرية التي تم طرحها من خلال الدرس.
مثال مسائل الرياضيات التي تستخدم النظريات، أو أن يقوم بوصل دارة كهربائية لفهم درس التيار الكهربائي في الفيزياء.
4 – التحليل (Analysis)
تمحيص المعلومات وتفكيكها إلى أجزائها وتحديد الأسباب والدوافع، ثم القيام باستنتاجات وتدعيمها بأمثلة لتأكيد صحتها، وتحديدًا تحليل العناصر والعلاقات فيما بينها.
في هذه المرحلة يستطيع الطالب استنباط معلومات جديدة بناء على المعلومات المقدّمة له، مثل أن يقوم (في مادة اللغة العربية) بشرح قصيدة مشابهة للتي تمت دراستها بناء على ما تم أخذه.
5 – التركيب (Synthesis)
تجميع المعلومات بتركيب عناصرها بطرق وتسلسلات مختلفة وطرح حلول بديلة. طرح طرق تواصل فريدة، طرح خطط وعمليات مختلفة، استخلاص علاقات تجريدية.
حين يصل الطالب إلى هذه المرحلة بعد اجتياز المراحل الأربع السابقة يجب أن يكون قادراً على تفسير معطيات جديدة بناء على معلومات تم أخذها، مثل تقدير ناتج ضرب أعداد ذهنياً أو أن يضع سؤال بنفسه حول الدرس ويجيب عنه.
6 – تقييم (Evaluation)
طرح الأفكار والدفاع عنها، والاجتهاد بناء على أدلة داخلية ومعايير خارجية.
المرحلة الأخيرة في النطاق الإدراكي والأعلى فيه ويقوم بذلك من خلال استكشاف أخطاء نحوية في جملة ما، أو يناقش الأفكار المطروحة في درس الفلسفة ويقيّم صحتها من عدمه.
عام 2001 قام عالما علم النفس التربوي (أندرسون وكراثويل) بتعديل بسيط على التصنيف حيث قاما بتبديل عمليتي التركيب والتقييم بحيث تصبح عملية التركيب في المرحلة الأعلى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المعلم لا يعتمد هذا التصنيف بشكل مفصل كما هو مذكور وإنما يتداخل أثناء إعطاءه المعلومات للطلاب وتوضيحها لهم بالتدريج من خلال الأساليب المختلفة التي يستخدمها الأستاذ مع طلابه.