إن ّ أهم ميزة امتازت بها هذه المدرسة العلمية هي طابعها الاستقلالي والروحي والفكري والعقائدي والثقافي، ...، وعدم خضوعها لنظام السلطة، إذ إنها لم تفسح المجال أمام ولاة الجور أن يتدخّلوا في إدارة شؤونها وتغيير أمورها، وهذا ما لم نلمسه في المدارس الأخرى التي ظهرت قبل وبعد مدرسة الإمام الصادق (ع)، حيث كانت تسيّرها السلطات وفق الرؤى التعسفية، والمصالح الشخصية، والمطامح السياسية لأصحابها، وكاد أن يكون روادها عمال خاضعين لإرادة تلك الحكومات آنذاك، حتى ظهرت عقيدة الجبر في زمن الأمويين(15)، والقول بقدم القرآن وغير ذلك من القضايا التي نلمس منها تدخل يد السلطة بشكل واضح.
فمنهج الاستقلال والابتعاد عن التأثير السلطوي زاد في تقدمها وتألقها، وصار باعث حق لطلابها، في وقت طمع الحكماء في الاقتراب منها لأجل الاستفادة من ذلك لأغراضهم السياسية، عن طريق إظهار التعاطف والتودد لزعيمها ولطلابها، ولكن رائدها من لا ينخدع بذلك.
ومن جملة الشواهد الدالة على استقلاليتها، أجوبة الإمام الصادق لمراسلات المنصور العباسي إليه، والتي جاء فيها:
«لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه الإمام (ع): ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّئك، ولا تراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك ؟ فكتب إليه، تصحبنا لتنصحنا، فأجابه الإمام (ع): من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك»(16).
فهذا الموقف وغيره أكسبها شهرة عظيمة في مختلف أرجاء البلاد الإسلامية، فصار باعثاً قوياً لشدوا الرحال إليها والتزود من عطائها، حتى تخرّج منها أربعة آلاف طالبٍ كلهم يقولون حدثنا الإمام الصادق (ع).