لم تشهد مدرسة علمية من مدارس العلوم الإسلامية كما شهدته مدرسة الإمام الصادق (ع) من الإقبال والحضور الفعّال فيها، ولم يعرف لأحد من أئمة المذاهب الدينية مثلما عرف عن الإمام الصادق (ع)، فقد كانت تتوالى عليه الوفود من أقطار البلدان الإسلامية النائية والدانية، فكان من بين طلابه ممن جاء من مصر العربية وخراسان وحضرموت وغيرها، علماً أن أكبر عدد يشكله هؤلاء الطلبة، هم من أهل العراق ومن الكوفة بالخصوص، حيث كانت محط رحال طلاب العلم منذ أن أقامها أمير المؤمنين (ع) عاصمة للدولة الإسلامية.
وكما ذكرنا سابقاً من أنّ عدد طلاب هذه المدرسة العلمية وصل إلى (4000) طالب(26)، كلّ يقول حدثني الإمام الصادق (ع)، وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدل على مدى ازدهار، وفعالية، ودور الإمام الصادق (ع) في إنجاح العمل والإرشاد الديني آنذاك، ومدى مطابقة قوله لقول جده (صلّى الله عليه وآله)، حتى أنّه وقف بشكل حازم وجدّي موقف الطود الشامخ في وجه العواصف العاتية والتيارات الإلحادية والأفكار المنحرفة، فكان نعم العون ونعم الأب الروحي والمدافع الديني عن الإسلام، فقد صدقهم في القول والفعل، وكان مثلاً رائعاً، وقدوة حسنة، ومثلاً مطابقاً لمثل جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله).
ولم يكن هذا مختصاً بالإمام الصادق (ع) من سائر أهل البيت (عليهم السلام)، فقد كان لكل واحد منهما دور مكمل للآخر في استمرار وبقاء الشريعة الإسلامية على مرّ الأيام والقرون، نعم قد يختلف الدور الذي يمارسهالإمام من حيث المنحى والأسلوب المتبع في نجاحه وممارسته باختلاف الظروف التي تقتضيه، ولكن النتيجة والهدف - الذي من أجلها وأجله قام به - يصب في مصب باقي الأدوار الأخرى، والتي في النهاية تصبّ في مصب حفظ الشريعة من الضياع والدفاع عنها، ورد الشبهات والترهات والتشكيكات التي تلقيها الأقلام المأجورة من هنا وهناك، فكان أهل البيت المنهل الصافي من الكدورات التي ينهل منها طلاب العلم والمعرفة.