كسَا الأكوانَ هذا الفتحُ بُشرى |
وعطّر مسكهُ براً وبحرا |
أيا فلكاً جرى بالخير هذا |
زمانك فاجرِ قد صادفت مَجْرى |
وفي الدنيا عجائبُ ليسَ تفنى |
إذا إحدى مضت جاءتك أخرى |
تؤلف هذه الأيامُ فينا |
صحائفَ عِبرةٍ بالقلب تُقرا |
وفي طيّ القضاء بديع سِرِّ |
تبوح به عوادي الدهر جهرا |
إذا اشتدت أمور الدهر فاصبر |
فإنّ الدهر لا يسطيع صبرا |
ولا تستبطِ فالأيام تُوفي |
وتأخذ حقّها المبخوسَ وَفرا |
ومن طلب القرار بأرض قوم |
يُطابِع دهرهم حُلْواً ومُرّا |
وذو التقوى وإن ضعف ابتداءً |
فإن مقامه يزداد وِقرا |
وذو الدنيا وإن طالت يداه |
فإنَ أموره ترتد خسرا |
لواء الملك معقود بمالٍ |
وجندٍ دوّخوا سهلاً ووعرا |
فلا جند بغير المال يُغني |
ولا بالعكس نيلُ الملك يُدْرَى |
ومن يَستغن عن جند بمال |
يعش في الذل ممقوتاً مُعرَّى |
ومن قطع القبائل عنه لاقى |
بيومٍ مّا هواناً مُستمرّا |
ومن ينقض عُرى الحزم اتكالاً |
قضى أسفاً إذا المحذورُ كرَّا |
ومن في الناس سيرته بمكر |
يلاقي منهم خَدْعاً ومَكرا |
ومن في الناس سار مدى بعنف |
ذراعاً منه لم يقفوه شبرا |
وذو الوجهين لا يصفو لخلق |
ولا يُحسَنْ به ظن فيَبْرَا |
ومن سلك الطريق بلا دليل |
تخبّط هُوّةً واشتال شرَّا |
زمام الأرض نشر العدل فيها |
وقائد أهلها للخير دهرا |
تفانى الناس في الفاني ضلالا |
وما خُلقوا له ولَّوْه ظهرا |
بهم حبٌّ لزَهرته مضرٌّ |
محبة عُروةَ العذريِّ عَفرا |
وصار البغي بين الناس طبعاً |
فبعضهم على بعض تجرَّا |
أليس الأمر بالمعروف فرضاً |
فيدرأ عنهم بغضاً وضرا |
تعالى الله صار العلم جهلا |
وصار العدل والإِحسان نكرا |
مضى زمن بعزّان بن قيس |
اماماً مرتضى عدلا وبِرا |
لقد زهرت به الدنيا وطابت |
شمائلها به زمناً وقُطرا |
ومرَّت بعده سنوات جور |
فَرَتْ أبناءَها ناباً وظفرا |
إلى أن بان فجر الحق ممن |
تبدَّى في سماء العدل بدرا |
وكان بغابر الأزمان سرّاً |
فنقَّله القضاء فصار جهرا |
امام عادل غوث البرايا |
خروصّيٌ علا شرقاً وقدرا |
كأنَّ بني خروص في البرايَا |
جبال قد رست براً وبحرا |
وسالم الإِمام من الدنايا |
وناصر الهمامُ الدينِ نصرا |
كريمِ أريحيُّ البذل أسخى |
بفيض ندىً من المُنْهَلَ قَطرا |
شديد للأعادي ليِّنٌ للأ |
صادق بحر علم سال دُرّا |
وسالم الإِمام بدا بعصر |
نتيه به على الأزمان فخرا |
لقد فتح المعاقل من عمان |
وقام بحقها عدلاً وبرا |
وما استكفى بملك العرب حتى |
تسنم صهوة من ملك كسرى |
وما الرستاق إلا عرش ملك |
عليه يستوي المسعود قهرا |
دعته لنفسها الرستاق كفئاً |
وكانت في حمى الماضين بكرا |
فصدّقها بما تشكو إليه |
وأصدقها رضاء الله مهرا |
ولبَّاها بجيش لو يلاقي |
صروف الدهر ولَّت عنه حسرى |
بمنبثٍّ تغصّ الأرض منه |
يؤجج جانباه الماءَ جمرا |
يطمُّ كأنه طوفان نوح |
تُصَادف أينما يممتَ بحرا |
تلوحُ على بوادره المنايا |
فتوردهم حياض الموت حُمرا |
رجالٌ كُمَّلٌ لله باعوا |
نفوسهم بها الجنات تشرى |
فكم سمعوا الامام وكم أطاعوا |
وكم نصحوا لهُ سِرّاً وجهرا |
فما أصباهم عنه لجين |
ولا ذهب ولا نظروه شزرا |
دعاهم وعمّوا فأتوه شُعثاً |
كأمطار حدتها الريح عصرا |
فجاؤوا مثل سدّ من حديد |
تحف به العناية أين مرا |
عليه رفرفت رايات عدل |
بها كتب الإِله النصر سطرا |
وبالرستاق قد نزلوا وسَدُّوا |
منافذها وعموا الطرق حجرا |
وأحمد نجل إبراهيم فيهَا |
هزبر فارس لاقى هزبرا |
عريق المجد منفرد المزايا |
عظيم الشأن أدهى الناس خبرا |
أشد الناس صبراً في البلايا |
وأوسع فيهم كفّاً وصدرا |
وأصحاب له كبروق خطف |
يصبُّون القضا خيراً وشرَّا |
أُسود الحرب ورّادو المنايا |
رماة يفقؤُون الطرف نقرا |
كثيرون الفعالَ ندى وبأساً |
وكانوا عندنا في العدل نزرا |
ولمَّا لم يروْا قَبِلاً لديهم |
مبارزةً أصاروا الحصن ظهرا |
وكم خيرٍ يجر إليك ضيراً |
وبعض الشر يدفع عنك شرَّا |
فأحدقت الجيوش به وصارت |
جنود الله نحو الحصن تترى |
كأنَّ القلعة الشهباء لمَّا |
أحيط بها وشاح ضمَّ خصرا |
كمعصم ذات حسن حل يسراً |
أحاط به سوار ضاق عسرا |
وشبت نارَها الحربُ اضطراباً |
وأبدت نابَها الهيجاءُ كشرا |
بروق القلعة اهتزت دلالاً |
وزاد كلامها الأسماع وقرا |
إذا برج الحديث أضاء برقاً |
فبرج الريح أبدى الرعد جهرا |
وفي برج الشياطين المنايا |
سحاب تمطر الذيفان قطرا |
وكسرى من عوائدها إذا ما |
أتى جيش العدا أولته كَسرا |
وذا شيءٌ أتى يربو عليها |
وذات الشيء بالأقدار أدرْى |
تباعدت الرُّبى عنها وأبدت |
منافذ تقرع الأرجاء قطرا |
فكم قد أنفقوا نفقاً ملياً |
من البارود فاختلسته قسرا |
وألسِنة المدافع كلَّمتها |
بهدي وهي تعلو ذاك كِبرا |
فبان الخطب عن قتلى وجرحى |
من الرصدين كلٌّ غالَ شطرا |
وفي فلج الشُّراة شُراةُ موتٍ |
لقوم أحدثوا في الحزم أمرا |
ففاض من الامام خضمُّ جيش |
فشرَّد جمعهم عقلاً وعقرا |
وعاق الصبر جمعاً واستمرا |
وضاق الأمر ذرعاً واستحرَّا |
وقد يئس ابن إبراهيم ممن |
ترجى في الحمى نفعاً وضرَّا |
وأيقن أنَّ أمر الله جار |
به أجرى لأهل الأرض أجرا |
وكيف يغالب الغَلاّبَ قومٌ |
وسِرُّ الله يعلو الخلقَ طُرَّا |
وقد بلغتهم الآيات منه |
وأنَّ له من الرحمن سِرَّا |
وحالت حالُهم شيئاً فشيئاً |
وطال أولو الهدى جِسراً فجسرا |
فمالوا للخروج لِما رأوهُ |
وقد نفِد الذي عدُّوه ذخرا |
وأحمد صار أحمد لِلَّيالي |
وأرجى لإشتداد الأمر يُسرا |
واقبل آخذاً بالحزم يسعى |
لحصن الحزم وهناً فاستقرا |
وخمسة أشهر إلا قليلاً |
قضى حقاً لكسرى صار عذرا |
وآخر شهر شوال فتوح |
بعام طيب الرّستاق بِشرا |
لقد فتح المغالق مطلقاً من |
نهى وقرى بها وهلمَّ جرا |
امام المسلمين أتتك طوعاً |
ملبية فصُغْ لله شكرا |
به الرستاق قد مالت دلالاً |
كخود أقبلت في القصر سَكرى |
لقد نلت السَّعادة في المغازي |
تدين لك القرى براً وبحرا |
ولا زلت الدليل لكل خير |
يغاث بك الورى دنيا وأُخرى |